سناء الجدني – الرباط
سيكون من الخطأ أن نعتبر بأن المغرب هو الوحيد الذي منتصرا من المعركة الدبلوماسية، بنفسها الطويل، مع إسبانيا. صحيح أن بلادنا قد كسبت موقف يقوي مشروعيتها التاريخية وغير القابلة للتفاوض حول الصحراء المغربية، لاسيما وأن الأمر يتعلق بمن كان يوما محتلا لهذه الأرض المغربية ومن يتوفر أكثر من غيره على كل الوثائق التي تثبت، بدون جدال أو نقاش، بأن الصحراء أرض مغربية.
لكن كل ذلك لا يعني بأن المغرب خرج لوحده منتصرا من هذه المعركة، بل إن إسبانيا بدورها خرجت منتصرة بالرغم من الجدل الذي يثيره البعض داخليا في محاولة للنيل من رئيس حكومتها بيدرو سانشيز. انتصار ليس فقط مرتبط براهنية العلاقات مع المغرب، بعودة سفيرته إلى مدريد واستئناف علاقات التعاون بمختلف أشكالها، مع ما يعنيه ذلك وقع إيجابي على المواطن الإسباني بنفسه.
إسبانيا انتصرت على عقدة تاريخية كانت تجعلها تتقوقع على نفسها في خندق “الطرف المحايد” كدولة، في حين يظل الانفصاليون يستعملون لهذا البلد من أجل النيل من بلد متوسطي جار، من خلال استعمال المجتمع المدني الإسباني..اليوم إسبانية تنتصر لنفسها من أجل المستقبل الذي لا يمكن أن يتم إلا بوحدة دولة لها من السيادة والقوة ما يجعلها تتصدى لأي محاولتها للمساس بترابها.
لقد فهمت إسبانيا بأن المغرب لا يمكن أن يتفاوض حول ترابه، وبأن انخراطه في المسلسل الأممي إنما يتم تحت عنوان عريض: “لا تفاوض حول الأرض”..ولذلك، فإن أقصى ما يمكن أن يقدمه هو مشروع الحكم الذاتي الذي يتضمن من الصلاحيات والسلطات الجهوية ما يتيح لسكان الأقاليم الجنوبية للمملكة إمكانيات هائلة من أجل تدبير شؤونهم.
إسبانيا تتحرر اليوم من ملف لطالما وضع العصا في عجلة العلاقات مع المغرب، بل ويثير تشنجات أبناء اليوم هم في غنى عنها..فكيف لدولة تقاوم من أجل وحدتها وتتصدى بكل حزم وقوة لمحاولات تفكيك منطقة “كاتاولنيا” عن البلاد أن تقبل بأن تمس وحدة دولة مجاورة ويتم خلق دويلة لها من المقومات ما يجعلها تنظيما يهدد أمن المنطقة برمتها؟
لقد فهمت إسبانيا بأن الأوان قد آن لتصحيح أخطاء الماضي، وألا يستمر السياسيون في تحميل أجيال اليوم وزر ألغام زرعت في أزمنة سابقة..لقد فهمت إسبانيا بأن الأوان قد آن لتعترف، وهي العارفة بخبايا النزاع وحقيقته، بأن الصحراء هي أرض مغربية وبأن “البوليساريو” ليست إلا تنظيمها ساهمت ذات يوما في الدفع به إلى الأمام، قبل أن يتحول إلى قنبلة تهدد أمن المنطقة برمتها.
لقد خرج المغرب اليوم منتصرا في معركة دبلوماسية حازمة..فاعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء لم يكن إلا خطوة أولى من أجل توسيع قاعدة الدول الكبرى التي تنتصر للشرعية الدولية بدل أن تكون عامل محفزا لتفكيك الدول.
واليوم، تلتحق إسبانيا بهذا الموقف العالمي الذي يدفع بخطى حثيثة نحو حلحلة هذا النزاع بمقاربة مبتكرة وجريئة طرحها المغرب سنة 2007 لتكون أساس الحل السياسي المتفاوض عليه، تحت السيادة المغربية ودون المساس بحبة رمل واحدة من أرض الصحراء.