محمد ازكرار
لم يعد الجفاف ظاهرة عابرة أو شاذة في الحالة المناخية العامة للمغرب بل أصبح خاصية مميزة لها ومعطى واقعيا يجب التعامل معه بكل جرأة وموضوعية بعيدا عن كل التأويلات المغلوطة والإجراءات الترقيعية الضيقة. ذلك أن الظاهرة قديمة ببلادنا ومعروفة لدى الخاص والعام، لكن طريقة التعامل معها توضح بالملموس أن حجم الإدراك الحقيقي بها وبالتداعيات الناجمة عنها لا زال محدودا ولا يرقى إلى مستوى هذا الخطر الكبير والداهم.
عرف المغرب منذ الأربعينيات من القرن الماضي على الأقل مرورا بسنوات السبعينات والثمانينات ونهاية التسعينات سنوات عجاف شديدة القحط و الجفاف، ومع بدية القرن 21 تواصلت حدة هذا الجفاف وخاصة في 2006 و 2016 وصولا إلى السنة الحالية( 2022) التي تعتبر هي الأخرى سنة جافة بكل المقاييس، وبالتالي فالظاهرة قديمة وليست حديثة أو وليدة الظرفية الحالية .
ترجع هذه الظاهرة الطبيعية إلى مجموعة من العوامل المختلفة أهمها الموقع الجغرافي للمغرب في منطقة البحر الأبيض المتوسط حيث المؤثرات الصحراوية حاضرة بشكل كبير مما يجعل من الجفاف السمة البارزة للمناخ السائد هنا، ناهيك عن التغيرات المناخية التي باتت تعرفها الكرة الأرضية والتي يعتبر الجفاف إحدى تجلياتها.
لفهم الحيثيات الدقيقة التي تنتج ظاهرة الجفاف بالمغرب لابد من فهم الظروف الجوية العامة التي تؤثر في أجواء المغرب والتي يلعب فيها مرتفع الآصور دورا محوريا وحاسما، فتمركز هذا المرتفع بعرض المحيط الأطلنتي يؤدي إلى تشكيل غطاء أو حاجز كبير أمام مرور الكتل الهوائية الممطرة والرطبة القادمة من الشمال ، ويمتد هذا الغطاء الآصوري ليشمل معظم دول شمال إفريقيا و بعض دول جنوب أروبا، و لا يمكن أن تتغير الحالة الجوية إلا باختفاء هذا المرتفع من المنطقة وتحركه نحو الجنوب مما سيفسح المجال أمام نمو وتشكل منخفضات جوية محلية رطبة ومحملة بالأمطار.
التداعيات الاقتصادية لظاهرة الجفاف
لا أحد يجادل في أن القطاع الفلاحي يعتبر القلب النابض للاقتصاد الوطني وذلك بالنظر إلى مساهمته الفعالة في الناتج الداخلي الخام و تشغيله لنسبة هامة من اليد العاملة ، ففي تقرير لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة سنة 2014 فإن مساهمة الفلاحة في الناتج الداخلي الخام تراوحت ما بين 14 و 20 % وتشغل حوالي 43 % من اليد العاملة ، 78 % منهم في العالم القروي.
استفحال ظاهرة الجفاف أثر بشكل مباشر على القطاع الفلاحي وخاصة على الفلاحة البورية التي تعتمد على مياه الأمطار ، حيث تضررت الزراعة المعيشية التي يمارسها الفلاحون الصغار بالبوادي وارتفعت الواردات السنوية للمغرب من الحبوب، حيث بلغت الواردات من القمح مستوى قياسيا وصل إلى 6.5 مليون طن خلال الموسم الزراعي 2020-2021 مما يجعل المغرب من كبار المستوردين لهذا المنتوج الحيوي وأكثر ارتباطا بالسوق العالمي للحبوب. كما تأثر قطاع تربية الماشية بشكل كبير حيث قل الكلأ وارتفعت أثمنة الأعلاف في الأسواق بشكل حاد، الأمر الذي أدى إلى تضرر عدد كبير من الكسابة حيث باتوا غير قادرين على مواجهة التكاليف الباهظة لغلاء المواد العلفية وركود سوق المواشي وذلك في غياب تدخل الدولة و مساعدتها لهذه الفئة المتضررة التي أضحت تعيش على مشارف الإفلاس التام.
كما أن التراجع الكبير في الحقينة الإجمالية لمعظم السدود المغربية والتي وصلت إلى حدود يناير 2022 ما يناهز5.50 مليار متر مكعب بنسبة ملء ناهزت 34.2 % فقط سيؤدي إلى تراجع وثيرة إنتاج الطاقة الكهرمائية وانحصار مجال الزراعات المسقية التي تعتبر إحدى الدعامات الأساسية للفلاحة المغربية.
التداعيات الاجتماعية للجفاف
إن تعاقب سنوات الجفاف على المغرب أدى إلى نقص كبير على مستوى الموارد المائية سواء السطحية منها أو الباطنية حيث جفت العديد من الأودية والعيون والآبار مما أسفر عن تداعيات خطيرة من الناحية الاجتماعية حيث بدأت تظهر نزاعات قبلية وعشائرية حول أحقية الاستفادة من هذا المورد الحيوي وخاصة بالمناطق الجافة وشبه الجافة في الجنوب والمغرب الشرقي. كما أن تأزم البوادي المغربية جراء استفحال هذه الظاهرة الخطيرة ساهم في تزايد حدة الهجرة القروية نحو المدن مما أدى إلى تزايد الضغط على عدد من الحواضر حيث ستكون مجبرة على توفير حاجيات إضافية ومضاعفة لعدد هائل من السكان.
تراجع المخزون الاستراتيجي للموارد المائية المعبأة في السدود جراء تعاقب سنوات الجفاف سيؤدي حتما إلى اشتعال أسعار المواد الغذائية و ارتفاع فاتورة الماء بالنظر إلى كثرة الطلب على هذا المورد الهام و تعدد القطاعات المستهلكة له، ولربما قد يجعل مجموعة من المدن تواجه مستقبلا تحدي الانقطاعات المتكررة والمزمنة على مستوى تزويد الساكنة الحضرية بالماء الشروب، خاصة تلك المدن التي تقع في أوساط طبيعية جافة أو شبه جافة، مما قد يؤدي إلى اندلاع احتجاجات اجتماعية محتملة يصعب التنبؤ بمآلاتها المستقبلية.
التداعيات البيئية للجفاف
لا شك أن توالي سنوات الجفاف أدى إلى توسيع نطاق المجال الصحراوي وتهديد استدامة الموارد الطبيعية بشكل عام، فلولا الحزام الجبلي الذي تشكله جبال الأطلس الصغير لكانت الصحاري قد زحفت نحو شمال وغرب البلاد. هيمنة الطابع الصحراوي على مناخ المغرب ساهم في تراجع المساحات الغابوية ونقص حاد في الموارد المائية السطحية والجوفية وتدهور التربة وبالتالي تراجع المساحات المزروعة وضعف مردودية القطاع الفلاحي.
أمام هذا الواقع الصعب والخطير الذي بات يواجهه المغرب أصبح من الضروري الاعتراف والتسليم بحقيقة ثابتة وهي أن الجفاف خطر طبيعي ومستدام يجب التعامل معه بكل مسؤولية وحزم وذلك بوضع سياسة واضحة ومدروسة ومتعددة الأبعاد لتدبير خطر الجفاف.
من المحاور الأساسية التي يمكن أن تقوم عليها هذه السياسة التدبيرية للجفاف ما يلي :
– مواصلة بناء السدود لما أبان عنه هذا الخيار من نجاعة كبيرة في تعبئة الموارد المائية والمحافظة عليها من أشكال الهدر والضياع.
– توسيع نطاق تحلية مياه البحر رغم تكاليفها الباهظة وذلك لتعزيز عملية تزويد المدن الساحلية بالماء الشروب.
– حماية المياه من التلوث والاقتصاد في كافة أنواع الاستعمالات سواء تعلق الأمر بالاستعمال المنزلي أو الفلاحي أو السياحي أو الصناعي أو غيرها بشكل يضمن تحقيق التوازن بين العرض والطلب.
– تحقيق عدالة مجالية على مستوى الموارد المائية وذك بالنقل السلس للمياه من مناطق الوفرة إلى مناطق الخصاص.
– مراقبة الموارد المائية وتثمينها باعتبارها ملكا عموميا يجب حمايته بقوة القانون من كل أشكال الهدر والاستغلال غير المعقلن.
– ضمان التزود الكافي والمستدام للسوق الوطنية بالكميات الضرورية من الحبوب حفاظا على استقرار أسعار المواد الغذائية وحماية للقدرة الشرائية للمواطن.
-إعادة النظر في بعض الخيارات التي تم تبنيها سابقا في القطاع الفلاحي وذلك بالتخلي نهائيا عن زراعة المنتوجات التي تستهلك كميات كبيرة من المياه وتعويضها بمنتوجات أخرى لها القدرة على التكيف مع ندرة الماء.
-اتخاذ إجراءات مستعجلة لمساعدة الفلاحين والكسابة بالعالم القروي سواء على مستوى ضمان التزود بالماء أو الإعفاء من الديون المتراكمة أو توفير الأعلاف بشكل وافر وبأسعار مناسبة.
طالب باحث بسلك الدكتوراه، كلية الآداب والعلوم الإنسانية عبد المالك السعدي، تطوان.