محمد الشمسي
من حق الفلسطينيين أن يهتفوا ويحتفلوا، وتطلق حرائرهن الزغاريد، فقد انتصروا انتصارا رفيعا شريفا عظيما، في دلالة غير مألوفة لكلمة “النصر”، صحيح أنهم لم يحرروا الوطن لكنهم حموه وحفظوه وتصدوا لجيش فتاك ذي سطوة وبأس تكنولوجي متطور، يقصف بار و جوا و بحرا بأحدث منظومة لصناعة الموت والدمار ، وبعقيدة عسكرية شنيعة قبيحة مشوهة تقوم على اشتهاء الإبادة والاجتياح وهلاك البشر والحجر، تقوده غرفة عمليات من حثالة الإنسانية وأرذالها وسفلتها، ويدعمه “أسياد الدماء” من جل قادة هذا العالم، مثلما يسندهم “الإخوة الجبناء”، كل هذا الجبروت أذله الفلسطينيون واستحقروه ليس فقط بثباتهم، بل رشقوا الوحش بحجارة من سجيل، فأردوه مذعورا يخفي وجهه تحت الأرض.
لقد مرت الأيام الإحدى عشر جحيما سعيرا فوق رؤوس أهلنا في فلسطين في القطاع كما في الضفة كما في عمق فلسطين المحتلة، لكنها أيام بطولات وشهامة فبالكفاح تحيى القضايا، وبالمحن يمتحن الرجال ( والرجال هنا بمفهوم القيم وحجم الثبات وليس بمفهوم الذكورة)، ولا أرى عدد أيام العدوان صدفة، بل أراه حكمة ربانية ذكرتني بالآية الكريمة “إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين”، فحق على الشمس والقمر أن يسجدا لشعب فلسطين سجدة مهابة وتعظيم وتمجيد وحظوة، وليست سجدة شرك أو كفر، فهل بعد كل هذا الإقدام والبطولة بطولة؟…هل يسجل التاريخ لأب أو لأم يحمل ابنه الشهيد ذا السبع سنوات بين ذراعيه ويضعه في مدفنه ثم يعود للمقاومة؟…ولرجل فقأ المحتل عينه فضمدها وصاح “هذا أقل ما يمكن تقديمه للأقصى؟…إن هؤلاء الفلسطينيين جديرون بسجود كل الكواكب لهم.
الآن وقد وضعت الحرب أوزارها فالفلسطيني لن يجد مشقة في العودة ليحيا حياته التي ألفها، وليخدم قضيته التي اتخذها ملة وشريعة، يعود ليزيل ركام العار من الأتربة والأحجار، وليتخذ فوقها بيوتا بوحي من الله تعالى عون المظلومين من حيث لا يدرون، أما الصهيوني المغتصب فلا يزال مضطربا مترددا، كيف يخرج على العالم؟، وماذا يقول لهم عن الإحدى عشر يوما من الإهلاك؟، وهل عدد جثامين الصغار والنساء مجدا مبينا؟، وهل نسف الأبراج والحضارة ظفرا؟، وهل لا يزال الصهاينة بعد مرور 73 سنة على ميلادهم خارج رحم الشرعية يوهمون أنفسهم أنه يمكن طمس شعب وحضارة لإقامة شعب وحضارة مكانهما؟…وهل لا زال يهود العالم على ذكائهم الذي طبعهم يصدقون خدعة الصهيونية العنصرية المتطرفة التي أغرقتهم في أوحال الخزي والفضيحة وهم يدخلون بيوتا انتزعت من أهلها غصبا ليقطنوها غير آمنين؟.
ويعلم الله كيف مرت الإحدى عشر يوما على البعض فينا ومنا، أولئك “المتصهينين” الذين ولوا وجوههم شطر الكنيست الصهيوني يبكون على حائط الخديعة، ويرتلون ترانيم “العهد القديم” بأن يجهز العدو على الإخوة، واهمين أن كسب أسباب القوة وحده دون كسب عدالة القضية كاف لتحقيق النصر…لذلك حالف النصر الفلسطينيين وخاب مسعى الصهاينة والمتصهينين.