نور الدين عثمان
لا يمكن الحديث عن تنمية مدينة أو منطقة معينة بدون وعاء عقاري بثمن في متناول فئات واسعة من المواطنين ، فتقدم المدن وتطور العمران بها يمر حتما عبر التوفر على الوعاء العقاري.
لا أحد يستطيع أن ينكر حقيقة أن ثمن الوعاء العقاري بمدينة وزان مرتفع جدا، لدرجة أن اغلب الساكنة لا تستطيع دفع تكلفته المرتفعة، وهو ما ينعكس سلبا على تقدم وتطور المدينة ،بل يدفع شريحة مهمة من المواطنين إلى التوجه إلى مدن أخرى من أجل اقتناء عقار لإنجاز مشروع أو سكن شخصي ، صحيح أن ارتفاع العقار بوزان له أسباب متعددة، لكن البيروقراطية وارتفاع تكلفة إنجاز مشروع سكني من العوامل الأساسية لهذا الإرتفاع الغير معقول.
مناسبة هذا الكلام هو النقاش الدائر حاليا بوزان حول المبالغ المالية الضخمة التي تم إشتراطها من طرف المكتب الوطني للماء والكهرباء على منعش عقاري من أجل ربط مشروع سكني بالماء والكهرباء، وهنا نتحدث عن أزيد من 140 مليون درهم (أي أزيد من 14 مليار سنتيم) من أجل الإستفادة من الربط من شبكة الماء والكهرباء، علما أننا نتحدث عن وعاء عقاري مساحته 30 هكتار،سيتم تخصيص منها 15 هكتار للشوارع والمرافق العمومية والمساحات الخضراء ، وكذا على دفع رسم ضريبي قيمته 5٪ من قيمة إجمالي العقار للجماعة الترابية، مع مصاريف ضريبة أخرى منها الرسوم على التحفيظ العقاري، وغيرها من المصاريف.
فحسب معطيات رسمية فإن تكلفة التجزئات السكنية في المغرب محددة بين 200 و 300 درهم للمتر المربع تشمل جميع التجهيزات ،لكن فرض على المنعش العقاري مبلغ 14 مليار سنتيم من أجل الربط بالماء والكهرباء فقط، سيجعل ثمن البقعة الواحدة يصل إلى مبلغ خيالي لا يستطيع إقتناءها سوى الطبقات المحظوظة.
كيف يعقل أن تطالب المنعش العقاري بهكذا مبالغ خيالية، والدولة تتحدث عن برامج دعم السكن الإجتماعي والاقتصادي؟؟؟ لماذا على المنعش العقاري تحمل هذه المبالغ الضخمة ،رغم أن الوعاء العقاري يوجد داخل المدار الحضري لمدينة وزان، ومجاور للمستشفى الإقليمي الذي يتم إنجازه الآن ،إضافة إلى مرافق أخرى؟؟؟ مثلا إذا قرر مواطن بناء سكن خاص به في قطعة أرضية قريبة من المكان، هل سيطالبه المكتب الوطني للماء و الكهرباء بمثل هذا المبلغ الخيالي؟؟ هل التجزئات الأخرى المجاورة أو داخل مدينة وزان أو في مدن أخرى ،فرض عليها هذا المبلغ من أجل الربط بهذه المادة الحيوية؟؟ إذا قرر هذا المنعش العقاري العدول عن قرار إنجاز تجزئة سكنية، مثلا هل سيتم فرض هذا المبلغ على وزارة الصحة من أجل تزويد المستشفى الإقليمي الجديد بالماء والكهرباء ؟؟؟
إنه لمن العبث أن يتم تخصيص مبلغ 114 مليون درهم من أجل مشروع ربط قرى إقليم وزان بالماء الصالح للشرب ،وعلى مساحات شاسعة تصل إلى حوالي 50 كيلومتر، في حين تطالب منعش عقاري أن يدفع أكثر من هذا المبلغ في مساحة لا تتجاوز ثلاثين هكتار، أليس هذا هو العبث بعينه؟؟؟
لماذا يشترط مثلا على المنعش العقاري إنجاز أزيد من 20 محول كهربائي بالتجزئة السكنية، في حين أن هناك تجزئة سكنية مجاورة لا تتعدى بها عدد المحولات الكهربائية سبع محولات، أليس هذا إجحاف أو عرقلة مقصودة؟؟؟
لا أعرف كثيرا في لغة الأرقام، لكنني أعتقد أن مثل هذه المبالغ المالية المبالغ فيها، يبقى الهدف منها عرقلة من مثل هذه المشاريع السكنية أو أهداف أخرى خفية لا يعرفها سوى الراسخون في هذا المجال.
مدينة وزان تصنف من المدن المصدرة للهجرة حسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط ، كما أن المدينة تعرف ارتفاع صاروخي في ثمن العقار ،وجمود على مستوى التطور العمراني بسبب مثل هذه العراقيل أو البيروقراطية المتعفنة التي تنخر هذه المدينة ،الأمر الذي يدفع جزء مهم من ساكنة المدينة إلى الهجرة إلى مدن أخرى بحثا عن فرص الشغل مع سكن في بثمن في المتناول، وهذا ما يشكل استنزاف إضافي للمدينة، كما أن مثل هذه العراقيل تدفع المقاولين والمنعشين العقاريين من أبناء المدينة إلى نقل أموالهم وإستثماراتهم إلى مدن أخرى تعرف قفزة عمرانية وتنموية، لتبقى وزان حزاما للفقر والبؤس.
أتمنى صادقا من المكتب الوطني للماء و الكهرباء التعامل بنوع من المسؤولية والشفافية من المدن المنسية مثل وزان ،وأن يبعد نفسه عن شبهات كثيرة.