محمد الشمسي
بدل أن نضيع وقتنا في التباكي والنحيب على فلسطين وهي التي لها فائض في الأحزان والمحن، يجدر بنا أن نبحث في جوهر القضية لنعرف كيف؟ ومتى؟ وأين؟ولماذا؟ ومن؟ ولماذا؟، لأن خدمة القضية تبدأ من فهم القضية، أما الصياح والعويل فيضر فقط الحبال الصوتية لصاحبه…
وجبت الإشارة أن نكبة فلسطين لم تبدأ مع قرار تقسيمها سنة 1948، فتاريخ “الطمع اليهودي” ظهرت إرهاصاته الأولية سنة 1799 حين أطلق كبير الغزاة نابليون نداءه الى يهود العالم ليتخذوا من فلسطين وطنا لهم انتقاما من هزيمة جيشه على السواحل الفلسطينية،ثم جاء هرتزل الأب الروحي للصهيونية بكتابه”الدولة اليهودية” في سنة 1895 ثم بعقده أول مؤتمر للصهيونية في بازل السويسرية سنة 1897 ، وفي ظل الاحتلال العثماني لفلسطين قطع اليهود خطوات كبيرة للانقضاض على فلسطين، وبانهزام المحتل العثماني في الحرب العالمية الأولى انتقلت فلسطين إلى سيطرة المحتل البريطاني الذي سهل عملية اغتصاب فلسطين وقتل وتهجير سكانها لإعمارها بعصابات الصهاينة من الهاجاناه والإرجون ويهود الشتات، وباقي التفاصيل من سنة 1948 الى اليوم…
لم تكن الحركة الصهيونية مع بداية نشأتها أواخر القرن 19 لتجد صعوبة في إقناع زعماء العالم بمشروعها الاستعماري، لأن أوربا وأمريكا آنذاك كانتا تتنفسان غزوا واحتلالا للشعوب، ويتباهون بالتسلط والاستيلاء ومصادرة أراضي غيرهم، وكانوا شغوفين بالقتل والمصادرة…فكنا أمام سفاح صغير يستفتي كبار السفاحين…
كان لا بد من هذه التوطئة لنعرف أي عدو نواجه اليوم، فالحركة الصهيونية واحدة من أذكى وأخبث وأقوى وأوحش الحركات البربرية التي عرفها التاريخ، استفادت من دعم الأثرياء اليهود، ومن تحكمها في زمام الاقتصادات العالمية، ومن سيطرتها على مراكز صنع القرار في الدول الكبرى، ثم من المستويات الثقافية والعلمية العالية لروادها، وكل هذا يقابله وهن وتخلف عربي ثقب الحضيض، مع شظايا من الغدر والخيانة …
وقد نسج أخطبوط الصهيونية خيوط مكيدته حول عدد كبير من المغاربة، حين سعت إلى الربط بين القضية الفلسطينية وقضية صحرائنا المغربية، وبدهاء ومكر وخبث نجحت في ذلك، حيث أوحت للراحل ترامب بالاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه مقابل ربط المغرب لعلاقة مع إسرائيل، غايتها حشر معارضي إقامة هذه العلاقة في زاوية “أعداء مصلحة الوطن”، وفعلا انطلت الحيلة على الكثير من مغاربتنا الذين نقرأ لهم تدوينات ومقالات وآراء يريدون القول من ورائها “نربح صحرائنا ومن بعدنا الطوفان، فلتغرق فلسطين وتغرق معها لبنان”…بل إن عددا منهم تذكر فجأة أن هناك يهودا مغاربة في إسرائيل، وآخر عاد للقرآن الكريم ليكتشف أن للصهاينة حق مشروع في فلسطين، وثالث دعم الصهاينة ووصف أصحاب الحق بالإرهابيين…
طبعا نحن في المغرب نلتمس الأعذار للنظام وهو يصافح الصهاينة، فالطوفان جارف وأكبر من الجميع، ومن لم يصافح الصهاينة اليوم من الأنظمة العربية سيصافح غدا “وإيدو فوق رقبتو” كما يقول المصريون، فالصهاينة يملكون ثالوث المال والعلم والعقل وفائضا في الخبث مع جفاف حاد في المروءة والإنسانية، وفي الميزة الأخيرة نكاد نغلبهم، وما لم نملك مثل أو أفضل مما يملكون سنصير لهم عبيدا ذات زمان ليس ببعيد…فالسطران المتوازيان الازرقان المنقوشان على علمهم يرمزان الى حدود اسرائيل من النهر الى النهر اي من الفرات الى النيل، وهناك من يقول امتداد من المحيط الى الخليج…
لذلك ليس قضاء ولا قدرا أن يخلطوا لنا قضية صحرائنا التي لها قربة في قلوبنا، وبين القضية الفلسطينية التي لا ندعمها فقط لأواصر الدم والتاريخ واللغة والعقيدة، بل ندعهما لأنها قضية إنسانية عادلة وأهلها مستضعفون تكالب عليهم الأعداء والأشقاء…