يوسف امساهل
في خضم التوتر الذي تشهده العلاقات المغربية الاسبانية مؤخرًا، اتسم الخطاب السياسي في اسبانيا بكثير من العجرفة والعداء، واختار المسؤولون لغة التصعيد دونما اكثرات بما اقترفته ايديهم باحتضانهم لزعيم الانفصاليين خلسة وبوثائق مزورة. فاذا كان الجار الشمالي حريصاً، كما يدعي، على الشراكة الاقتصادية والامنية، فقد كان حرياً به ابلاغ المغرب بالأمر عوض اللجوء الى اساليب ملتوية لإرضاء الاطراف الاخرى. وبالرجوع الى الخطاب السياسي الذي افتقد لأعراف اللباقة الديبلوماسية، فانه يكاد يكون شبيهاً لتلك الصورة السطحية التي تحفظها الذاكرة الجماعية عن المغرب والمغاربة، وهي نتاج لتراكمات تاريخية واسقاطات يؤججها الاعلام والمناهج المدرسية ويمكن اختصارها في نمطية الغرب المتحضر في مواجهة الاخر المتخلف .لسنا هنا بصدد التعميم، فقد انتقد العديد من السياسيين الاسبان وعلى رأسهم بابلو كاسادو زعيم الحزب الشعبي موقف الحكومة الاسبانية في تعاملها مع الازمة مع المغرب، كما ابان الاستهجان الذي قوبل به رئيس الحكومة في سبتة المحتلة عن عدم رضا العديد من المواطنين الاسبان عن حكومتهم.
يختزل العديد من المواطنين الاسبان صورتهم عن المغرب في تلك النظرة الغرائبية المرتبطة بالجمال والرمال وبما تنقله وسائل الاعلام من كليشيهات جاهزة مرتبطة اساساً بالتخلف.
وفي هذا الصدد، يحضرني كلام رجل اسباني كنت قد التقيته رفقة عائلته صيف 2003، فعندما كان يستعد للسفر الى المغرب، نصحه زملاؤه في العمل بترك السيارة الخفيفة والتنقل بالسيارة رباعية الدفع لان المغرب لا يتوفر على طرق اسفلتية، حسب زعمهم، وان هذا النوع من السيارات هو الكفيل باختراق رمال الصحراء، بيد ان صاحبنا تفاجئ، بمجرد وصوله للتراب المغربي، بدولة حديثة يتمازج فيها ما هو عصري بما هو تقليدي وأصيل. هذه الصورة النمطية تغديها المناهج الدراسية التي تتحدث عن المورو طارق الذي غزا بلادهم معتمراً عمامته الصحراوية، وترسخها افكار بعض المؤرخين من أمثال كلاوديو سانشيز ألبورنوس الذي ينتقد التواجد الاسلامي في الاندلس ويرى انه سبب تخلف الاسبان مقارنة مع باقي دول اوروبا. اما الاحداث المعاصرة فلا تزيد الطين الا بلة، وتؤكد العلاقات المتدبدبة بين الجارين، وتفاقم الصورة السلبية في المخيال الجماعي للإسبان باعتبار المغرب مصدرا للخطر المستمر. وقد شكلت الهجرة السرية ملفا ساخناً ساهم في تسميم العلاقات الثنائية في اكثر من محطة لعل من ابرزها أحداث إليخيدو سنة 2000، كما كان ملف الصيد البحري سببا لخلافات لا حصر لها،
وأما المشكل الذي كاد يعصف نهائياً بمستقبل البلدين فيتمثل في احداث جزيرة ليلى. والى جانب المشاكل التي تطفو للسطح بين الفينة والاخرى، يبقى ملف سبتة ومليلية والجزر الجعفرية مشكلا ثابتا لا يمكن التغاضي عنه، وقد أدت الاحداث الاخيرة الى التطرق مجدداً للموضوع، لكن ذلك لن يؤدي لحلحلة المشكل لان ذلك يتطلب سياقا يسوده التفاهم والحوار ورغبة الطرف الاخر في الاستماع لمختلف الآراء.
هذه التراكمات التاريخية والسياسية تساهم في تكريس نظرة اسبانيا الاستعلائية، ولعل ذلك ما برر هجوم بعض السياسيين الذين خانتهم الاعراف الديبلوماسية وجعلهم ينطقون بما يضمرون حيال المغرب. نحن نعلم ان السياسة لا تؤمن الا بالمصالح، لكن الشراكة الحقيقية لا يمكن اجتزائها، فلا يمكن للمغرب خدمة الجوار الاسباني على حساب قضيته الوطنية. كما ان اشارة رئيس الديبلوماسية المغربية لمغرب اليوم الذي يختلف عن الامس هو اشارة واضحة للقطع مع الصور النمطية التي يكونها الاسبان اتجاه المغرب.
ان مستقبل العلاقات الثنائية رهين بمدى احترام اسبانيا لثوابت المغرب السيادية، فقد عانت هي كذلك لعقود من ارهاب إيطا الباسكية ومن مظاهرات كاطالونيا التي طالبت بالانفصال، ولم تكن لتسمح لاحد بالتدخل في شؤونها الداخلية أو إيواء الانفصاليين. لكل هذا فقد رفض المغرب سياسة الكيل بمكيالين وطالب بالوضوح والى حين تحقق ذلك فقد استدعى سفيرته في اسبانيا للتشاور.
*باحث في الدراسات الاسبانية