أصدر المكتب الاعلامي السعودي بالرباط في الأسبوع الماضي بيانا يرحب فيه بتقرير الأمم المتحدة حول ما وصفته بـ(تدخلات ايران العدائية ودعمها لمليشيات الحوثي الارهابية بقدرات صاروخية وخطيرة تهدد أمن واستقرار المملكة العربية السعودية).
وبغض النظر عما اذا كان البيان ترجمة رديئة لبيانات صادرة عن البيت الأبيض أو وزارتي الخارجية الأمريكية والإسرائيلية ، فان أسوأ ما يرتكبه من الحماقات هو تحميل ايران مسئولية تهديد أمن السعودية واستقرارها كما لو أن المملكة هي بالفعل احدى واحات النعيم الأرضي المشمول برضى الخالق والعباد.أما الحماقة الصغيرة التي يرتكبها البيان فهي تغافله المتعمد لتصريحات أنطونيو غوتيريس ومساعده جيفري فيلتمان التي أكدت أن المنظمة الأممية “ليست في وضعية تمكنها ، حتى الآن ، من تأكيد ان كانت هذه الصواريخ هي صواريخ قيام1 الايرانية”.وبالطبع فان السعودية لا تبدو منزعجة من الخروج على الاجماع الأممي طالما أن أصحاب حلها وعقدها في واشنطن وتل أبيب يرون أن ايران تقف وراء كل النكبات التي تصيبهم وكل الحرائق التي تشتعل في ساحاتهم الداخلية.
ان بيان المكتب الاعلامي السعودي، وهو يستجدي تعاطف الرأي العام الدولي ، لا يقوم الا على افتراضين : أولهما أن ايران تهدد أمن المملكة واستقرارهما وثانيهما أن الصواريخ التي تستهدفها ليست “حوثية” خالصة كما لو أن البيان يعيد بالحرف ما سبق أن أدلى به مسئول سعودي لقناة العربية حول عجز الحوثيين عن تصنيع “علبة سردين”. وبالطبع فان مثل هذه التصريحات المتعالية تؤسس مشروعية واجبة للتساؤل حول عجز المملكة المسلحة بأحدث أدوات القتل والتقتيل عن ربح حرب غير متكافئة ضد “عدو” لا يمتلك التقنية اللازمة لتصنيع علبة سردين.
أما تحميل ايران مسئولية تهديد أمن المملكة واستقرارها فلا يعدو أن يكون محاولة يائسة للهروب الى الأمام من المأزق الذي أوصلتها اليه “رؤية 2030” التي تتوهم أنها تسلخ جلدها الوهابي باباحة الاختلاط وحفلات الراي والراب ومغنيات روتانا وسياقة المرأة للسيارة وإعادة فتح قاعات السينما بينما تعمل بالفعل على تقطيع الهيكل العظمي لمنظومة سياسية ذات طابع ديناصوري متحجر.
ان أمن واستقرار المملكة يعانيان الآن حالة من الهشاشة وقابلية عالية للانفجار بعد “عاصفة العزم” على محاربة فساد الذمم والأفكار باعتقالات الأمراء ورجال الأعمال والعلماء والمفكرين وتزايد أعباء المعيشة وقرصنة فتات عيش المقيمين وغلاء أسعار المحروقات في بلد يتباهى بثرواته النفطية الهائلة.والواقع أن ايران ليست مسئولة عن الكوارث التي تعد بها رؤية 2030 فحسب ولكنها معنية أساسا بما سيترتب عليها لاحقا من فوضى غير خلاقة في منطقة الخليج لكونها واحدة من القوى الوازنة التي لا يمكن اقصاؤها بحسابات من يملكون حق التصرف في قرارات المملكة العربية السعودية.
لقد كان حريا ببيان المكتب الاعلامي السعودي أن يمتنع عن الانخراط في لعبة “شيطنة” ايران وأن يستعيض عن ذلك بمقاربة دعوتها الى تأسيس حوار ايراني سعودي لتجاوز الخلافات الراهنة ولكن يبدو أن ذلك لم يصبح واردا بعد في حسابات أهل الحل والعقد على شاطئي المتوسط والأطلسي. أما أولئك الذين يعجز علمهم عن تصنيع علب السردين فسيظلون تحت رحمة طوافات الأباتشي “النجدية” الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.