أسامة عميرـ عضو حركة معا
في الوقت الذي تتسارع فيه الدول إلى دراسة وترويج التقنيات الحديثة واستعمالها، كالإنترنيت اللامركزي، العملة اللامركزية، تقنية العقود الذكية والذكاء الاصطناعي… ينأى المغرب عن هذا التطور العالمي ويختار نموا تكنولوجيا بطيئا يجعل من تنافسية اقتصادنا و تعليمنا هزيلين ويحد من نجاعتهما.
كما لا يخفى على الجميع أن أحد أهم التحديات التي تواجه الدولة المغربية هو استعادة الثقة في العملية السياسية، فعلى مدى عقود ما تزال نسب التصويت ضعيفة، هذا بالرغم من كل المجهودات الرامية للتشجيع على التصويت في الانتخابات. هذا العزوف الكبير عن المشاركة السياسية من طرف فئات عريضة من المواطنين،لاسيما الشباب منهم، راجع بشكل كبير إلى جو اليأس والإحباط الذي يخيم على شوارع المدن ودواوير القرى المغربية.
نحن على يقين أن تقدم وازدهار المغرب مرهون باستعمال التكنولوجيات الحديثة في شتى المجالات الحساسة، مثل التعليم، الصحة والقضاء، بهدف الرقي بجودة ونجاعة هذه الخدمات الاجتماعية وغيرها. وعليه فإننا نتقدم في هذه الأسطر التالية باقتراحات من شأنها ضمان شفافية العملية الانتخابية وتسهيل تنظيمها والتحفيز على المشاركة فيها.
نورد هذه الاقتراحات على الشكل التالي:
• رقمنة جميع البطاقات الوطنية و ذلك عن طريق تقنية البلوك تشين”Blockchain” والتي ستمكن الدولة من تسهيل استعمال هذه الوثيقة المهمة في حياتنا اليومية، كما سترفع من مستوى أمن هذه الأخيرة، وحماية المعلومات الخاصة بالمواطنين حين استعمالها للاستفادة من الخدمات المتوفرة على شبكة الإنترنيت. و هنا نشيد بتجربة دول مثل إثيوبيا والتي بدأت في تفعيل هذه التقنيات في مجال التعليم عبر خدمة.Atala prism
• تفعيل التسجيل الأوتوماتيكي في اللوائح الانتخابية لكل شخص يتوفر على هذه البطاقة الوطنية المرقمنة.
• توفير تطبيق و موقع إلكتروني من أجل التصويت عبر الإنترنيت من خلال QR Codeيتم خلقه عن طريق تقنية Blockchain والذي سيمكن من تصويت سري و آمن إلى أقصى الحدود.
• إحصاء الأصوات و توفير نتائج الانتخابات بطريقة لامركزية و شفافة، حيث من الممكن لأي مصوت أن يستعمل الموقع الإلكتروني ليبحث عن صوته و يتأكد من صحته، ومن الممكن كذلك لأي جهة أن تطلع على جميع الأصوات دون التعرف على أصحابها مما يؤكد مصداقية هذه العملية. و نشيد في هذا الصدد بتجربة شركة IOHK والتي تستعمل تقنية التصويت اللامركزي من أجل اختيار مشاريع للتمويل على رأس كل بضعة أشهر، فما يزيد عن مائة ألف مشترك يصوتون في هذه الانتخابات على أزيد من 100 مشروع.
• تنظيم عملية قرعة عبر الإنترنيت يتم فيها اختيار 30 شخصا للمشاركة في لقاء لمساءلة واستفسار المنتخبين عن مشاريعهم، وبث هذا اللقاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزية.
و لإيضاح الصورة للجميع سوف نعرف تقنية بلوك تشين”blockchain” بطريقة سهلة و مفهومة. إن هذه التقنية تتكون من سجل تدون فيه جميع التبادلات والمعاملات التي تحصل في شبكة معينة. كما أنه من الممكن للقارئ تصور هذا السجل على أنه عبارة عن كتاب يسجل فيه أشخاص محددون كل عملية تجري، إلا أن هذا السجل أو الكتاب، إلكتروني، غير قابل للتغيير ( أي أن ما يكتب فيه لا يمكن حذفه) ومن الممكن لأي شخص مشارك في هذه الشبكة أن يحمل هذا السجل ويبحث فيه.
لكي يضيف أي مستخدم معلومات لهذا السجل لابد أن تتم الموافقة على صحة هذا التغيير من طرف مستخدمين آخرين يتم انتقاؤهم بكل عشوائية. مما يمكن هذه التقنية من شفافية كبيرة ويجعلها آمنة بشكل غير مسبوق في عالم الرقميات والمعلوميات. و نريد أيضا أن نوضح أن هذه التكنولوجية متاحة للجميع ولا تحتكرها أية جهة. أي أنه من الممكن للمغرب استخدامها فقط عن طريق توظيف بعض الخبراء المعلوماتيين في هذا المجال دون تكبد عناء شراء هذه التكنولوجيا.
بالإضافة إلى ما سبق ذكره، فهنالك عدة أمثلة لتقنية البلوك تشين “blockchain” و كل مثال يمتاز بخاصية عن غيره، فمثلا التقنية التي تعتمد على proof of work يلزمها موارد كهربائية كبيرة والتي من الممكن للمغرب أن يوفرها بسهولة لتعدد موارد الكهرباء من الطاقات المتجددة. كما أن هنالك أمثلة أخرى مثل proof of stake والتي لا تعتمد على احتياجات كبيرة من الكهرباء، لكنها أكثر مركزية. وفي حالة استعمال هذه التكنولوجيا في التصويت، تبقى هذه المركزية النسبية أكثر نجاعة من المركزية المطلقة التي نعرفها حاليا.
إن العمل على رقمنة العملية الانتخابية سيثبث للمغاربة قاطبة صدق الدولة و نيتها في إحداث التغيير والسير بخطى ثابتة نحو الديمقراطية تحقيقا لمصلحة المغاربة. كما أن النجاح في هذا الورش سيمكننا من تصدير هذه التجربة عن طريق شركات مغربية إلى عدة دول أخرى لاسيما في إفريقيا و الشرق الأوسط، مما يمكن من خلق شركات تكنولوجية مغربية قادرة على التنافس في هذا المجال السائر في التقدم.
إننا نطمئن كل مهتم بهذا المشروع أن تكلفته ليست بالعالية مقارنة مع تكاليف الانتخابات التقليدية، وأن أهم حلقة من أجل إنجاح المشروع هي النية الصادقة للتغيير وتمكين شبابنا المغربي الواعد من موارد مادية بسيطة. حيث أن مجموع التكنولوجيات اللازمة استعمالها في هذا المشروع متوفرة مجانا في إطار ما يعرف بالمشاريع المفتوحة open source projects .
إننا و كل مغربي و مغربية، نرجو أن يكون المغرب في صدارة كل المجالات كما عهدناه منذ قرون مضت. و لا يمكن لهذا الهدف أن يترجم إلى واقع إلا بمشاركة الكل، مواطنين كانوا أو مسؤولين.
وأخيرا، فنتمنى أن تساهم هذه المقترحات في تحفيز القارئ على تعميق البحث في شتى الأفكار والمعطيات الواردة في هذا المقال، تدقيقا لصحتها وتمحيصا لمصداقيتها، مما يرسخ وعيا داعما لمشروع رقمنة العملية الانتخابية، بناء على معارف ومعطيات علمية دقيقة، وليس انطلاقا فقط من ميولات عاطفية وسطحية.