24 ساعة-محمد أسوار
أحداث كثيرة طبعت التاريخ المعاصر للمغرب، وألقت بظلالها، إيجابا أو سلبا، على الشأن السياسي والاقتصادي والفكري للمملكة، بعضها يتذكرها الجيل الجديد من المغاربة وأخرى صارت في خبر كان.في هذه الزاوية والتي تنشر على شكل حلقات رمضانية، تنبش ” 24 ساعة” في الذاكرة المغربية، من خلال محطات بارزة، سواء كانت أحداثا أو شخصيات، طبعت حقبة معينة من تاريخنا المعاصرة.
الحلقة الأولى: “أوطم”.. من “طرد” الحسن الثاني ببيان أزرق إلى السقوط في “الظلام”:
قصة أغرب من الخيال تلك التي عرفها تاريخ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، النقابة الطلابية المعروفة اختصارا ب “أوطم” ؛ فلا أحد كان يتكهن؛ بمن فيهم الملك الراحل الحسن الثاني نفسه الذي كان رئيسها الشرفي في بداية التأسيس سنة 1956، حين كان وليا للعهد؛ أن تتحول هذه المنظمة الطلابية إلى العدو رقم واحد للنظام. وزادت غرابة حكاية المنظمة النقابية الطلابية “العتيدة”، حين سقطت في أيدي الاسلاميين – أو ” الظلاميين” كما يسميهم اليساريون الأوطاميون_ وصارت تتحكم فيها بمعظم الجامعات المغربية، وأتى ذلك عقب أحداث ومواجهات دموية خلفت سقوط قتلى أو “شهداء” وفق تعبير نفس اليساريين.
التأسيس
تأسس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب خلال نهاية دجنبر من سنة 1956، وأعلن حل التنظيمات الطلابية “المحتشمة” غير المعروفة السابقة مثل جمعية مسلمي شمال إفريقيا التي تأسست سنة 1912، والجمعية العامة لطلاب الرباط التي تأسست سنة 1927، واتحاد طلاب المغرب الذي تأسس سنة 1947.
سيطر حزب الاستقلال منذ التأسيس على دواليب “أوطم” إلى غاية المؤتمر الرابع سنة 1959. ولكن بعد انشطار الحزب وميلاد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في نفس السنة، دخلت المنظمة النقابية الطلابية، مرحلة جديدة وأصبحت تابعة للحزب الجديد.
تبنت “أوطم” مواقف المولود الحزبي الجديد، وتم ذلك بشكل واضح خلال المؤتمر الرابع الذي انعقد شهر غشت، وتم ذلك عمليا عبر دعم أول حكومة يسارية في مغرب بعد الاستقلال، وهي حكومة عبد الله ابراهيم التي تشكلت يوم 24 دجنبر 1958، وكانت تضم بعض المؤسسين لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، لكن بمجرد أن سقطت هذه الحكومة بتاريخ 23 مايو 1960، دخل الحزب في معارضة شديدة للنظام، وهو نفس المنحى الذي سينحوه “اوطم”، حيث ندد بالطابع “غير الديمقراطي للنظام”، كما ندد بالقمع المسلط على حركة المقاومة وجيش التحرير وذلك خلال مؤتمره الخامس المنعقد بالدار البيضاء في يوليوز 1960”.
خلال المؤتمر الخامس للتنظيم الطلابي، الذي يعرف باسم “مؤتمر الطلاق”، ظهرت الفجوة بين السلطة وتمثيلية الطلاب، وهو ما سيشكل منعطفا جديدا في تاريخها، عبر إصدارها مواقف مناوئة للحكم، منددة بالقمع المسلط على حركة المقاومة وجيش التحرير.
تنحية الحسن الثاني من رئاسة ” أوطم”
سنة بعد “مؤتمر الطلاق”، عقد المؤتمر السادس للاتحاد الوطني لطلبة المغرب بمدينة أزرو سنة 1961. قررت هياكل المنظمة تنحية الحسن الثاني ولي العهد من الرئاسة الشرفية عبر بيان أصدروه عقب المؤتمر اشتهر ب” البيان الأزرق” ، لتبدأ بشكل رسمي القطيعة بين النظام و” أوطم”. تلتها خطوات اكثر تجذرا منها مقاطعة أول استفتاء للدستور سنة 1962 ووصفه ب”الممنوح”.
لم يستسغ حزب الاستقلال، القوة السياسية التي لا تقهر، أن “يسرق” منه ابنه غير البار نقابة طلابية وفاعلة في الأحداث؛ لذلك قرر سنة 1962، تأسيس تنظيم طلابي موازي تحت مسمى ” لاتحاد العام لطلبة المغرب”، مما سيولد تطاحنات بين التنظيم الجديد التابعة لحزب علال الفاسي وبين منظمة “أوطم” التي تدعي “الشرعية”، ويذكر الازهر علال، في كتابه “الماركسيون في المغرب، حوارات وأسئلة “أن الطلبة منعوا الزعيم التاريخي لحزب الاستقلال علال الفاسي، من إلقاء كلمة داخل إحدى كليات فاس تحت اسم الاتحاد العام لطلبة المغرب وقال “لم ننسلخ عن توجهنا الاتحادي..ولم نقبل أن يتجاهلنا الزعيم المرحوم علال الفاسي، عندما أصر على أن يلقي محاضرة عن فلسطين في الكلية (فرع فاس) باسم الاتحاد العام لطلبة المغرب ..طلبنا من علال الفاسي ..أن يلقي كلمته باسم الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ولكنه رفض ذلك، فقبلنا التحدي ولم تكفينا مقاطعة الطلاب للمحاضرة، بل ذهبنا إلى حد إفشال النشاط من أساسه، شوشنا على الأفراد العشرة أو العشرين في أحسن الأحوال، الذي جاء معظمهم من خارج الطلبة، ..حتى فصلنا الكهرباء، فانتهى كل شيء”. ووقف زعماء ” اوطم” بشكل قوي في وجه تنظيم حزب الاستقلال، وأدى ذلك إلى عدم تمكنهم من وضع موطئ قدم داخل الجامعات بسبب المقاومة التي لقيها من قبل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب هو المهيمن.
باحنيني يطالب بحل “أوطم”
دفعت المواقف المناهضة للنظام التي تبنتها “أوطم” نحو سعي الحكومة إلى حلها. ففي منتصف أكتوبر من عام 1964، طالبت وزارة الداخلية في حكومة باحنيني بحل المنظمة بذريعة “عدم ملاءمة قانونها الأساسي لقرارات صادرة عن وزارته، لكن تم إبطال الدعوى قضائيا في دجنبر من السنة ذاتها”، بعد فشلها في خطوتها الأولى، ستعاود السلطة الكرة مرة اخرى، حين أصدرت ظهيرا يلغي ظهير 1961 الذي يعتبر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، جمعية ذات منفعة عامة، ليتم بعد ذلك قطع الدعم العمومي عن المنظمة سنة 1963. ورغم محاولة الحصار والتضييق، إلا أن المنظمة الطلابية بقيت على مواقفها المناهضة للنظام، بل ازدادات حدة تلك المواقف خلال المؤتمر التاسع المنعقد سنة 1964.
سنة بعد ذلك، ازداد التوتر بين ” اوطم” ونظام الحسن الثاني الذي لم يمر على توليه العرش سوى سنوات قليلة، كما أن الازمة الخانقة التي تمر منها البلاد وما رافق ذلك من احتقان سياسي؛ واعلان حالة الاستثناء سنة 1965، خلق نوعا من الصدام بلغ اعتقال أبرز قيادات المنظمة بمن فيهم رئيسها محمد الحلوي الذي قدم لمحاكمة عسكرية وقضت باعدامه، لكنه لم ينفذ.
ابتداء من سنة 1969، ستعرف منظمة “أوطم” منعرجا آخر تمثل في تبني مواقف أكثر راديكالية، حيث تبرأت من جميع الأحزاب السياسية ووصفتها ب”الاصلاحية” و”التحريفية” بما فيه حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي أسسها، لتتخذ من الماركسية اللينينية والتروتسكية والماوية مرجعا لها و”مواجهة ما يمكن مواجهته في أفق المواجهة الشاملة شعارا لها” شعارا أساسيا لها.
السقوط في “الظلام”
نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، ستعرف منظمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب منعطفا جديد، تمثل في دخول الاسلاميين للساحة الجامعية لأول مرة؛ ترتب عن ذلك موجة عنف، راح ضحيتها زعماء اوطاميون يساريون كانوا ضد وجود ” الظلام” في الجامعات المغربية، وكان المعطي بوملي أول من ذهب ضحية الاسلاميين والماركسيين بجامعة محمد الأول بمدينة وجدة. ورغم محاولة التصدي للمد الاسلامي بالجامعة الا أنهم هذه المرة لم يفلح الاوطاميون؛ بل استطاع الاسلاميون، عبر جماعة العدل والاحسان بسط سيطرتهم على “أوطم”؛ في الوقت الذي يتنابز يساريوها فيما بينهم؛ تارة بالكلام وتارة بالسيوف والمزابير حول من كان محقا تروتسكي أم لينين؟ وهل التغيير يأتي من الداخل أم بالثورةالشاملة؟!