أسامة بلفقير- الرباط
في هذه الفسحة الرمضانية، نسلط الضوء على جزء من تاريخ المغرب المنسي..ذلك التاريخ الذي يشكل جزء أصيلا من الحضارة المغربية الضاربة في عمق التاريخ…”24 ساعة” تفتح ملف “حناطي المخازنية” عبيد في رحاب سلاطين المملكة.
الحلقة الثانية:
لكل دولة تاريخها، ومن لا يعرف تاريخ بلاده فلا يعرف هويته، ومن لا يعرف هويته سيعيش حياة تائهة بين محاولات البحث عن الذات لدى الآخر، أو العيش تحت أسر تمزق ثقافي وهوياتي.
يتكلف “حناطي البرانيين” بالمهام التنظيمية والحراسة خارج بناية القصر، فلا يمكن لأحد منهم أن يتعدى العتبات السلطانية إلا عندما يكون صاحبها جالسا على كرسي ملكه للنظر في شؤون البلاد.
وتبقى هذه الحناطي تابعة لقائد المشور الذي كان في المرتبة الثالثة من هرم السلطة بعد السلطان والحاجب.
عموما، لقد كان قائد المشور يحظى بمهابة بين خدام القصر، فهز المشرف على نظام المراسيم واستقبال الوفود، والمكلف بتحديد المسموح لهم بالدخول على السلطان، ماعدا من كان منهم مستوزرا، و هو المتكلم بلسان السلطان، حيث كان يردد كلامه بصوت مسموع من لدن الحضور أجمعين.
كما يتولى مهمة وضع لوائح لأسماء الوجوه و الوفود المقبلة على السلطان أيام الأعياد لتقديم التهاني و الهدايا له، وقد كان يساعده في أداءه مهامه “خليفة” ومعين (خليفة ثان) مهمتهما تلقي أوامر “الوزير الصدر”، و تبليغها “للمشاورية”.
وإضافة إلى وظائفه المذكورة، فإن قائد المشور كان يكلف في بعض الأحيان بمهام خاصة، كالخروج لإلقاء القبض على القياد والموظفين الذين شاقوا عصا الطاعة فأصبحوا مطلوبين لدى السلطان، أو لقمع قبيلة “متمردة ثائرة”، فضلا عن إشرافه على كل الحناطي “البرانية”، الذين يحف به نفر منهم ساعة ركوبه قاصدا القصر، أو وقت رجوعه، فيكونون عن يمينه و شماله لفيفا منهم”. يهرول و ينحي المارة عن طريقه”، و غالبا ما يكونون من حنطة “المشاوريين”.
ولطالما شغل هذا المنصب أشخاص من الوصفين، مثلهم في ذلك المتولين لمنصب الحجابة” حسب ما أورده “مصطفى الشابّي”، الذي ذكر نموذجا منهم عاصر و خدم المولى عبد الرحمان ابن هشام و كذلك ابنه المولى محمد، كان ينتسب إلى عائلة تنحدر من جيش البخاري اسمه ” الجيلاني بن حمو” و خليفته بخاري كذلك يدعى “محمد بن يعيش”، والذي تولى منصب رئيسه بعدما ولّاه السلطان عاملا على مدينة فاس قبيل “ثورة الدباغين”، و قد احتكرت عائلة بن يعيش هذه قيادة المشور لردح من الزمن، فتمتعوا بالسلطة التي يخولها هذا المنصب داخل أسوار القصر.