24 ساعة ـ عبد الرحيم زياد
تحتفل الأمة المغربية من طنجة الى الكويرة، في هذه الأيام، بما يليق من الفخر والإعتزاز، بالذكرى السابعة والأربعين لإعلان الملك الراحل الحسن الثاني.
للإعلان عن تنظيم ملحمة المسيرة الخضراء.
هذه الملحمة الخضراء التي بصمت بمداد المجد، تاريخ المغرب الحديث، اعتبرت منعطفا حاسما في مسار الكفاح من أجل استكمال. وتحقيق الوحدة الترابية
للمملكة، هي مناسبة لشحذ الهمم الوطنية، وتذكر فصل من فصول العبقرية المغربية التي تجسد قوة التلاحم بين العرش العلوي المجيد. والشعب المغربي الوفي.
ففي 16 أكتوبر من سنة 1975، أعلن الملك الراحل الحسن الثاني، عن تنظيم المسيرة الخضراء، التي شكلت سابقة في تاريخ التحرر من الاستعمار،
واسترجاع الصحراء التي لم تكن إلا أرضا مغربية تربط سكانها روابط تاريخية وعلاقات بيعة مع الدولة المغربية.
فكرة المسيرة الخضراء على لسان الحسن الثاني
يورد الملك الراحل الحسن الثاني في كتاب “ذاكرة ملك” و في 12 غشت ،1975 عن الظروف التي أوحت له بفكرة بتنظيم حدث المسيرة، قائلا ” كان علي
أن ألقي خطابا بمناسبة ذكرى الملك والشعب، وهي الذكرى التي تخلد تاريخ نفي الأسرة الملكية. وعشية ذلك اليوم، كنت أتساءل مع نفسي: “ترى ماذا عساي
أن أقول في هذا الخطاب؟ وفي المساء، وبعد أن أديت صالة العشاء، أخلدت إلى النوم، فاستيقظت فجأة في منتصف الليل. تراودني فكرة نفذت نفوذ السهم إلى
ذهني وهي: “لقد رأيت ألفا من الأشخاص يتظاهرون في جميع المدن الكبرى مطالبين باستعادة الصحراء، فلماذا لا ننظم تجمهرا سلميا ضخما يأخذ شكل
مسيرة؟ .
وهنا أحسست أني قد تحررت من عبء ثقيل للغاية ـ يضيف الملك الحسن الثاني ـ وقد اكتفيت في خطابي في اليوم الموالي بالتطرق لبعض القضايا العامة. إثر
ذلك استدعيت وزير التجارة ووزير المالية وقلت لهما: “إن شهر رمضان قد يكون قاسيا، إذ المحاصيل الزراعية كانت متوسطة، فهل يمكنكما من باب
االإحتياط، تخزين كمية من المواد الغذائية؟ حتى إذا وجدنا أنفسنا في حاجة إلى عرضها في السوق أمكننا المحافظة على سعر ثابت لها،
فأجابا، ” بكل تأكيد، وماهي الكمية التي يتعين تخزينها؟” قلت لهما، “تموين يكفي لشهر أو شهرين”، ولم يفطنا لشيء، وهذا ما كنت أرغب فيه. واستعديت بعد
ذلك أولئك الذين سيصبحون إلى جانبي المسؤولين الثالثة عن المسيرة..وبعد أدائهم اليمين بعدم إفشاء السر، شرحت لهم أن عدد المشاركين في المسيرة
سيصل 350 ألف نسمة. فقالوا مستفسرين “لماذا كل هذا العدد؟” فأجبتهم، ” إن المسألة في غاية البساطة. 350 ألف مغربي ومغربية يولدون كل سنة،
وبالتالي فإن هذا العدد ليس بالأهمية التي تؤثر على عدد السكان”.
وقد ألهبت الفكرة على التو حماسهم وشرعوا في العمل بدون كاتبات أو أجهزة حاسوب، وكانوا يحررون كل شيء بأيديهم، حيث كان يتعين إحصاء كمية الخبز
اللازمة لإطعام ثالثمائة وخمسين ألف شخص، وعدد الشموع الضرورية إلنارة الخيام. وهكذا عملنا- نحن الأربعة- في سرية تامة حتى مطلع شهر أكتوبر”.
سرية الفكرة
في كتابة مذكرته ”أيام زمان – الفتح المبين’ يقول الصحفي أحمد معنينو “وبعد مرور قرابة 15 يوما أمر الملك الحسن الثاني وزير الداخلية. حينذاك باستدعاء
كافة العمال إلى الرباط، على أن يقوم بالتغطية الضرورية حتى يبدو الاجتماع عاديا، بينما كان الهدف الحقيقي، هو أن يجتمع الملك سرا مع العمال، ويحيطهم
علما بقرار تنظيم المسيرة الخضراء”.
وعلى الرغم من كونه أخذ في تهييء المغاربة نفسيا لما هو قادم أ يضيف معنينوـ ظل الحسن الثاني محتفظا بفكرة تنظيم المسيرة .لنفسه ولم يشرك فيها أحدا إلا
حين اقترب موعدها. لكن من خلال معنينو، أخذ الملك في تهييء مدينة طرفاية لتكون واسطة العقد بين المغرب وصحرائه الخاضعة للاحتلال الإسباني، وأيضا
لتكون منطلقا لأهم حدث عرفه المغرب المستقل.
وخاطب المسؤولين “أطلب من جميع الأطراف أن يولوا إقليم طرفاية اهتماما بالغا… علما منهم بأن هذه المنطقة أصبحت الآن بمثابة رباط نعد فيه ما استطعنا
من قوة ومن رباط الخيل… حتى إذا زحفنا تمكن المغرب من أن يكون زحفه زحفا شاملا سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا.”
المسيرة الخضراء في أرقام
وهنا بدأ الضباط الاشتغال في سرية تامة على العملية التي أطلق عليها الحسن الثاني. اسم ”عملية فتح”، قبل ”المسيرة الخضراء”، فتم الشروع في العمل على
إحصائيات وسائل النقل والإقامة مع ضمان الوجبات الغذائية للمشاركات والمشاركين في المسيرة.،حيث تم بلغة الأارقام مشاركة 350 الف مشارك 10
بالمائة منهم نساء تعبئة 113 قطار ، وسفن وطائرات 12 الف شاحنة. 200 سيارة اسعاف. 200 مستشفى متنقل. تم تعبيد 100 كيلو متر من الطريق الى
طرفاية خلال 18 يوم فقط ، خصيصا لمرور شاحنات المسيرة .معدات ومواد غذائية 17 مليون لتر من المحروقات التزويد ب5 ملايين لتر من المياه. بمعدل
10 لتر للفرد 9 مليون علبة حليب. 2500 طن من السكر. 2500 طن من الزيت 3000 طن من السمك 900 طن من التمر 15 طن من الشمع.
وتحققت الفكرة على أرض الواقع
هكذا كانت الإرهاصات الاولى لملحمة وطنية مجيدة، رصغت تاريخ المغرب الحديث، و هكذا انبثقت فكرة مسيرة فتح المظفرة الخضراء. التي أبدعها و خطط
لها الملك العبقري الحسن الثاني، والتي شكلت تعبئة وطنية حقيقية مكنت من استرجاع جزء لا يتجزا من وحدة المملكة المغربية، بسلمية وبدون اراقة قطرة دم
واحدة، ليتم ذلك في يوم 6 نونبر من سنة 1976، في يوم مجيد وملحمة خالدة، وتلك قصة اخرى سنعود لها في وقفة اخرى.