رفع إدريس جطو رئيس المجلس الأعلى للحسابات، أمس الثلاثاء 24أكتوبر 2017، مذكرة إلى الملك محمد السادس، بخصوص التقرير المتعلق ببرنامج التنمية المجالية لإقليم الحسيمة “منارة المتوسط
التقرير الذي بناء عليه، أعفى الملك، مجموعة من الوزراء ومسؤولين كبار في مؤسسات الدولة، فيما منع آخرين من تقلد أي مسؤولية مستقبلا.
وقدم رئيس قضاة الحسابات المالية، التقرير المتعلق ببرنامج التنمية المجالية لإقليم الحسيمة “منارة المتوسط” وذلك طبقا لأحكام الدستور ومقتضيات القانون رقم 62 – 99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية.
وجاء هذا التقرير تنفيذا لتعليمات الملك، حيث قام المجلس الأعلى للحسابات بفحص برنامج التنمية المجالية لإقليم الحسيمة “منارة المتوسط” وذلك في إطار اختصاصاته في مجال تقييم المشاريع العمومية.
ولإنجاز هذه المهمة، تقول مذكرة جطو، قام المجلس بدراسة التقرير المعد من قبل المفتشية العامة للإدارة الترابية والمفتشية العامة للمالية، والذي تسلمه المجلس من الحكومة بتاريخ 3 أكتوبر 2017 طبقا لمقتضيات المادة 109 من مدونة المحاكم المالية.
وحسب مذكرة المجلس الأعلى للحسابات المرفوعة إلى الملك، فقد قام هذا المجلس، بدراسة الوثائق والبيانات المقدمة إليه بناء على طلبه، من لدن الوزارات والأجهزة العمومية المشاركة في هذا البرنامج. كما قام المجلس بالاستماع إلى عدد من مسؤولي الأجهزة العمومية المعنية.
و طلبت هذه الهيئة القضائية، حسب مضمون التقرير، من جميع الأطراف تقديم وثائق ومعلومات إضافية تتعلق بمدى تقدم الإنجازات إلى غاية متم شهر شتنبر 2017.
وسجل المجلس عدة اختلالات شابت مرحلتي إعداد وتنفيذ هذا البرنامج، في الوقت الذي لم تسفر فيه مراجعة الوثائق والبيانات، عن الوقوف على حالات غش أو اختلاس.
وتقول مذكرة قضاة المالية العمومية، أنه بخصوص مرحلة الإعداد، تبين من دراسة مكونات هذا البرنامج أنه لم ينبثق عن رؤية استراتيجية مندمجة تتقاسمها جميع الأطراف، إذ تبين أن إعداد المشاريع المكونة لهذا البرنامج لم يتم بالدقة المطلوبة، حيث إن الجدول الزمني التوقعي لإنجازها اكتفى بتحديد المساهمات السنوية للأطراف المشاركة، إذ أنه في غياب المبالغ المرصودة لكل مشروع على حدة، تبقى هذه المساهمات ذات طابع تقديري.
وفيما يخص الاتفاقية-الإطار التي تم توقيعها أمام جلالة الملك بتاريخ 17 أكتوبر 2015 بتطوان والتي تشكل الإطار التعاقدي بين جميع الأطراف، تضيف المذكرة، أنه كان على كل من وزارة الداخلية وولاية الجهة أن تتأكد أنها مدعمة بمستندات أساسية كقائمة المشاريع المدرجة في البرنامج والتقديرات المحينة للتكاليف المرتقبة ومصادر التمويل، عوض اقتصارها على مقتضيات ذات طابع عام.
وفيما يتعلق بحكامة البرنامج، فإن الاتفاقية-الإطار نصت على إحداث لجنة محلية للتتبع والتنسيق يترأسها عامل إقليم الحسيمة ولجنة مركزية للتتبع دون تحديد رئيسها، يضيف جطو عبر مذكرته المرفوعة إلى الملك.
وقد لاحظ المجلس بهذا الخصوص أن اللجنة المحلية للتتبع والتنسيق لم تتمكن من تعبئة جميع المتدخلين بشكل يضمن المساهمة الفعلية والدينامية اللازمة لانطلاق البرنامج على أسس متينة. أما بالنسبة للجنة المركزية، فلم تتطرق إلى نقاط أساسية كالجدول الزمني لإنجاز المشاريع المبرمجة أو الميزانيات المتعلقة بها، إلا خلال اجتماعها الأول المنعقد في فبراير 2017، أي بعد 16 شهرا من توقيع الاتفاقية – الإطار.
وبالنظر إلى أهمية هذا البرنامج والميزانية المرصودة له والعدد المهم من الشركاء وآجال إنجازه، قال قضاة جطو، أنه كان من الأنسب أن تكون مهام القيادة على مستوى الحكومة واللجنة الوزارية للتتبع، وليس على مستوى عامل الإقليم، خصوصا خلال مرحلة انطلاق البرنامج، وذلك لمعالجة الإكراهات المتعلقة أساسا بمحتوى المشاريع، وتعبئة العقار، والتمويل، والقيام بالتحكيم كلما دعت الضرورة إلى ذلك.م
وفيما يتعلق بإنجاز البرنامج، قال جطو أمام ااملك، أمس الثلاثاء، فقد اتسم ببطء انطلاقته، حيث أنه منذ التوقيع على الاتفاقية الإطار في أكتوبر 2015 وإلى غاية شهر فبراير 2017، لاحظ المجلس ضعف، بل غياب أية مبادرة فعلية للشروع في إنجاز المشاريع من قبل أغلبية المتدخلين على المستويين المركزي والمحلي. إذ أنه من بين 644 مشروعا مبرمجا لم تسجل حصيلة سنة 2016 سوى إنجاز 5 مشاريع بقيمة 146,8 مليون درهم والبدء في إنجاز 45 مشروعا آخرا بقيمة 565 مليون درهم.
وقد عللت عدة أطراف أسباب تعثر إطلاق المشاريع بتوصلها المتأخر بوثيقة الاتفاقية-الإطار وعدم برمجة الاعتمادات المالية، بالإضافة إلى صعوبات واجهتها في تعبئة العقار، يضيف جطو.
ويعتبر المجلس الأعلى للحسابات أن هذه التعليلات لا يمكن أن تبرر عدم اتخاذ المبادرة للشروع في تنفيذ البرنامج، إذ كان بالإمكان تفادي التأخير في تبليغ وثيقة الاتفاقية بإرسال نسخ مصادق عليها الى جميع الأطراف غداة التوقيع عليها. كما كان على الحكومة الاستجابة للطلبات التي قدمتها بعض القطاعات الوزارية من أجل توفير الاعتمادات المالية الكفيلة بتمكينها من الوفاء بالتزاماتها.
ومن جهة أخرى، قال قضاة جطو، أنه كان من المفروض إيلاء عناية خاصة لتعبئة العقار نظرا للإكراهات المتعلقة به على صعيد الجهة والمرتبطة أساسا بندرة الوعاء العقاري وتكلفته المرتفعة وتعدد أنظمته القانونية من ملك خاص، وأوقاف، وأملاك مخزنية، وأراضي المياه والغابات.
وأشارت مذكرة المجلس الأعلى للحسابات، أنه بعد تنصيب الحكومة الجديدة، وخاصة بعد المجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 25 يونيو 2017 ، لاحظ المجلس دينامية جديدة أدت إلى تسجيل تحسن ملموس في تنفيذ البرنامج. وبناء على الوثائق المدلى بها حول وضعية تقدم إنجاز المشاريع، فإنه وإلى غاية متم شتنبر 2017 ، ارتفع عدد المشاريع في طور الإنجاز أو في مرحلة الانطلاق إلى 512 مشروعا، بمبلغ إجمالي قدره 3,9 مليار درهم.
كما تم التوقيع خلال الفترة ما بين يناير ويوليوز 2017 على 12 اتفاقية خاصة بين وكالة تنمية أقاليم الشمال ومجموعة من الأطراف، أسندت بموجبها للوكالة مهمة “صاحب المشروع” قصد إنجاز عدد مهم من المشاريع.
ويعتبر المجلس الأعلى للحسابات أن قرار تكليف الوكالة بإنجاز عدد كبير من المشاريع بمبلغ إجمالي يفوق 3 مليار درهم، أي 46% من مجموع ميزانية البرنامج، يعرض تنفيذ المشاريع إلى مجموعة من المخاطر من حيث التتبع والتكلفة والآجال، بحيث يتساءل المجلس حول قدرة الوكالة على تنفيذ برنامج من هذا الحجم ينضاف إلى برامجها الاعتيادية التي تنجزها في أقاليم الشمال الأخرى، وذلك بالنظر إلى إمكانياتها البشرية المحدودة.
ويرى المجلس أن اللجوء المتسرع إلى خدمات الوكالة من طرف عدة قطاعات وزارية، كالتربية الوطنية والصحة والشبيبة والرياضة والثقافة والبيئة، يبقى غير مبرر ويعكس ميلا نحو التملص من التزاماتها على حساب هذه الوكالة، وذلك بالرغم من توفر هذه الوزارات على القدرات اللازمة والخبرة الكافية لإنجاز مشاريع مماثلة يتم تنفيذها بصفة اعتيادية على الصعيد الوطني.
وأوصى المجلس الأعلى للحسابات، هذه القطاعات الوزارية بتسريع القيام بالدراسات الأولية الضرورية، واقتناء وتصفية العقار، والحرص على صرف مساهماتها المالية إلى الوكالة بشكل منتظم، والعمل على تدعيم المصالح التابعة لها على المستوى المحلي لضمان تتبع ملائم لإنجاز مشاريعها.
ولاحظ المجلس بالنسبة لوزارة السكنى وسياسة المدينة، أن الاتفاقية التي أبرمتها الوزارة مع وكالة تنمية الشمال لم يتم التأشير عليها إلا في غشت 2016، وأنه من أصل 220 مليون درهم المرصودة لسنتي 2016 و2017، لم تحول منها لفائدة الوكالة إلا 50 مليون درهم. وبهذا الخصوص يوصي المجلس بالتسريع في إنجاز الدراسات المتعلقة بتدعيم وتقوية التربة في حي بوجيبار. كما يوصي الوزارة بدعم وكالة الشمال عن طريق التتبع عن قرب للمشاريع التي تدخل ضمن اختصاصاتها.
وفيما يخص وزارة السياحة، وبالنظر إلى التأخر المسجل في إطلاق برنامج إنعاش السياحة بالإقليم، يوصي المجلس بتدعيم وتنويع أنشطة الترويج التي تم القيام بها خلال صيف 2017 وذلك اعتبارا لأهمية السياحة في اقتصاد المنطقة.
أما بخصوص المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، يوصي المجلس بتأمين تزويد المنطقة بالماء الصالح للشرب الذي يشكل مصدر قلق للسلطات المحلية واستدراك التأخر المسجل في إنجاز محطة تحلية مياه البحر وكذا مشروع ربط شبكة الماء بسد بوهودة.
وفيما يتعلق بمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، يوصي المجلس بالحرص على إنجاز مركزي التكوين المهني ببني بوعياش وإساكن لضمان افتتاحهما في الدخول المدرسي المقبل، وتدارك التأخر الحاصل في الإعلان عن طلبات العروض وإسناد الصفقات الذي لم يتم إلا في شهر أكتوبر الجاري .
وعلى صعيد آخر، لاحظ المجلس،تقول المذكرة، تسريعا في وتيرة الإنجاز من قبل قطاعات وزارية أخرى كالتجهيز والماء والفلاحة والمياه والغابات، بالرغم من أن مشاريعها انطلقت بشكل بطيء. حيث أن بعض الوزارات دعمت بشكل ملحوظ برامجها مما يجعلها في وضعية تمكنها من تحقيق أهدافها في الآجال المحددة.
فبالنسبة للوزارة المكلفة بالتجهيز، يوصي المجلس الأعلى للحسابات بتسريع إنجاز مشاريع فك العزلة عن الإقليم بصفة عامة، ولا سيما المقاطع الطرقية المندرجة في برنامج منارة المتوسط والتي ارتفعت ميزانيتها من 464 إلى 714 مليون درهم، بالإضافة إلى اتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة بإتمام أشغال الطريق السريع تازة- الحسيمة في أقرب الآجال، وذلك نظرا لأهميته بالنسبة للمنطقة.
ونظرا لحساسية إشكالية الماء في المنطقة،تضيف مذكرة جطو، يتوجب على الوزارة إيلاء اهتمام خاص لمختلف مشاريع التزود بالماء التي تشرف عليها كل من كتابة الدولة في الماء ووكالة الحوض المائي والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.
وقالت مذكرة المجلس، بخصوص وزارة الفلاحة، أنه وإلى غاية آخر شتنبر 2017، قامت الوزارة بتعبئة مبلغ 233 مليون درهم، مما يغطي 182% من البرنامج الأصلي للمسالك الطرقية القروية و102% من برنامج غرس الأشجار المثمرة. وقد عرف هذا البرنامج تسريعا في وتيرة إنجازه بعد انطلاقة صعبة تعزى إلى الطابع الفصلي لعملية غرس الأشجار المثمرة وكذا إلى ضرورة تجميع الفلاحين في منظمات مهنية.
أما بالنسبة للمتحف البحري وبعد أن تم تحديد وعائه العقاري، فإن المجلس الأعلى للحسابات يوصي بتسريع إنجاز الدراسات المتعلقة به لضمان إطلاق هذا الورش في أقرب الآجال.
أما بالنسبة للمندوبية السامية للمياه والغابات المنخرطة في إنجاز متحف ايكولوجي بالحسيمة ومرصد علمي بحري في إمزورن بشراكة مع المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، يوصي المجلس الأعلى للحسابات بتسريع إنجاز الدراسات المرتبطة بهذين المشروعين والتي تتطلب خبرة خاصة.
وأشار جطو، إلى أن الاتفاقية الإطار خصصت مبلغ 1,2 مليار درهم كمساهمة من وزارة الداخلية لفائدة المجلس الإقليمي ومبلغ 600 مليون درهم من وزارة المالية لفائدة مجلس الجهة، دون تحديد المشاريع المزمع تمويلها بواسطة هذه المساهمات.
وحتى بعد التوقيع على الاتفاقية الإطار، فإن وزارتي الداخلية والمالية لم تقوما بإعداد برامج استعمال هذه المساهمات بالتشاور مع المجلسين المعنيين، تضيف المذكرة.
وتبعا لذلك، قامت وزارة الداخلية بتحويل مساهمتها نحو وكالة الشمال عوضا عن المجلس الإقليمي. أما بالنسبة للجهة فقد توصلت بمبلغ 250 مليون درهم من وزارة المالية، ظل مجمدا لمدة سنة كاملة في غياب برنامج للاستعمال، ليتقرر بعد ذلك تحويله إلى وكالة تنمية الشمال من أجل تمويل برنامج طرقي إضافي لوزارة التجهيز، تضيف الهيئة القضائية المالية.
ولتجاوز الاختلالات السابق ذكرها والتي تعزى أساسا إلى نقائص في منظومة الحكامة، يوصي المجلس الأعلى للحسابات بما يلي، ضرورة إسناد رئاسة اللجنة المركزية للتتبع لوزير الداخلية. كما يجب أن تجتمع هذه اللجنة في أقرب الآجال من أجل البت في المشاكل التي لا زالت تعيق تنفيذ البرنامج والمرتبطة أساسا بتعبئة التمويل اللازم وتصفية العقار وإتمام الدراسات، ثم يجب على اللجنة المركزية أن تسهر على انسجام البرنامج سواء فيما يتعلق بمكوناته أو فيما يخص علاقته بباقي البرامج الاقتصادية والاجتماعية المنفذة على مستوى الجهة كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وصندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية، وصندوق التنمية الفلاحية.
كما أوصى المجلس، بأنه يجب على اللجنة المركزية أن تجتمع بصفة دورية، كل 3 أشهر على الأقل، وكلما دعت الضرورة إلى ذلك. ويتعين على كل الأطراف الالتزام بتعيين مسؤول سام، من مستوى كاتب عام أو مدير، يكلف بتتبع إنجاز المشاريع المتعلقة بإدارته، كما أوصى المجلس، بتحديد وتيرة شهرية لاجتماعات اللجنة المحلية من أجل تتبع إنجاز المشاريع عن قرب وإرساء آليات للتنسيق ورفع التقارير باعتماد مؤشرات مناسبة، وإيلاء انتباه خاص للمخاطر التي تهدد وكالة الشمال بالنظر إلى الحجم الكبير للمشاريع التي أصبحت مكلفة بها، والسهر على أن يقوم كل طرف متعاقد معها بتحمل مسؤولياته فيما يخص تنفيذ وتتبع المشاريع المسندة للوكالة.
واقترح المجلس الأعلى للحسابات، في آخر المذكرة المرفوعة إلى ملك البلاد، الاستناد على منجزات برنامج منارة المتوسط من أجل بلورة برنامج مندمج للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للجهة.