الحسين الرامي
في الحلقة السابقة، حاولت مقاربة سؤال تدبير زمن التغيير في الجامعة مع استحضار مجموعة من الفرضيات القابلة للتصويب والتصحيح و للتأكيد أو النفي. في هذه الحلقة، سأحاول ملامسة جوانب من الزوايا والأبعاد ذات الأولوية في إحداث التغيير المنشود.
إن التغيير لا يمكن اختزاله في بنيات وبنايات الجامعات وهياكلها وأجهزتها وفي النصوص التي تقنن مجالات اشتغالها وتدخلها، ولكنني أميل إلى ترجيح كفة التغيير والتغير في القيم والرؤى والتصورات والخلفيات التي تشكل قاعدة ومنطلقا لاستحداثها، بل ولاشتغال الأجهزة التداولية وتدبير مسلسل اتخاذ القرارات، وتنزيل البرامج وتفعيل النصوص.
لا مراء في أهمية تحديث الهياكل الجامعية وتجويد البرامج التكوينية ومراجعة النصوص المقننة لتدبير الموارد البشرية والمالية ولمختلف المصالح والأجهزة التداولية ولمجالات تدخلها، لكن التغيير الذي يتم بخلفيات محدودة ومنغلقة والنظر من زوايا مغلقة وضيقة ومغلفة بخطابات الحكامة الجيدة، يجعل عملها وأثرها محدودا وقابلا لأن يصبح مصدرا لعدد من الثقوب والفراغات والتعثرات والأزمات.
في هذه الحالة، يصبح التغيير أو الإصلاح في فضاء الجامعة، فاقدا لحمولته وغير ذا معنى في سياق عام سمته الأساسية تضخم في الخطابات والنصوص و البنيات والهياكل. هذه الهياكل التي فقدت معناها حين أصبح بعضها فضاء لتصريف ممارسات بلطجية ضدا على كل الأعراف والتقاليد والقوانين.
إن الحديث عن التغيير في الخلفيات والرؤى والتصورات التي يحملها الفاعل الجامعي والقيادات الإدارية الجامعية، هو المدخل الحقيقي للتغيير و الذي لا ينفصل عن حاجة المجتمع لبناء قدرات الشباب الجامعي وبناء الإنسان القادر على حمل الرسالة.
كما أن التغيير في تصورات وتمثلات الفاعل الجامعي لقضايا التعليم العالي وإشكالاته، يحيل إلى أهمية جعل الأجهزة التداولية ترتقي من مستوى إهدار الزمن الجامعي في مناقشة أمور روتينية بسيطة على أهميتها(برمجة الدراسة والامتحانات وتقديم عروض مطولة حول الإحصاءات الجامعية، وتوزيع المواد والوحدات….إلخ)، إلى مستوى آخر أكثر أهمية ودلالة.
إن إدراك الفاعل الجامعي لدلالات هذا التحول والترقي والقطيعة مع الخلفيات المؤطرة للتمثلات السالفة، تشكل مدخلا لتغيير أدوار الأجهزة التداولية وجعلها فضاء و ورشا للعمل وللتداول والنقاش في القضايا التي تؤرق بال المجتمع.
لماذا لا يطرح السؤال حول الحيز الزمني المخصص للتداول في قضايا جودة التكوين في علاقته بظاهرة الغش وطرق محاربتها وبالبيداغوجيا الجامعية، و بمشاكل التأطير و الاكتظاظ .
ولماذا لا تمارس الأجهزة التداولية حق التداول في قضايا البحث العلمي ومشكل التمويل وتبسيط المساطر وتحفيز الباحثين على الخلق والابتكار والولوج للمراجع وتدبير الخزانات.
في نفس السياق، يطرح السؤال حول موقع قضايا كثيرة في انشغالات الهياكل والقيادات الجامعية من قبيل المردودية الداخلية وسؤال مصداقية الشواهد وعلاقتها باستفحال ظاهرة الغش وممارسات أخرى، وسؤال التكوين الجامعي والاندماج المجتمعي والمهني لخريجي الجامعات.
هذه بعض القضايا، التي يمكن أن تشملها برامج الإصلاح والتغيير بعد إدراجها في أجندة الجامعات والتداول بخصوصها في الهياكل الجامعية وهيئات الحكامة بكل حرية وشفافية والترافع بخصوصها لدى الجهات المعنية.
أستاذ القانون العام بجامعة ابن زهر