الزهرة الضبيالي بيروك
يعرف “جورج بيردو G.Burdeau ” الحزب السياسي بقوله: هو كل تجمع بين الأشخاص يؤمنون ببعض الأفكار السياسية ويعملون على انتصارها وتحقيقها، وذلك بجمع أكبر عدد ممكن من المواطنين حولها، والسعي للوصول إلى السلطة، أو على الأقل التأثير على قرارات السلطة الحاكمة (1).
أما القبيلة فيعرّفها “عبد الوهاب بن منصور” أنها: تحتوي في الغالب على عدد من البطون تؤلف بينها وحدة الدم والنسب، وتشمل في النادر بطنا أو عدة بطون من غيرها انحازت لها وانضافت إليها في أوقات بعيدة أو قريبة، لسبب من الأسباب، فأصبحت معدودة منها بحكم الحِلف والولاء (2). أما المجال الدي تستقر فيه؛ فقد كان لكل قبيلة محيطها الخاص الذي تعيش فيه وتتقلب منعزلة عن غيرها من القبائل أو شبيهة بالمنعزلة، فلها في حالة ما إذا كانت مستقرة ترابها الوطني، وفي ما إذا كانت راحلة مجالها الحيوي الذي تستميت في حمايةِ حوزته، وتمنع بحدّ السيف غيرها من القبائل أن تنتجع مراعيه أو تستقر فيه (3).
وبما أن المجتمع الصحراوي عبارة عن فسيفساء قبلي يتكون من مجموعة قبائل في تراتبية متوارثة حسب وزن كل قبيلة، جاء الحزب كمكون سياسي لينتج نخبة سياسية تعلن ولاءها للحزب، فيصبح اسمه مقرونا باسم قبيلة معينة، وهي أحزاب قديمة أغلبها له يمتد سياسيا وقوميا إلى مرحلة ما بعد الاستقلال.
ينشط الحزب داخل القبيلة بمبادئ غير مثالية لصيقة بمساعي تغيب غالبا عن أهداف القبيلة، مساع ٍ في مجملها تصب لتوسعة دائرة الانتماء لحزب معين، واستقطاب قبائل تمتاز بثقلها المادي والمعنوي لأغلب شيوخها.
وهو ما يجعل الكثيرين يلاحظون أن الحزب يظهر بكثير من الخبث والحذر من اختيار واجهة لحزبه في هذه القبيلة أو تلك، من هنا تبدأ حلقة ذكية مدروسة الخطوات في خلق السياسي الذي يضمن للحزب قوة اجتماعية وانتمائية، ودعما ماديا، فيبدأ الحزب في رصد القبائل الوازنة لاستقطابها، تتلوها مرحلة اختيار القبيلة لشخصية ثرية تعلن من خلالها ولاءها للحزب، ولا يهم مستواها الثقافي أو التعليمي مادامت ستوفر الإمكانيات المتنوعة للحفاظ على مصالح الحزب بإقليم معين.
إنها علاقة يتحكم فيها الجانب المادي، واستغلال مكون القبيلة، بين أفراد لا يسعون للتحرر من هذه البدائية في التمسك والدفاع عن كل ما تقدسه القبيلة، هذه العقلية أنتجت داخل المجتمع الصحراوي فئتين؛ فئة منتخبة جماعيا وبرلمانيا وشخصيات عامة أغلبها ذا مستوى ثقافي متوسط إلا أنها ذات مكانة داخل قبيلتها وتسعى للكسب من وراء العمل السياسي، وفئة مثقفة تسعى إلى ترسيخ مفهاهيم جديدة أهمها الإيمان بالأهداف السياسية والاجتماعية للحزب قبل الانتماء إليه، هذا التضارب أدى إلى نفور ورفض من طرف الطائفة الأكبر من الشباب في الخوض في المجال السياسي، فاتجهت إلى البحث عن سبل أخرى لاثبات الذات كالاتجاه إلى العمل المدني، أو معارضة الأعيان ومنه معارضة الأحزاب… وغيرها من الطرق لتحقيق وجود يتسلح بالرفض كي يثير الانتباه لحجم معاناته.
إن حرية الانتماء السياسي الحزبي حق من حقوق الفرد داخل مجتمعه، يتمتع بها في ظل احترام قوانين تؤطر كيفية ممارسة هذا الحق دون المساس بمقدسات الدولة، ودور الحزب الحقيقي هو وضع برامج واضحة تسعى في مجملها لقضاء مصالح الفرد والمجتمع والدولة، وعند أداء هذه المهمة يتم نشر ثقافة سياسية موضوعية وهو ما نريد أن نراه في المناطق الجنوبية.
والحزب في حين وصوله لهدفه، يصبح له كيان مختلف، فينتقل من دائرة نظرية إلى دائرة عملية عن طريق ممثليه في الإدارات الحكومية والبرلمانية والجماعية، ما أعطى فرصة جديدة لبعض السياسيين الصحراويين، فمنهم من كان إضافة لحزبه ومنهم من كان الحزب إضافة له.
الأحزاب في المغرب لها امتداد تاريخي لدورها الكبير في النهوض بالمغرب ما بعد الاستقلال، بل وحتى إبان الاستعمار الفرنسي كان هناك مناضلون أسسوا أحزاب مغربية وازنة، إلا أنه في الآونة الأخيرة عجزت الأحزاب عن نيل ثقة المغاربة الذين ازداد نفورهم، فلم يعد الخطاب النخبوي يجدي نفعا وأكد أنه ليس فعالا، نظرا لكونه خطابا وقتيا فقط، يُوجّه للجماهير في لحظات حماسية تجعل من الرغبة في الإصلاح والتغيير أملا جميلا يودّ الأفراد الوصول إليه.
عملت الأحزاب ما بعد الاستعمار على تكتل الأفراد داخل منظومات حزبية مسؤولة، لتظهر قوة وتماسك الحزب الذي يدعو دائما إلى بناء مغرب جديد، وقد نجحت بالفعل أحزاب: الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي، الحركة الشعبية، الأحرار…، فكان العمل الجاد هو الهدف وخلق نخب سياسية لها هدف واحد مشترك، وهو النهوض بالجانب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في جميع مناطق المغرب، ليظهر المغرب كدولة قادرة ملكا وحكومة وشعبا على تسيير أمرها وتدبير شأنها بشكل جيد يرقى إلى مستوى تسيير دول العالم المتقدم، في حين اختلفت منهجية الأحزاب نفسها في العقود الأخيرة، لكن بقياديين جدد، أخذ الضعف والوهن يدب في هياكلها لأسباب متعددة؛ منها تعطيل منهجية العمل الديمقراطي والشفافية في طرح البرامج الحزبية، وتغيّر الخطاب الحزبي من عام إلى خاص تُقصد به فئة عن غيرها، لاعتبارات في أغلبها مادية.
وهذا مربط الفرس في هذا المقال، فتراجع الأحزاب في شمال ووسط المغرب أثر سلبا على أدائها في جنوبه، الأمر جعلها تركز بالأساس على العاملين المادي والقبلي؛ الأول لضمان الدعم المادي للحملات الانتخابية، والثاني لضمان وجود الحزب في الساحة السياسية، بطرق فيها الكثير من الخبث والضحك على الذقون والاستغلال السيئ للعقلية الصحراوية القبلية.
هوامش: 1- Burdeau G, Traite de Science Politique, Cite par. Menouni (A): Droit Constitutionnel.P141. نقلا عن: محمد نصر مھنا، علم السیاسة. دار غریب، القاھرة 1997، ط 1، ص 330. 2- عبد الوهاب بن منصور، قبائل المغرب-الجزء الأول. منشورات المطبعة الملكية، الرباط 1968، ط 1، ص 45 وما بعدها. 3- نفسه.