سكينة قيش _ 24 ساعة
تفاعلا مع القرار المثير للجدل والذي أنتجه برلمان الاتحاد الأوروبي أمس الخميس 10 يونيو الجاري ، سلط الدكتور يوسف شهاب وهو أستاذ العلوم الجيوسياسية والتنمية الدولية، بجامعة الصربون بباريس بفرنسا ومدير أبحاث بالمعهد الفرنسي للدراسات الاستعلاماتية في تصريح خص به جريدة 24 ساعة الضوء على هذا القرار عبر مقاربة تحليلية تبحث في مضامينه في محاولة للفهم والتفسير واستخلاص الرسائل الواضحة والضمنية.
وقال الأستاذ بجامعة الصربون بهذا الخصوص أنه “على ضوء قرار البرلمان الأوروبي يمكن تحليل هذا البيان على أساس ما يعرف بالكأس نصفه مملوء ونصفه فارغ، ذلك أنه تم بالفعل التوصل بصعوبة كبيرة إلى صيغة بين الكتل البرلمانية الكبرى التي تكون هذا البرلمان الاوروبي بخصوص هذا القرار”
موضحا أن القرار ” أبان عن وجود خلافات حادة بين هذه الكتل وتجاذباتها انطلاقا من مرجعية كل كتلة والدولة التي تنبثق عنها”
ومن ناحية الشكل الذي وضع به القرار أشار الدكتور شهاب إلى أن ” المشروع جاء خالي من أي صيغة تحيل على كلمة الإدانة أو أي التصعيد ضد المغرب ، بل تم الإعراب عن الأسف لما حصل بسبتة و اعتبرها البرلمان ورقة ضغط على إسبانيا على خلفية استقبال غالي مؤكدا ضمن نفس القرار على سيادة إسبانيا على سبتة وأنها مدينة تابعة للاتحاد الأوروبي”.
ومن حيث اللهجة المستعملة أبرز ذات المتحدث أن القرار ” تضمن مصطلحات هادئة ونزيهة ودبلوماسية بامتياز، كما ذهب للإشادة بدور السلطات المغربية وجهودها في ملف الهجرة السرية مؤكدا أيضا على حرصه الشديد الحفاظ على الشراكة الاقتصادية والاستراتيجية مع المغرب وذلك في اطار استمرارية الوضع المتقدم للمغرب داعيا الدولتين إلى التزام الحوار وارجاع المياه إلى مجاريها”
وبصفة عامة يقول الباحث أن “البيان يعبر عن خيار البرلمان الأوروبي بأخذ العصا من الوسط بحيث تفدى لغة التصعيد واخذ بلغة التهدئة بين البلدين”
ولفت الدكتور يوسف شهاب ضمن الحوار أنه “في قراءة أخرى البيان أيضا انطوى على تحذير للمغرب بلغة دبلوماسية لعدم استعمال أوراق للضغط على إسبانيا والتي قد تؤدي لأزمة ثقة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب وهو الأمر الذي لا يحبذه الاتحاد الأوروبي ذلك ان المغرب يعد شريكا استراتيجيا على عدة مستويات وهو الأمر الذي يريد الاتحاد الحفاظ عليه”.
تقاطعا مع ذلك يذكر الدكتور شهاب أن “البرلمان ضمن هذا القرار عبر عن قلقه للتصعيد الذي تعرفه الأزمة الغير السابقة خصوصا وأنها أثرت على العلاقات الاقتصادية بين البلدين وأمام أسبابها الغير مفهومة حسب الاتحاد يجب العودة إلى الوضع قبل الأزمة” .
الخبير يوسف شهاب، أستاذ الجيواستراتيجية والتنمية الدولية بجامعة السوريون
وأضاف ذات المتحدث كون أن الاتحاد الأوروبي “سجل بقلق سماح الأجهزة الأمنية المغربية دخول القاصرين إلى إسبانيا واستعمالها كورقة ضغط على هذه الأخيرة إبان أزمة استقبال ابراهيم غالي بالرغم من أن الخارجية المغربية نفت أي علاقة سببية بين القضيتين”.
على صعيد آخر لفت شهاب إلى أنه “تزامنا مع ذلك عبر كل من البرلمان الإفريقي والعربي عن دعمهم للمغرب وإشادتهم بالقرار الملكي القاضي بإعادة القاصرين مطالبين بذلك البرلمان الأوروبي بعدم التدخل في الأزمة بين البلدين “.
وبناء عليه يبرز الدكتور يوسف شهاب أن “العبرة من هذه الأزمة التي أضحت دولية هو أن مغرب الأمس ليس هو مغرب اليوم وعلى الاتحاد الاوروبي الخروج من المنطقة الرمادية بخصوص قضية الوحدة الترابية كما عليه فهم التحولات الاستراتيجية الجديدة التي يعرفها الإقليم وأبرزها الدور الذي أصبح يلعبه المغرب ضمن الإقليم وتصفية الرواسب المرتبطة بالاستعمار ”
مضيفا أن “أوروبا في حاجة إلى المغرب في علاقاتها الاقتصادية والاستراتيجية في مقابل ذلك المغرب أضحى يشكل كتلة مهمة لها كامل الحق في اتخاذ قرارات تهم إيقاف التعاون”.
وكخلاصة يمكن القول حسب ذات المتحدث ” أن البرلمان الأوروبي بهذا القرار يدفع بالبلدين للخروج من هذه الأزمة في أقرب وقت والرجوع للوضع الطبيعي الذي تفرضه الضوابط الجغرافية والعلاقات الجيوستراتيجية”.
“كما أن هذا البيان أوضح بشكل غير مباشر أن هناك دول لها مواقف ضمنية مع المغرب وعليه أصبح من الضروري على المملكة أن تعيد ترتيب ملفاتها مع الاتحاد الأوروبي ليحافظ على مكانته الاستراتيجية ويخرج من الدبلوماسية الانفعالية التي قد لا تصب في صالحه”.
وبناء على هذه القراءات يضع الدكتور يوسف شهاب أصبعه على مكامن الأزمة الحقيقية المرتبطة أساسا بالتوجس الذي تعيشه إسبانيا من التحرك السياسي والدبلوماسي المغربي الذي بدأ يعطي إشارات كثيرة لها أبرزها كون المغرب أصبح له شراكات جديدة مع قوى عظمى كأمريكا وكدول أخرى وبالتالي ليس له حتمية التعامل مع الاتحاد الأوروبي”.
واسترسل أستاذ العلوم الجيوسياسية والتنمية في التوضيح بالقول أنه “على ضوء أن ألمانيا اعترفت بجرائم الحرب التي قامت بها اتجاه دولة ناميبيا وقامت فرنسا من جهة أخرى بالاعتراف بجرائمها في الحرب إبان استعمارها للجزائر، وعليه فقد حان أيضا دور المغرب لفتح ملفات مرتبطة بجرائم الحرب المقترفة من جانب إسبانيا في الريف المغربي والتي تنطوي على استعمال أسلحة كيماوية ضد المدنيين”.
ليجزم ذات المتحدث في الأخير بالقول أن “المغرب يريد بشكل حاسم أن تخرج أوروبا من الكلام المعسول الذي يفيد بتبني مسار الأمم المتحدة والذي يترجم على أنه لاموقف وبالتالي عليها إما التصريح بموقف محايد وواضح أو التزام الصمت”.