24 ساعة – متابعة
يبدو، للوهلة الأولى، أن البيولوجيا وعالم التمريض مجالان متميزان، لكنهما في الواقع مرتبطان ارتباطا جوهريا بهبة الحياة. يحتفل كل منهما، من منظورهما الخاص، بالأهمية الحيوية لهذه الهبة، مستندا في ذلك على مدى صموده، مثابرته وأمله.
هذا “التحالف” غير المرئي للبعض، والذي يتضح بشكل جلي للآخرين كان دائما حاضرا في ذهن هناء كولينز، هذه الشابة المغربية الأمريكية التي قررت يوما ما ولوج عالم البيولوجيا لتحط في ساحة الرعاية التمريضية حيث تتمتع حياة الإنسان بأهمية بالغة.
“لقد دفعتني التجربة المؤلمة التي مررت بها مع جدتي التي كانت تعاني من السرطان، لمراجعة اختياراتي في الحياة”، هذا ما صرحت به هناء لوكالة المغرب العربي للأنباء، بصوت يغمره الحزن ولكنه مفعم أيضا بالأمل.
وأضافت أن “تأثير هذا الحدث كان له وقع كبير وعميق على حياتي. في تلك اللحظة التي تلتقي فيها الحياة والموت، أدركت مدى نبل مد يد المساعدة إلى الأشخاص الآخرين”.
وبعد مسيرة مهنية ناجحة في جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، والتي توجت بإجازة في البيولوجيا، قررت ابنة سوق أربعاء الغرب، بدعم من عائلة متماسكة ومتفهمة، توسيع منظورها من خلال السير في طريق الحلم الأمريكي.
ومنذ ما يقرب من 17 عاما، اختارت أن تقيم في ولاية كونيتيكت، هذه الولاية الواقعة في شمال شرق أمريكا والمعروفة بفصول الشتاء المتجمدة. وبعد بداية صعبة للاستقرار والتفكير العميق، توجت هناء اختيارها بالانضمام إلى جامعة ولاية كونيتيكت المركزية.
وقالت “في البداية، كانت هناك فترات عصيبة حيث كان يتعين علي الجمع بين الدراسة والعمل، لكنني لطالما كنت عازمة على متابعة حلمي”، مشيرة إلى أن هدفها النهائي كان الحصول على مهمة “مفيدة ومحترمة” في المجتمع.
وأضافت هناء، بفخر وتصميم، “لهذا السبب اخترت دراسة علوم التمريض في جامعة كونيتيكت”.
ابنة لأم معلمة وأب شرطي قدما لها دعما بكل الطرق خلال مسيرتها المهنية، أدركت الشابة المغربية الأمريكية حلمها أخيرا بعد سنوات من العمل الجاد والمثابرة من خلال حصولها على إجازة ثانية في فن وعلوم تقديم الرعاية التمريضية.
وتعمل هناء، في الوقت الحالي، كممرضة معتمدة، وهو المنصب الذي تشغله منذ ما يقرب من 10 سنوات، كما أنها تشرف وتدير فريقا من الممرضات في واحدة من أكبر المرافق الصحية في ولاية تكساس، وهي ريادة أبانت عليها طوال الأزمة الصحية التي سببتها جائحة كورونا.
وأوضحت هناء، التي لا تفارق وزرتها البيضاء والتي أسست عائلة في مدينة أوستن في تكساس، أن “هذا المنصب يتطلب خبرة كبيرة لتوجيه كل من الممرضات والمرضى الذين يتصلون بالعيادات لطلب المشورة الطبية”، مبرزة أن هذه المهنة جعلتها تقدر القيمة التي تكتسيها الصحة والحياة، فضلا عن نبل مساعدة البشر بغض النظر عن حالتهم الاجتماعية، أو عرقهم أو انتمائهم.
وتعتبر مغامرة هناء الإنسانية البارزة معركة مستمرة تخوضها بشكل يومي إلى جانب زوجها، الذي يشتغل بدوره كطبيب أعصاب أمريكي كبير في تكساس.
كما لا تبخل هناء، وهي أم لطفل مصاب بالتوحد يبلغ من العمر عام ونصف، بكل الوسائل الممكنة عن تلبية الاحتياجات الخاصة لطفلها البالغ من العمر الآن 5 سنوات.
وقالت هناء، التي أنشأت قناة على منصة اليوتيوب لتقديم المساعدة للعائلات التي تعاني من مرض التوحد من خلال نصائح قائمة على خبرة مثبتة، إنها “قررت دراسة هذا الاضطراب (التوحد) من كل جوانبه حتى أصبحت مدربا محترفا في الميدان”.
كما أن هناء، أم أيضا لفتاة تبلغ من العمر 16 عاما، تعمل على تنظيم، بتعاون مع زوجها، حملات لجمع التبرعات والتوعية، لا سيما في ما يتعلق باضطراب التوحد، وذلك بهدف أن تكون بمثابة “رمز الأمل” للآلاف من الأشخاص الذين يتابعونها على اليوتيوب.
وبنفس روح الزهد والصبر والإيثار اللامحدود، فإن هناء، ومن ورائها حب لا متناهي للوطن الأم، تبدي استعدادها دائما للمساهمة في تنمية المجتمع المغربي الذي يتكون من الجالية المقيمة بأرض العم سام.
وقالت “تحذوني رغبة دائما في أن أضطلع بدور القيادة لأولادي وزملائي ومجتمعي. لهذا السبب أنشأت مجموعة مكرسة لتقديم الدعم للنساء المغربيات في الولايات المتحدة”، مضيفة أن الهدف من ذلك هو تقديم المشورة في العديد من مجالات الحياة وإلهام التغيير.
وهكذا، أصبحت المجموعة، التي أطلق عليها اسم “هناء والنساء الفاعلات في التغيير”، مصدر إلهام للنساء اللائي يبحثن عن حوافز أو أفكار جديدة للانطلاق في بداية جديدة في الحياة.
وتلتزم هناء، التي تحدوها رغبة صنعتها على مر سنين من التجربة، بمواصلة شق طريقها نحو التميز معتمدة في ذلك على قيم التضامن وقوة الأمل