نجيب الاضادي
كثر الحديث عن أزمة المغرب و إسبانيا واختلفت الآراء بين المحللين الإستراتيجيين، وبين متخصصين في الشؤون السياسية والدبلوماسية والأمنية وقضايا الهجرة والديمواغرافية ،واختلفت المواقف في هذا الخصوص بين مؤيد أو معارض لهذا الطرف أو ذاك ، لكن الحديث أساسا عن دور إسبانيا في هذه الأزمة بجعلنا نفرق بين مكونات الدولة الإسبانية من كتاب ومفكرين وحكماء ورجال السياسة إلى جانب مجتمع مدني، وبين أجهزة حكومية ترى المغرب بنظرات بعض الأجنحة اليمينية المتطرفة حيث ترى فيه دولة لابد أن تبقى تحت الوصاية كما جاء في مؤتمر برلين لسنة 1884.
كذلك بالحديث عن إسبانيا لابد من التذكير باتفاقية المغرب مع بريطانيا سنة1856 عندما اعترفت بريطانيا بسيادة المغرب على واد النون وهي الصحراء المغربية، ليتلوها بعد ذلك الاتفاق الفرنسي-الإسباني سنة 1904 الذي طعن في الظهر سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، علاوة على الإستعمار الإسباني الذي لا يزال إلى الآن يرخي بظلاله على مدينتي سبتة ومليلة .
فالكل يعرف الجغرافيا السياسية؛ التي تعد من المبادئ الأساسية لفهم العلاقات الجيو-استراتيجية والجيو-سياسية والتي تعطي نتيجة حتمية هي أن إسبانيا لازالت تستعمر سبتة ومليلية وهو ما يفرض علينا تجنب الكلام بالعواطف دون الأخذ بعين الاعتبار الإطار المفاهيمي للعقلانية الجيو-سياسية
فعندما نقول أن هناك مصالح جيو-استراتيجية فنحن نتكلم عن الديناميكية الجيو-سياسية، فالمغرب اليوم في علاقاته مع بريطانيا يمكن وصفها بالممتازة جدا، نفس الأمر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب وجود مشاريع جيواستراتيجية كبيرة.
أيضا المغرب وقع صفقة لمدة 10 سنوات من أجل تحديث وصناعة الأسلحة العسكرية واستيراد مجموعة من الطائرات النفاثة التي تعد الأحدث إقليميا كما يمتلك المغرب قمرين اصطناعيين وما احتجاج فرنسا على هذا إلا لكونه يبرز كقوة إقليمية لها دور كبير في المحيط.
يمكن القول أيضا أن اليوم تغيرت المحددات فأصبحت هناك معادلات جيوسياسية كبرى، فهناك ما يسمى بالجنوب الأطلسي وهو يمثل المحيط الجيواستراتيجي الكبير حيث سيلعب فيه المغرب بأقاليمه الجنوبية دورا كبيرا على مستوى ترتيب مجموعة من الأمور، فعندما نتكلم عن خط أنبوب الغاز النجيري الذي يمر من 14 دولة إفريقية وصولا إلى أوروبا نشير بذلك نحو مشروع جيواستراتيجي كبير له ثقله ضمن معادلة العلاقات، إلى جنوب مجموعة من الأمور القادمة في المنطقة خاصة في جنوب المغرب فعندما نتحدث عن “بويلداكت أمريكا” أوعندما نتكلم عن “بروسبارأفريكا” فنحن نحيل على استثمارات بقيمة حوالي 60 مليار دولار في استثمارات من المملكة المغربية في اتجاه دول غرب إفريقيا..
وعندما نلاحظ فشل زيارة سانشيز لمجموعة من الدول الإفريقية مؤخرا نستوعب بأن مدريد لا يمكن أن تعبر لإفريقيا دون المرور عبر الرباط.
وبناء عليه يجب اليوم يجب أن نكون واضحين في مجموعة من الأمور المرتبطة بالمعادلات الجيواستراتيجية والتي تحدد مكانة المغرب وتحافظ عليها في غرب وشرق المتوسط.
يجب الإشارة أيضا إلى أن المغرب لعب دورا محوريا، ودور إسبانيا الآن يتلخص في ضرورة أن تستوعب اللحظة هذه المتغيرات إذا أرادت أن تكون هناك علاقات ثنائية و إستراتيجية مابين مدريد والرباط، فالمغرب لعب جميع الأدوار الممكنة وهو ما يفسر كونه الآن أول مستثمر في غرب إفريقيا. وذلك مرتبط بفهمه للدور الكبير الذي يلعبه في دحض الهجرة الغير الشرعية وتثبيت الأمن والاستقرار في دول الساحل ومالي وبناء على هذه المعطيات اعترفت أمريكا بمغربية الصحراء مؤسسة بذلك هذا القرار على برغماتية جيوسياسية،على اسبانيا استيعابها والحديث مع المغرب بمقاربة الند بالند وبالتساوي وليس من نقطة الاستعلاء وأنه كان مستعمرة تابعة لمدريد في وقت سابق .
من جهة أخرى وفي قراءة حقيقية للتاريخ نستنتج أن هناك ضغائن لإسبانيا على المغرب تستمد خلفيتها من معركة أنوال ومنه لازالت هناك جهات إسبانية تنظر إلى الهزيمة في واد المخازن ومعركة أنوال بطريقة أخرى وهناك مدارس وجهات ترى بنظرات استعمارية دول الجنوب عامة وليس فقط المغرب، في الوقت الذي أصبح فيه هذا الأخير يستأثر بشراكات حقيقية كبيرة .
وهنا أيضا يطرح سؤال مرتبط بجذور الأزمة الحالية يتمثل في كيف لإسبانيا التي تدعي تاريخا طويلا ومتجذرا في حقوق الإنسان والعدالة أن تسمح لمجرم حرب متهم بسلسلة جرائم مرتبطة بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان لمواطنين إسبان بجنسية إسبانية الدخول والخروج من أراضيها بدون آي محاسبة.
يمكن الجزم إذن أن سياسة الكيل بالمكيالين التي تتبناها إسبانيا لم تعد تنفع؛ فالمملكة المغربية كانت في الأندلس ولها تاريخ توثقه معركة “بواتيي“ إذن نحن نتكلم عن تاريخ وقوة عظمى ستعود، وكون المغرب أصبح محدد رئيسي في العلاقات الإقليمية هو ما لا تريده بعض الأوساط في مدريد التي تسعى ما أمكن نحو اختزال وتقزيم المغرب.
وخلاصة القول أنه لا يمكننا استعمال بعض الإطارات الصورية لدغدغة مشاعر الرأي العام الوطني و الإقليمي و الدولي فالكل يعلم سواء في القانون الدولي أو بالجغرافيا السياسية أن سبتة ومليلة مدينتين مغربيتين والحق يجب آن يعود لأصحابه.
ولا يفوتنا قبل الختم الإشارة إلى نقطة محورية تكمن في أن الإستخبارات المغربية والتعاون المغربي المجاني جنب اسبانيا العديد من المشاكل وحافظ على أمنها واستقرارها سواء على مستوى ملفات الهجرة والإرهاب وحتى الحركات الانفصالية..