24 ساعة – تونس
يعيش المجتمع التونسي، كباقي المجتمعات في العالم، لحظة انبهاره الفارقة بالثورة الاتصالية في أوجهها المتعدّدة ومنها مجال التجارة الإلكترونية بكلّ تفرّعاتها، وعرف التسّوق أو التّبضع الإلكتروني في تونس، في السنوات الأخيرة، انتشارًا واسعًا عبر مختلف الوسائط الإلكترونية.
وتنشط في تونس بشكل قانوني إلى حدود سنة 2018، 1624 شركة مختصة في التجارة الإلكترونية حققّت مرابيح بقيمة 214 مليون دينار، وهو ما يبيّن أنّ الاتّجار الافتراضي بات واقعًا بأوجه متعددة منها ما هو اقتصادي وثقافي وحضاري بما يتطلب البحث والتمحيص.
لكن ما حفّ بهذه الطفرة التي عرفها المجتمع التونسي هو الغش الإلكتروني، إذ يشكو الآلاف من التونسيين تعرّضهم للتحيل وسلب الأموال مقابل سلع مغشوشة لا تمتّ بصلة لما هو معروض على الأنترنت.
فيسبوك أصبحت نشاط عشوائي
ويرى الكثير أن التجارة على فيسبوك أصبحت نشاط عشوائي يهدّد الإقتصاد المنظّم،حيث
“ابقوا محميين طلباتكم تصلكم حد المنزل”! بهذه العبارة انطلقت عمليات البيع عن بعد عبر صفحات التواصل الاجتماعي زمن ارتفاع وتيرة انتشار فيروس كورونا بالبلاد، ما يعرف بالفرنسية ب vente en ligne أو البيع عن بعد “تجارة الكترونية” انتشرت انتشارا واسعا في مجتمعنا زمن الحظر الصحي الشامل وتواصلت الى غاية اليوم.
يجمع عدد ممن استفسرناهم في هذا التقرير أن عمليات البيع عن بعد لا تمت للتجارة الالكترونية بصلة وإن ارتكزت على مواقع التواصل ومواقع الكترونية، فمؤسسة البريد التونسي مثلا لا يمكنها تقديم معطى حول عدد الطرود المسلمة في اطار نشاط تجاري اذ أكد مسؤولان بالمؤسسة أن المعاملات المالية لمؤسسة البريد التونسي تطورت زمن الكوفيد بنسبة الضعف تقريبا أي بين سنة 2019 وسنة 2020 لكن لا يمكن معرفة الحصة المتأتية من نقل الطرود التجارية لأن مصالح المؤسسة لا تفتح هذه الطرود احتراما لمبدأ سرية المراسلة كما أن المؤسسة لا تتعامل مع باعث الطرود وفق هويته التجارية بل تتعامل مع مرسل ومرسل اليه بقطع النظر عن الصفة المهنية.
لكن ما يعرف بعمليات البيع والشراء تلك كان يمكن أن تيسّر حياة الناس فعلا وتنعكس ايجابا ونموا على اقتصاد الدولة وضمان تطور حركة الاستهلاك بيعا وشراء خاصة أنها تزامنت مع اجراءات صارمة للحجر الصحي الشامل اقتضى غلق المحلات ومنع التنقل بين المدن وفرض التقليص في عدد العملة ومن عدد ساعات العمل، إلا أن الواقع يكشف تطورا في عمليات الغش والتحيل ونزيف مستمر للعملة النقدية وهو ما سنتبيّنه في هذا التقرير نقطة بنقطة. وفي هذا السياق صرح العديد من المواطنين لوسائل إعلام محلية وعربية واطلعنا على شهادات ضحايا للغش الإلكتروني، وأخذنا رأي أستاذ التجارة الإلكترونية بالجامعة التونسية والخبير الدولي في التسويق الافتراضي وسيم الوسلاتي حول هذه الظاهرة:
مريم خنيس: من حذاء جلدي إلى حذاء بلاستيكي!
تحدثنا مريم خنيس، موظفة بوزارة التربية، أنها انجذبت لعالم التسوق الإلكتروني عن طريق زملائها بالعمل الذين ما انفكوا يقترحون عليها بعض مواقع البيع حيث تقضي ساعات عديد وهي تتصفح الأنترنت بحثًا عن آخر تقليعات اللباس والعطور والإكسسوارات، وتقارن الأسعار علّها تظفر بتخفيض أو فرصة بيع لا تتكرّر.
لكن رغم خبرتها، تعرضت مريم للتحيل من قبل أحد الباعة الافتراضيين حينما أعجبها حذاء معروض على أساس أنه مصنوع من الجلد الخالص، لتتفطّن، بعد دفع المال وتسلّم الطلبية، أن الحذاء مصنوع من مواد بلاستيكية وغير مطابق لما شاهدته عبر الأنترنت.
تقول محدثتنا إنها حاولت الاتصال مجددًا بالمحلّ الافتراضي لكنها عبثًا تفعل إذا تجاهلوا تمامًا إرسالياتها المتكررة مبيّنة أنها توجهت إلى منظمة الدفاع عن المستهلك وسجّلت شكاية في الغرض.
وهي تقدّر أّنّ الزبون الافتراضي في تونس غير محمي بالمرة لأن الأنترنت عالم فسيح ويسهل التخفّي فيه بسهولة مطالبة بمزيد الحذر وإرساء قوانين تحمي زبائن الأسواق الافتراضية.
لبنى المقدّم: غش عبر تزييف صور السلع
روت لنا لبنى المقدّم، وهي موظفة بشركة خاصة، لـ”ألترا تونس” تجربة أليمة عاشتها مع التجار الافتراضيين، مبينة أنها اقتنت،
بمناسبة استعدادات زواجها سنة 2016، بعض الأثاث منها قاعة جلوس تفطّنت لاحقًا حينما تسلمتها أنها مغايرة تمامًا لما شاهدته على الشاشة،
ولما رفضت قبولها تركها عمال الشاحنة أمام منزلها وغادرو
توجهت لبنى إلى القضاء وسجلت قضية ضد البائع مازالت منشورة الى اليوم. وأوضحت لـ”ألترا تونس” أنها علمت، بعد التحري، أنها تعرضت لعملية غش إذ يشتري البائع سلعًا من مصانع عشوائية يسوّق لها عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعد أن يضاعف سعرها ويزيّف حقيقتها من خلال تطبيقات موجودة على شبكة الأنترنت لتبدو أجمل وأجود ممّا هي عليه في الواقع.
بلال الأسود: التجارة الافتراضية في تونس بلا أخلاق
بلال الأسود روى لنا قصته مع الباعة الافتراضيين بكثير من الكوميديا، موضحًا أنه لم يتعظ من المقولة الشهيرة:
“لا يلدغ المؤمن من جحر مرّتين”، على اعتبار أنه تعرض للغش في مناسبتين متتاليتين.
تتمثل المرة الأولى عندما اشترى نظارات شمسية من المفترض أنها صادرة عن دار شهيرة ليتفاجأ عند تسلمها أن شكلها سيء ومصنّعة في الصين. وقال إنه رفض قبول البضاعة ودفع ثمنها ليندلع شجار بينه وبين السائق الذي جاء بالبضاعة إلى منزله، وانتهى يومه بتمضية مساء كامل بأحد مراكز الأمن.
يضيف بلال، الذي يعمل موظفًا بجامعة خاصة، متحدثًا عن عملية الغش الثانية، أنه اشترى ذات شتاء معطفًا قطنيًا من إحدى الصفحات المعروفة على مواقع التواصل الاجتماعي، ليتفطّن لاحقًا أن المعطف مصنوع من قماش خيطانه من البلاستيك ما تسبب له في طفح جلدي تطلب زيارة الطبيب.
وختم محدثنا أنه قرر منذ هاذين الحادثتين ألا يعود للتبضّع الالكتروني مرّة أخرى معتبرًا أن التجارة الافتراضية في تونس بلا أخلاق، وفق تعبيره. سليمة الودرني: ضمان منقوص.
أما سليمة الودرني، وهي طالبة ماجستير بالجامعة التونسية، اشترت حاسوبًا محمولًا من إحدى الصفحات التجارية التونسية الشهيرة على فيسبوك،
لتكتشف بعد مرور شهر أن الحاسوب لم يعد قادرًا على تقبل الشحن الكهربائي.
وتضيف أنها اتصلت بالدكان الافتراضي وبيدها ورقة الضمان لتتفاجئ أن الضمان لا يشمل هذا النوع من الأعطاب ما اضطرها إلى إصلاح الحاسوب على حسابها.
وسام الوسلاتي الخبير الدولي في التسويق الافتراضي
وفي هذا السياق أكد السيد وسام الوسلاتي الخبير الدولي في التسويق الافتراضي: يجب تجنب الصفحات المشبوهة
تواصل “ألترا تونس” مع أستاذ التجارة الالكترونية بالجامعة التونسية والخبير الدولي في التسويق الافتراضي وسام الوسلاتي وبسط أمامه مسألة سريان الغش والتحيل الإلكتروني في تونس،
ليؤكد لنا، في البداية، أن العالم كلّه يعاني من نفس هذه الظاهرة التي قال إنها متفشية في كل المجتمعات.
وأضاف أن القوانين التونسية التي تنظم عمليات البيع والشراء في الواقع هي ذاتها تسري على التبضع الإلكتروني،
مبينًا أن الغش موجود في الواقع كما في العالم الافتراضي، مستغربًا ما اعتبرها الثقة المطلقة للتونسيين في الصفحات التجارية على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة فيسبوك.
وأوضح أنّ “أغلب بل جلّ صفحات البيع والاتجار تشبه عمليات النّصب المنتشرة على الأرصفة وفي الشوارع الخلفية”
مؤكدًا أن العالم الشبكي مليء هو الأخر بالتحيل والغش، وأضاف أن القانون يعاقب على الجرائم الإلكترونية مشيرًا إلى استرجاع الحق لأصحابه في عديد المناسبات عبر القضاء.
وأكد خبير التجارة والتسويق الإلكتروني أن عملية الشراء عبر الأنترنت هي ثقافة آخذة في التشكل لدى التونسيين وتتطلب على امتداد الزمن وعيًا استثنائيًا بخفايا العالم الافتراضي،
ناصحًا متصفّحي الشبكة العنكبوتية من التونسيين بتجنب الصفحات المشبوهة ومنصّات المتحيّلين
وعدم الانسياق وراء الإغراءات الإلكترونية المزيّفة والتوجه نحو المنصّات الافتراضية القانونية التي تملك سجلًا تجاريًا ومعرفًا جبائيًا.
وختم وسام الوسلاتي، حديثه معنا، بالتأكيد على أهمية المعاملات الرقمية في الاقتصاد العالمي
داعيًا إلى الاهتمام بهذه المسألة في تونس خاصة عبر تكريس هذه الثقافة العالمية لدى الأجيال الجديدة المعروفة بأجيال “ألفا”، وفق تعبيره،
وذلك عبر برامج التعليم والتثقيف من خلال الميديا والجمعيات المختصة.
آدم المباركي، أستاذ التسويق ومدير معهد التكوين الأفرو-تونسي الخاص
في حين يرى السيد آدم المباركي، أستاذ التسويق ومدير معهد التكوين الأفرو-تونسي الخاص،
أن تونس تمتلك نية تحتية في شبكة الاتصالات تضاهي ما هو موجود في دول أوروبية،
مما يعني أن أرضية نجاح تجربة التجارة الإلكترونية جاهزة،
لكن العائق الأكبر يكمن في القوانين التي لا يبدو أنها تشجع على استخدام القطاع
وغياب التشجيع على التكوين العلمي في مجال البيع الإلكتروني.
ويضيف أن التجارة الإلكترونية حبيسة حجز المنتجات عبر المواقع ثم دفع الأموال نقدا، وهي عملية غير مكتملة.
ومن بين الحلول الممكنة لتطوير القطاع هي التوجه نحو تكوين الطلبة في هذا الاختصاص،
الأمر الذي يجري السعي لإقراره مؤخرا، بحسب المتحدث نفسه.
ويتلقى الطلبة بمعهد التكوين الأفروـ تونسي دروسا في تقنيات الدفع الإلكتروني وهندسة وتصميم مواقع النت وإدارة الأعمال والتسويق،
فضلا عن قانون التجارة الإلكترونية بحسب المتحدث.
ووفق أرقام وزارة التجارة بتونس، تطور عدد مواقع التجارة الإلكترونية أو الخدماتية المرتبطة بالدفع عبر البطاقات البنكية إلى 1657 موقعا في عام 2018،
بعد أن كان في حدود 1200 في العام 2012.
كما تجاوز عدد العمليات التجارية الإلكترونية أربعة ملايين عملية في العام الماضي،
في حين لم يبلغ في 2015 أكثر من مليون ونصف المليون عملية.
وشهد الإقبال على الانخراط في منظومة التجارة الإلكترونية ارتفاعا في السنوات الأخيرة
نتيجة اعتماد البنوك والمصارف خدمات جديدة للدفع والتحويل والاستخلاص عن بعد.