للشباب مقترحاتُ حلول في ما يتعلق بمواجهة الوضع الخاص للسندريات في جرادة.
بالنسبة لهم هناك اختياران لا ثالث لهما:
- أن يتم فرض احترام القانون على أصحاب الرخص من أجل توفير مناصب شغل بكل الضمانات التي تكلفها مقتضيات الشغل،
- أو أن يتم نزع الرخص من أصحابها المتقاعسين وإنشاء تعاونيات تضمن فرص الشغل للشباب وعموم الساكنة وتلتزم بتوفير الفحم للمؤسسات العمومية التي تستعمله في حاجياتها المختلفة ومن بينها مؤسسات ضخمة الاستهلاك لهذه المادة ومن بينها: الأحياء الجامعية ووزارة التربية الوطنية والمؤسسات السجنية…
هناك معضلة أخرى لا زالت تخلق وضعا بيئيا لا يطاق. فالفحم، ومنذ سنوات اشتغال “مفاحم جرادة”، حين كان يتم استخراجه ووضعه في الأكياس من أجل إرساله إلى الوجهات التي ذكرنا، كان يترك وراءه نفايات. وهكذا وعلى أطراف المدينة تربعت هضبات ضخمة سوداوية اللون. هي ليست هضباتٍ طبيعيةً، إذ أن طابعها المصطنع باد للعيان. تكاد تخنق فضاءات المدينة. إنها نفايات الفحم الحجري التي تراكمت على مر السنين حتى أصبحت عبئا حقيقيا على المجال.
يقول فريد – الحاصل على شهادة في المحاسبة، بدون عمل – أن هذا الوضع أصبح لا يطاق ويذّكر بالالتزامات السابقة للدولة في الموضوع حين تم إغلاق مفاحم جرادة. كان الاتفاق قد استقر على أن يتم تخليص المدينة من النفايات على أساس توفير ميزانية كافية متحصلة من بيع عقارات ومعدات وآلات الشركة المنتهية مهمتها. غير أن هذه القرارات بقيت حبرا على ورق. وبقيت النفايات في مكانها إلى اليوم، منذ ما يقارب العشرين سنة.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يتساءل الشباب عن مصير الممتلكات إياها ويشكون في كونها قد فوتت إلى من لا يستحقها وبغير وجه حق ويسردون لائحتها المتمثلة أساسا في:
- عتاد العمل في المناجم المشكَّل من الآلات والمعدات والذي كان يملأ جنبات المكان المعروف ب”القفص” أو la cage حيث كان العمال يتجمعون قبل النزول إلى ألآبار،
- بنايات مصطاف السعيدية،
- الممتلكات العقارية الثلاث الموجودة بوجدة،
- ممتلكات الشركة في الدارالبيضاء بشارع جرادة والمتمثلة في عمارة ومقر و3 فيلات وصيدلية،
- الممتلكات العقارية الموجودة في جرادة نفسها.
هكذا إذن لم يقتصر الأمر على توقف المفاحم وغياب البديل الاقتصادي الشيء الذي رمى بالمدينة في الوهدة الاجتماعية التي نعرف اليوم، بل لقد تُركتِ المدينة لحالها كمطرح نفايات ضخم ومجمع من الأحياء أكثرها ذات طبيعة هامشية عشوائية، كسلّة قمامة…
عبد الوهاب، أحد الشباب النشطاء في هذه الاحتجاجات والمواظبين عليها، تحدث بتأثر بالغ عن هذا الأمر. هو لا يفهم كيف استمرت هذه الوضعية سنوات وسنوات رغم أن الجميع كان يعرف. لقد خرج عبد الوهاب، الذي تدرّج في العمل الحقوقي والسياسي اليساري، خرج من حي المسيرة الذي يئن كغيره من الأحياء تحت كلكل الفقر واعتبر أن الفرصة مواتية لطرح الموضوع أمام الرأي العام والحكومة، لا من أجل خلق التوتر واستثمار الوضع لأهداف غير معبر عنها، بل إنه يعتبر مثل أقرانه أن لهذه الحالات من الاحتقان فضيلة كبرى: إنها تطرح المشكل الاجتماعي بجُماعه وتسمح للناس بالتعبير عن الغضب، وتدفع الدولة لتصحيح سياساتها بالتجاوب مع مطالب الشعب، وهي مناسبة لا لإضعاف الدولة بل لتقويتها بجرعات من المكاسب الاجتماعية والديمقراطية التي تحركها دينامية المطالبة بالعدالة الاجتماعية باستمرار. من هذه الزاوية يمكن اعتبار عبد الوهاب وأقرانه نموذجا للجيل الجديد من النشطاء المدنيين الذين يثقون في الديناميات المجتمعية المستقلة باعتبارها محرك التحولات ذات النفس الإصلاحي للدولة والمجتمع… ولذلك يجب الإنصات إليهم بانتباه. لأن أمثالهم موجودن في كل جهات المغرب، من شماله إلى جنوبه. إنهم يشكلون جزءا مهما من المستقبل.
عند عودتنا بعد جولتنا في الهضبة حيث انتشرت أفواه الآبار المشرعة البكماء، رن هاتف عبد الوهاب. تحدث بصوت متهدج واضطر إلى توديعنا على عجل من أجل الالتحاق بوالدته التي تم نقلها إلى المستشفى في حالة غير مطمئنة. رافقناه على متن السيارة – متمنين لها الشفاء العاجل – وودعناه في زقاق بحي المسيرة من حيث تخرجُ يوميا أكبر مسيرات المدينة…
صلاح الوديع