أمين سامي
في ظل الثورة الصناعية الرابعة والتحول الرقمي المتسارع وما أصبحنا نشاهده اليوم من عدة تحديات من تحدي السرعة، تحدي تكنولوجيات القطيعة التي غيرت العالم وسائرة في تغييره بشكل رهيب حيث أصبح العالم اليوم أكثر ارتباطا وترابطا مع بعض أكثر من ذي قبل، وأصبح هذا الأخير أكثر تعقيدا من ذي قبل وبالتالي أصبحت فرص الشغل قليلة وظهرت منها جديدة وقطاعات حيوية جديدة ومستقبلية، منها قطاع الروبوتات، قطاع البيتكنولوجيا الحيوية، الأمن السيبراني، الذكاء الاصطناعي، البيانات الضخمة، كل هذه التغييرات أدت إلى ظهور تحدي جديد هو تحدي الكفاءة المتميزة.
ففي الماضي القريب، كانت الشهادة تكفي وكانت مرادفة للكفاءة، لأن الشهادات كانت محدودة الانتشار محليا، والمعارف والخبرات والتقنيات كانت محدودة أيضاً وتتطور بإيقاع بطيء، والمنافسة تتم في سوق محلي أو وطني للكفاءات والمهن. أما اليوم وغداً فلم تَعُد الشهادة مرادفة للكفاءة بسبب الثورات العلمية والتقنية المُرعِبة والمخيفة خاصة مع بداية الثورة الصناعية الرابعةوالتحول الرقمي المتسارع، الذي أصبحنا نعيش فيه وأصبحت بوادر الثورة الصناعية الرابعة تظهر على جميع الأصعدة والمستويات والإيقاع السريع للتغيير في كل المجالات، والتنافسية الشرسة والعالمية في سوق الكفاءات والمهن. وهذا يتجلى من خلال تأثير الثورة الصناعية الرابعة على السوق والمهن حيث على مستوى السوق انتقلنا من الاقتصاد الرقمي إلى إقتصاد دمج المعرفة مع الرقمي مما ولد ثورة على مستوى السوق العالمي وتطلب الاعتماد على الكفاءة المتميزة التي ولدت هذه الثورة التي نعيش بوادرها اليوم، واتضح هذا جليا في تكنولوجيا القطيعة حيث غزت جميع المجالات بما فيها التعليمي والطبي و الاقتصادي و… وأصبحنا نتكلم عن التعليم الرقمي والزراعة الرقمية والطب الرقمي والحكومة الرقمية وأصبح كل شيء ذكيا ومنها القيادة الذكية و المنزل الذكي والهاتف الذكي. إن الكفاءة المتميزة هي التي أنتجت لنا اليوم الذكاء الاصطناعي والروبوتات والبيانات الضخمة وإنترنت الأشياء والتخزين السحابي والبلوكتشين وغيرها كثير … وبالتالي فالسوق الجديد هو سوق الكفاءة المتميزة قبل الرقمنة والمعرفة بامتياز سوق مليئ بالتحديات والمخاطر الجديدة وسوق الفرص المستقبلية الواعدة لمن يستشفها ويستشرفها عن بعد.
فالسوق في مفهومه الجديد هو سوق يبحث عن الكفاءة المتميزة وليس الكفاءة فقط، سوق يعتمد على الاستشراف والتخطيط الاستراتيجي لمواجهة المخاطر بشكل كبير، سوق يؤمن بشكل كبير بإدارة التغيير كأحد الدعامات الأساسية لمواجهة التقلبات والأزمات العالمية مثل موجة كورونا فيروس، سوق يؤمن بالانفتاح الدولي بشكل كبير وأن الفرص المستقبلية هي فرص دولية وعالمية لمن يبحث عن التميز والريادة أما الفرص المحلية فأفقها محدود، سوق يؤمن بالفهم السريع لمتطلبات العميل من أجل التحكم فيه عن طريق منتجات الأزمنة الحديثة، سوق يؤمن بالسرعة لتحقيق أكبر المكاسب في أقل مدة معينة، … وبالتالي كيف ستواجه الاقتصادات المحلية للدول الضعيفة والنامية هذه السوق المتوحشة؟ وماهي الاستراتيجيات الذكية لركوب هذا التحدي والتحول الجذري الذي تعرفه سوق الغذ؟ وماهي الاستراتيجيات الذكية لاستقطاب الكفاءات المتميزة وفائقة التميز للحفاظ على الميزة التنافسية في ظل تقلبات السوق العالمي؟
أما على مستوى المهن المستقبلية سيكون لها ارتباط كبير جدا بشكل السوق، حيث ستظهر مهن لها ارتباط بقطاع الروبوتات وخاصة أن هذا المجال ينتعش بشكل سريع وسيغزو جميع المجالات بشكل قريب، كما سيزداد الطلب على مهن الاستشراف والتخطيط الاستراتيجي وإدارة التغيير لمواجهة المخاطر المستقبلية، كما سيزداد الطلب على مهن مرتبطة بتحليل البيانات الضخمة وتفسيرها، بالمقابل ستعرف مهنة التدريب والكوتشينغ إقبالا كبيرا خاصة للإشخاص الذين يطمحون لتحقيق ذواتهم سواء على المستوى الشخصي أو المهني، كل هاته الأخيرة تتطلب كفاءة متميزة وفائقة التميز وبالمقابل ستعرف بعض المهن الموجودة حاليا تطورا ملحوظا خاصة في مجالات معينة مثل : الطبيب الرقمي، الأستاذ الرقمي، المهندس الرقمي.
إن اليوم وغداً، سيُصبح حامل شهادة عليا متخصصة، حصل عليها بميزة الشرف الأولى من جامعته المحلية، صفراً على اليسار إذا نافس بها في سوق الكفاءات والمهن على المستوى العالمي، وأمّياً في تخصصه بعد بضع سنوات من تخرجه، وخطيراً على المجتمع إذا لم يواكب الجديد في تخصصه.
لقد انتهى زمن الشهادة، بل انتهى زمن الكفاءة أيضا! فنحن اليوم في زمن الكفاءة المتميزة وفائقة التميز، إن الشركات الرأسمالية العالمية تبحث عن الكفاءة لا الشهادة، بل تبحث عن الكفاءة العالية لا الكفاءة العادية، وفي أسواق دولية لا محلية، والكثير منها أصبح يبحث عن كفاءة الذكاء الاصطناعي لا كفاءة الذكاء البشري. فحسب الدراسات المستقبلية يكفي أن نعرف أن نسبة البطالة في سنة 2070 ستصل إلى نسبة 80% (حسب بعض سيناريوهات الدراسات المستقبلية).
وبالتالي فمن حق المنظمات أن تَحفظ وتُحافظ على مصالحها ومستقبلها فلا تستقطب إلا الكفاءات المتميزة، وبالتالي ما ذنب جيل من حملة الشواهد الذي لم يتم تأهيله لهذا المستقبل العنيف والمخيف!؟ (ألم نقل أن المستقبل للتعلّم الذاتي). إن بيئة الأعمال المستقبلية بيئة تنافسية شَرِسة، وستعرف تغييرات سريعة وشمولية وجذرية، وبالتالي أصبحت المنظمات بحاجة إلى محاربين شجعان لا إلى حملة شواهد عليا، محاربين يشكلون فرق الخطوط الأمامية في المواجهة، ويتم تمييزهم واختيارهم على أساس الكفاءة لا الشهادة أو الأقدمية، فاليوم وغداً ستتلاشى وتنقرض أي منظمة لا تملك كفاءات فائقة التميز.
إن النظام الرأسمالية العالمية المتوحشة أتقنت تصميم لعبة الشهادات بالأمس وبالتالي فالحصول عليها لا يمنحك أشياء مهمة، وعدم الحصول عليها يحرمك من أشياء كثيرة. وماهي اليوم وغدا ستتحول إلى لعبة جديدة: الكفاءة بدل الشهادة..
والسؤال هو: كيف نلعب هذه اللعبة الجديدة دون أوهام؟ وبالتالي فالمستقبل للكفاءة المتميزة وليس للشهادة فنحن في مرحلة الانتقال من اقتصاد الشهادات إلى اقتصاد الكفاءات مستقبلا لا محالة.
المصادر والمراجع :
١. مقال للدكتور إدريس أوهلال حول موضوع : تحدي الكفاءة المتميزة.
٢. مقال حول أهم التحديات المستقبلية : تحدي تكنولوجيات القطيعة.
٣. مقال حول أهم التحديات المستقبلية : تحدي السرعة والتسارع.
٤. مقال حول أهم التحديات المستقبلية : تحدي التعلم الذاتي الفعال.
٥. مقال حول أهم التحديات المستقبلية : تحدي المهن السريعة
خبير في الإستراتيجية للمنظمات غير الحكومية