منذ إعلان التحالف الدولي في سوريا تحت سيطرة الولايات المتحدة و بمشاركة عدة دول أجنبية و عربية نيته على تشكيل جيش بما يقارب 30 ألف مقاتل بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا و الذي تعتبره تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني المتواجد على أراضيها، أثار ذلك حفيظة أنقرة ، فالحكومة التركية تخوض منذ زمن حرباًضد حزب العمال الكردستاني جنوب شرق البلاد قريباً من الحدود مع سوريا و العراق، منعاً لتشكيل دولة كردية تشمل أراضِ مقتطعة من كل من تركيا و سوريا و العراق ، ليأتي قرار التحالف الدولي هذا كصبّ الزيتٍ على النار حيث تلا هذا القرار سيل من التصريحات الصادرة من جهات رسمية و شخصيات بارزة في الحكومة التركية ، ومنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان و بن علي يلدرم و المتحدث باسم الجمهورية التركية ابراهيم كالن و غيرهم .. مفاد هذه التصريحات رفض قرار التحالف الدولي بما يخص تشكيلات مسلحة بقيادة كردية شمال سوريا على الحدود مع تركيا ، بحجة محاربة ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية ‘’داعش’’ .
عقِب ذلك تأهب عسكري تركي ، حيث قامت أنقرة بحشد قواتها على الحدود مع سوريا و تحديداً في إقليم هاتاي الحدودي ، والذي يحوي معبراً برياً إلى سوريا (جيلفاغوزو) استعداداً لدخول مدينة عفرين التي تشكّل بأغلبيتها حاضنة شعبية داعمة للحزب ، إضافة لكونها مقر رئيسي له .
ثم قامت الحكومة التركية بإدخال هذا العتاد الذي تم حشده إلى الشمال السوري و بالأخص محافظة ادلب و ريفها ، تمركزت هذه القوات دون حركة عسكرية تذكر ضد أي طرف ، واستمرت بذات الوقت خطابات الحكومة التركية الرافضة لوجود كيان كردي مسلح على حدودها و التي تحمل تهديداً صريحاً بالقيام بعملية عسكرية داخل الأراضي السورية ضد قسد ، لعلّ أنقرة بهذا الوقت أرادت إن كان ممكناً حل هذه المعضلة من خلال اتفاقاً سسياسياً مع أمريكا دون القيام بعمل عسكري ، لكن أمريكا لم تصدر أي تصريح واضح بهذا الخصوص ، و تزامن هذا أيضاً مع اجتماعات عديدة بين أنقرة و موسكو ، و بين أنقرة و طهران للحديث عما تنوي تركيا فعلة من عملية عسكرية ضد الأكراد المسلحين في سوريا على الحدود معها، إلى تاريخ 20 من الشهر الجاري حيث قامت تركيا انطلاقاً من حرصها على الحفاظ على أمنها القومي، وخشية أن يفوت الأوان و تخرج الأمور عن السيطرة ، قامت بتسيير رتلها العسكري المتواجد شمال سوريا باتجاه عفرين والقرى المحيطة بها والتي تتموضع فيها قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ، وبدأت الطائرات التركية بقصف أهداف كانت قد حددتها وهي ثكنات لتجمع العناصر الكردية المسلحة بما فيها من ذخيرة و عتاد، تزامن هذا أيضاً بزحف كتائب الجيش السوري الحر (المعارض لنظام الأسد) براً بذات الاتجاه ، وتقدم الجيش الحر بدعم جوي و بري تركي من استعادة عدة قرى حول عفرين لكن بدورها القوات الكردية قامت بإلقاء عدة قذائف من الطرف السوري إلى مدن تركية حدودية راح ضحيتها قتيل و عشرات الجرحى،إضافة لخسائرمادية، وما تزال العملية العسكرية التركية -غصن الزيتون- مستمرة حتى اللحظةبمستجدات وتطورات على الأرض متسارعة جداً تصب في إطارها العام لصالح الطرف التركي و حلفائه ضد قسد و المنظمات الإرهابية .
و في الحديث عن الأسباب التي دفعت تركيا للقيام بهذه العملية ، فالأسباب عديدة أبرزها:
أن تركيا اعتبرت قرار أمريكا بتسليم قيادة عمليات التحالف الدولي -براً- لقوات كردية تنتشر على طول الحدود التركية قراراً يحمل في مضمونه ضوءاً أخضراً لقيام دولة كردية، وهذا الأمرالذي يستحيل تقبله من الحكومة التركية لأن تركيا تعتبر وجود دولة كردية على حدودها خطراً يهدد أمنها القومي ، ففي حال قامت هذه الدولة الكردية فهناك احتمال شن هجمات في الداخل التركي و السعي لاقتطاع أراضٍ تركية و ضمّها لهذه الدولة الكردية، أيضاً هناك احتمال تسلل عناصر إرهابية للداخل التركي و إثارة الفوضى و القيام بعمليات إرهابية في مختلف المحافظات التركية لإرباك الحكومة التركية و إدخال البلاد في حالة فوضى وعدم استقرار.
و إذا أردنا الحديث عن ردود الفعل الدولية و الإقليمية بعد انطلاق عملية غصن الزيتون التركية في سوريا، فيمكن وصفها بالردود المتباينة و يمكن تلخيصها على النحو التالي:
قبل بدء العملية كانت الولايات المتحدة تدعو تركيا لصرف النظر عن محاربة الحزب و التركيز على محاربة داعش ، لكن بعد انطلاق حركة غصن الزيتون بشكل عملي كان هناك تصريحات لمتحدثين من وزارة الدفاع الأمريكية أكدوا فيها أن قوات الحزب الديمقراطي الكردي -قسد- في عفرين «ليست جزءاً من العملية الأمريكية ضد تنظيم الدولة»، وأن أمريكا لا تقوم بدعم تلك القوات عسكرياً(و هذا ما اعتبره الحزب خذلان من الطرف الأمريكي)
بالنسبة لروسيا ، فقد قامت بسحب مراقبيها من أماكن تمركزهم في منطقة عفرين و ما حولها، وصدرتصريحاً عن متحدث تابع لحكومة موسكو ذكر فيه أنه في حال تصادمت تركيا مع نظام الأسد فإننا لن نتدخل إلى جانب الأسدونوّه بعض المحللين السياسيين إلى أن روسيا لا تفضّل أوتحبّذ القيام بهذه العملية، جاء هذا بعد فترة قصيرة من فيديو أظهر بوتين في جولة داخل سوريا يمشي متجاهلاً الأسد وراءه.
و عن إيران ؛ فقد دعت لوقف العملية العسكرية التركية دون الحديث عن أي رد فعل ميداني ضد العملية ، تزامناً بقيام أحد الصحف الإيرانية بوصف الأسد على أنه مخنّث و ناكر للجميل .
أما بريطانيا فقد أبدت تفهمها لعملية “غصن الزيتون” التركية في عفرين، حيث قال المتحدث باسم خارجيتها إن لدى تركيا العضو في حلف “ناتو” مصلحة مشروعة في ضمان أمن حدودها، وهذا يعتبر تأييداً للعملية العسكرية .و ورد الموقف الفرنسي عن عبر تغريدة على تويتر لوزير الحارجية مطالباً بلاده باجتماع عاجل لمجلس الأمن من أجل تقييم الوضع في عفرين، مؤكداً ضرورة أن تتحلى أنقرة بضبط النفس.
وعلى الصعيد العربي أعربت مصر عن رفضها التدخل العسكري التركي شمالي سوريا، واعتبرت أنه يمثل انتهاكا جديدا للسيادة الوطنية السورية، السؤال هنا: وماذا عن الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة و غير المبررة على مدى سنين؟؟! ألا تشكل انتهاكاً للسيادة الوطنية السورية ؟!!
أما عن الأسد فقد غنى خارج السرب قائلاً: نأمل أن يصل كرد شمال سوريا و الحكومة السورية إلى توافق و أن يتم تطهير هذه المنطقة من نفوذ أميركا.
و قال السوريين المؤيدين للأسد: إن هدف تركيا من العملية هو اقتطاع أراضٍ سورية و ضمها للأراضي التركية ، و ردّاً على هذا ظهرأردوغان في خطابٍ أكد فيه أن ليس لتركيا طمعاً بحفنة تراب في سوريا و أن الهدف الأساسي من العملية هو القضاء على الإرهاب الذي يهدد أمن تركيا، مشدداً أن الأمن القومي التركي خطاً أحمر لا يقبل جدال،وموضحاً أن الأكراد المدنيين أخوة و أشقاء وأن العملية التركية تستهدف العناصر الكردية المسلحة فقط.
الجدير بالذكر هنا هو أن قوات الحزب الديمقراطي الكردي -قسد-كانت أداة مزدوجة بين أمريكا و النظام السوري ، فالنظام السوري استخدم الحزب له منذ بدء الثورة عام 2011 ضد كل الأطراف الكردية التي تعاطفت مع تلك الثورة، و أمريكا جعلت من الحزب أيضاً أداتها على الأرض لقيادة عمليات التحالف يحجة محاربة تنظيم الدولة -داعش- الذي كان متواجداً شرق سوريا.
أيضاً نقطة صغيرة لكن مهمة ، إن قسد بعد بدء العملية العسكرية التركية ضدها هددت بإطلاق سراح الأسرى لديها من عناصر تنظيم الدولة ليقوموا بأعمال إرهابية ضد تركيا .و إن أردنا تخمين السيناريوهات المحتملة، فما يجري في الميدان هو الشيء الوحيد الذي سيغير الواقع، ولعل الأيام القادمة تكون حبلى بالمفاجآت!