نجيب الأضادي
بكل صدق المغرب دبر هذه الأزمة باحترافية عالية وناعمة في نفس الوقت أثبت أنه بلد يفرض قراره السيادي الوطني الثابت
وأسبانيا الآن تعيش تخبط واضح، وهذا هو رهان المغرب لتحقيق بعض المكاسب وخصوصا المتعلقة بالوحدة الترابية سيما بعد أحداث سبتة ومليلية المدينتين المغربيتين المحتلتين
ولعل عدم موافقة المنظمات الحقوقية الأممية والأوروبية والإسبانية على تصرف الحكومة الإسبانية ضد المهاجرين وخصوصا القاصرين بحيث لم يهنَأ رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، كثيرا بالدعم الذي وفره له الاتحاد الأوروبي في قضية دخول الآلاف من المهاجرين غير النظاميين إلى مدينة سبتة بعدما سبحوا إليها من شواطئ مدينة الفنيدق، إذ قبل أن يعلن الادعاء العام أمس الجمعة فتح تحقيق في إعادة القاصرين بشكل فوري، وجهت الأمم المتحدة صفعة لسلطات مدريد من خلال إدانتها عمليات الإعادة عموما معتبرة أن “أوروبا بإمكانها التعامل مع من لجؤوا إليها”.
ومن جهتها دعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أمس الخميس، الدول الأوروبية إلى “وضع حد لعمليات الإعادة القسرية للمهاجرين” باعتبارها “غير قانونية”، مشيرة إلى أن هذه الأمور حدثت “على طول الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي” في إشارة ضمنية لما وقع يومي 17 و18 ماي الجاري حين أعادت السلطات الإسبانية الآلاف من المهاجرين غير النظاميين الذين دخلوا مدينة سبتة، مستعينة بعناصر من الجيش الأوروبي .
فرنسا بدورها خرجت بعدة تصريحات من على لسان وزير خارجيتها حيث قال هذا الأخير انه علينا تقاسم المسؤولية ولا يمكن ان نلوم المغرب لانه وبكل أمانة ليس بدركي أوروبا ”
ووفق صحيفة لوموند الفرنسية فإنه “حان الآوان لدول الاتحاد الأوروبي، الخروج من بعض السذاجة في النظرة الملقاة على المغرب ”
في تقديري، إن فرنسا تريد أن تلعب دور الوساطة في هذا الملف لكن بضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية
ولعل هذا الصراع اليوم بالدرجة الأولى امريكي-أوروبي، فأمريكا بدأت تشن سياسة مواجهة أوروبا اقتصاديا وذلك بسيطرتها على أسواق كانت حكرا على أوروبا، وغضب هذه الأخيرة بدأ يظهر من خلال عدة تصرفات لبلدان أوربية خاصة ألمانيا وإسبانيا سيما بعدالإعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء المغربية علما أن الغطاء في الظاهر سياسي. لكن في عمقه اقتصادي محض. لا سيما ما قد أشرنا إليه سابقا في تحليلاتنا بخصوص جبل تروبيك .و سيظهر هذا الصراع على بلدان أخرى إفريقية
فيما مازالت تعتقد أوروبا أنها وصية على إفريقيا سيما النزعة الاستعمارية التي لا زالت تحكمها.
وفي رأيي أن هذا الصراع هو ذو قطبين، الأول أمريكي – أوروبي ، مرتبط بفقدان أوروبا دورها المحوري في إدارة الاقتصاد الإفريقي، حيث أن امريكا اكتسحت الاسواق واقتصاديات إفريقيا والأمثلة متعددة في هذا الشأن مثل إثيوبيا وتنزانيا وغيرهما .. وقطب الصراع الثاني مغربي- اوروبي مرتبط بسياسة فرض أمر الواقع التي ينهجها المغرب في فرض قراره الوطني يتجلى من خلال الدفاع عن وحدة التراب الوطني التي باتت أوروبا تمارس من خلالها إزدواجية في الخطاب …
وهذا ما يفسر تصريح وزير الخارجية الإسبانية السابق خوسيه كارسيا حيث قال “أعتقد أنه يتعين على إسبانيا أن تعيد النظر في موقفها بشأن الصحراء في السياق الجيوسياسي الجديد، بعد قرار الولايات المتحدة…..”.
وخلاصة القول أن الصراع اليوم يحركه الاقتصاد وتقوده السياسة والغلبة في النهاية لمن سيصمد أمام تحديات التكنولوجيا الحديثة وامتلاك الخبرة والذكاء الدبلوماسي لإدارة هذا الصراع .
- باحث في العلوم الجيوسياسية