عبد الله بوصوف
بعد تأجيل تنظيمه السنة الماضية ( 2020 ) بسبب جائحة كورونا، تستعد مدينة غلاسكو السكتلاندية ( بريطانيا ) لـتنظيم ” مؤتمر الأطراف السادس و العشرين ” و المعروف ب ” كوب 26″ لبحث التغيير المناخي في الفترة بين 31 أكتوبر و 12 نوفمبر من العام الحالي ، حيث سيحضر ممثلي عن 190 دولة من قادة و زعماء ، كما ينتظر حضور حوالي 20 او 25 الف من مسؤولين حكوميين و خبراء ومنظمات حقوقية و أصدقاء البيئة…و غيرهم من الإعلاميين و الاقتصاديين.
و يأتي تنظيم هذا الموعد الاممي حول التغيير المناخي بعد سنة 2020 و التي تعد من ادفئ السنوات في التاريخ بالإضافة الى ما عرفته من الفيضانات و الحرائق و العواصف سواء البحرية او الرملية و الغرق البطيء للجزر الصغيرة و ارتفاع منسوب مياه البحار مما سيؤدي الي افساد الأراضي الزراعية بالملح وهو ما يهدد الامن الزراعي بالعالـم ، بالإضافة الى نفوق حوالي 480 مليون حيوان في استراليا وحدها مما يهدد التوازن البيئي و الغابـوي.
و يعتبر العديد من المراقبين ان ” كوب 26 ” هو موعد فاصل و انه لم تعد هناك العديد من الخيارات لانقاد كوكب الأرض من تداعيات التغييرات المناخية كالانبعاث الحراري و ارتفاع درجات الحرارة العالمية.. خاصة بعد صدور العديد من التقارير الغير المطمئنة حول مستقبل الأرض و في مقدمتها التقرير الأممي حول التغيير المناخي الصادر يوم 9غشت 2021.
نفس المراقبين يربطون نتائج “كوب 26 ” بغلاسكو 2021 بمدى نجاح أو فشل العالم في تطبيق توصيات ” كوب 21 ” أو ما يعرف ب ” اتفاقية باريس ” لسنة 2015..و مخرجات ” كوب 22 ” بمراكش في مجال الانتقال الطاقي .. و باعتبار اتفاقية باريس كأول اتفاق عالمي بشأن المناخ و تضمنها لتوصيات ملزمة لموقعيها و في مقدمتها الحد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري ، و الحد من زيادة درجة الحرارة العالمية عن درجتين مئويتين و حصرها في 1،5 درجة حرارية ، كما تضمنت ” اتفاقية باريس ” لعملتي مراجعة كل خمسة سنوات.. غايتها الوصول الى تخفيض قوي لانبعاث غاز الكاربون بحلول سنة 2030 .. و الالتزام بضخ مبلغ 100 مليار دولار كمساعدات للدول الفقيرة المتأثرة بتغيير المناخ.
كما تتناسل العديد من الأسئلة على بعد أقل من أسبوعين من انطلاق ” مؤتمر الأطراف السادس و العشرين ” كوب 26″ حول التغييرات المناخية و مدى قدرة الدول على الالتزام بمخرجات اتفاقية باريس مع التحيين اللازم لما بعد جائحة كورونا و تداعياتها الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية… و حول السياسات العمومية و التشريعات في مجال حماية البيئة كالاستثمار في الطاقات المتجددة و تشجيع البحث العلمي و التحول الى المركبات الكهربائية و العمل على القضاء بشكل كامل على الانبعاث الكربوني بحلول سنة 2050..
كل هذه العوامل تجعل من قمة المناخ الأممية بكلاسكو ” كوب 26 ” موعدا مفصليا في تاريخ كوكب الأرض لتجنيبه أضرار و كوارث التغيير المناخي ، إذ ستكون مناسبة لتقديم الدول للتقرير الأول (سنة 2020 ) عن سياساتها العمومية حول البيئة كما نصت على ذلك اتفاقية باريس لسنة 2015 ، بالمقابل يجب تسجيل الحضور القوي للمجتمع المدني و أصدقاء البيئة على المستوى الحقوقي و الإعلامي ، وكذا التقدم الكبير لأحزاب البيئة على المستوى التنظيم السياسي و الامتداد المجتمعي داخل الوعاء الانتخابي في اكثر من دولة كألمانيا و هولندا و فرنسا و بلجيكا وبريطانيا و اسبانيا و كندا و أمريكا…و غيرها
و يظهر هذا في الكم الهائل من التقارير الخاصة بالتغيير المناخي و الطاقات المتجددة وكذا في المتابعة الإعلامية للعديد من المنظمات الحقوقية و الحركات و في مقدمتها حركة ” شباب من أجل المناخ ” بزعامة الناشطة السويدية في مجال البيئة “غريتا تونبرغ ” و التي حضرت في مارس 2020 الى المفوضية الأوروبية ببروكسيل أثناء عرض مشروع ” قانون المناخ ” و الذي سيصبح المرجع القانوني لكل تشريعات دول الاتحاد الأوروبي في مجال المناخ.
و هنا تجب الإشارة الى الخطوة الجريئة للمفوضية الأوروبية و رغبتها في فرض “ضريبة الكاربون ” على البضائع الملوثة للبيئة الواردة على فضاء الاتحاد الأوروبي انطلاقا من سنة 2026.. و كل ما يعني ذلك من صراع سياسي و ايديولوجي و اقتصادي و حقوقي… و أغلفة مالية بالمليارات و تسخير مواد الطاقة الأحفورية ( كاربون و بترول و غاز طبيعي ) لخدمة اهداف سياسية و صراعات بالوكالة حتى أصبحت تلك الموارد الطاقية أسلحة ( حرب الانابيب ) موجهة ضد الحكومات و الشعوب في سبيل إرضاء شجع بعض الشركات العالمية أو الأبناك و شركات التامين المالكة لأسهمها.. أو لإرغام بعض الحكومات و الشعوب على تقديم تنازلات سيادية و سياسية و اقتصادية.
هذا في الوقت الذي يكشف أكثر من تقرير دولي حول التغيير المناخي ، عن حقيقة عملية حرق الوقود الأحفوري التي تعتبر مصدرا رئيسيا لتلك الانبعاثات الحرارية المسببة للاحتباس الحراري و ارتفاع درجة الحرارة العالمية
أكثر من هذا فقد سُجل تماطل الدول القوية في ضخ كامل التزاماتها المالية ( 100 مليار دولار ) في اتفاق باريس لسنة 2015 ، إذ لم تتعدى 70 مليار دولار ، و التي كانت مخصصة للتصدي لكوارث التغيير المناخي و تعويض الاضرار و تمويل مشاريع اقتصادية ايكولوجية بالدول الفقيرة و المتضررة من التغيير المناخي.. كما سجل العديد ومن الملاحظين ان التدابير الاحترازية لجائحة كورونا ببريطانيا ، ستحرم العديد من الناشطين خاصة من الدول الفقيرة و المتضررة كثيرا من التغيير المناخي من الحضور و المشاركة الفعلية كملاحظين في مؤتمر كلاسكو الاممي حول تغيير المناخ لسنة 2021
وهو ما يجعل بحق من قمة ” كـوب 26 ” بمدينة كلاسكو ( بريطانيا ) و طيلة أسبوعين مساحة كبيرة للصراع و التفاوض بين شركات الوقود الاحفوري الوطنية و العالمية و الأبنـاك و شركات التأمين و لـوبيات الصناعات الثقيلة و المنصات الإعلامية التابعة لها من جهة أولى ، و أحزاب الخضر و البيئة والمنظمات الأممية و المنظمات الغير الحكومية لحماية البيئة و المناخ و المنظمات و الجمعيات الحقوقية والمنصات الإعلامية التابعة لها من جهة ثانية… هذا مع ضرورة الإشادة ببعض الشركات البترولية التي تخصص برامج و أرصدة مالية مهمة لتشجيع على الاستثمار في الطاقات المتجددة و منح دراسية خاصة بالبحث العلمي لابتكار وسائل جديدة تمكن من الانتقال الطاقـي
كل الآمال معقودة على اشغال ” كوب 26 ” لإنتصار المشترك الإنساني في مناخ نظيف و بيئة نظيفة ، لكن هذا يتطلب مجهودا كبيرا من الدول الكبرى سواء في جي 20 أو جي 7..بالاستثمار في الطاقات المتجددة و النظيفة طيلة العشرية القادمة كما أوصى بذلك التقرير الاممي ليوم 9 غشت 2021…و بتبني سياسات عمومية و تشريعات صديقة للبيئة…وهنا لابد من التنويه بالهندسة الحكومية الجديدة و تضمنها لوزارة الانتقال الطاقي كإشارة قوية لانخراط المغرب في العمل الجاد سواء على المستوى المؤسساتي او السياسي غايته الانتقال الطاقي.