وفاء اليعقوبي – الرباط
غريب أمر بعض هؤلاء الذين ابتلي بهم الجسم الحقوقي. قلة مندسة في النسيج المدني، ليست لها أي رؤية ذات بعد استراتيجي، ولا تمل من توظيف خطابها “الحقوقي” شكلا، لتمرير مواقف سياسية شاذة عن إجماع كل الهيئات الوطنية بمعارضتها الراديكالية وأغلبيتها المساندة للحكومة، بل عن حقوق الإنسان نفسها.
هذه الخلاصات تؤكدها التصريحات الأخيرة لخديجة الرياضي، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي تعد واحدة من أفراد هذا الطابور المعادي في جوهر عقيدته لحقوق الإنسان نفسها، وهذا ما سوف نفضحه بالدليل القاطع.
باستسهال كبير وغير بريء، تجزم الرياضي أن “محاكمة المحامي محمد زيان لم تكن عادلة” وأن اعتقاله عقب الحكم عليه استئنافيا هو “اعتقال تعسفي”. بناء على أية معطيات تقدم لنا المعنية بالأمر هذه “الأحكام الشخصية”؟ الجواب هو لا شيء، ثم كيف وصلت إلى هذا الحكم؟ الجواب هو لا شيء، وما هي المنهجية الحقوقية التي اتبعتها في إصدار هذا الحكم؟، الرياضي لم تقدم لنا لا منهجا ولا حججا ولا حتى شبه معطيات يمكن الاستناد عليها.
ولأن “الفاعل الحقوقي” عندما يصبح مجرد “بوق سياسي”، فإنه يتناسى القواعد، التي يجب أن يستند إليها في متابعته لكل القضايا الجارية المستأثرة لاهتمام الرأي العام. لهذا دعونا نذكر الأستاذة خديجة الرياضي بقواعد مراقبة المحاكمات على المستوى الحقوقي، لأنه لا يعقل أبدا أن يأت شخص معين ويسم محاكمة بأنها غير عادلة فقط لأنها لا تروقه سواء عائليا أو سياسيا أو حزبيا أو فقط “ضد في الدولة”، كما يعتقد هو. المحاكمة نراقبها بشكل دقيق حقوقيا، قبل أن نقدم خلاصاتنا وأحكامنا بشأنها، عبر تأكيد أنها كانت محاكمة عادلة أو غير عادلة أو عادلة جزئيا، وليس “غير جيب يا فم وكول”.
لما توبع النقيب محمد زيان بعدد من التهم، فإن ذلك قد تم بناء على شكايات معينة وتحريك المتابعة من طرف النيابة العامة. هذه الأخيرة أعلنت في بلاغ رسمي تفاصيلها وحيثياتها، ولا داعي للخوض فيها، مادمنا متفقين على أن اللجوء للقضاء طلبا للإنصاف، يظل سلوكا حضاريا ومن حق أي مواطن أو مؤسسة سلك مساطره. هل في كل هذه العناصر إلى حدود اللحظة ما يثير أي تساؤل أو علامة استفهام أو شبهة تصفية حسابات؟ الجواب بالنفي، فأين هي خرق قواعد المحاكمة العادلة يا أستاذة خديجة؟ مع العلم أن متابعة زيان تمت في حالة سراح وليس اعتقال.
طبعا إلى حدود اللحظة، فالمتهم بريء إلى أن تثبت إدانته. وهنا يحق للجمعيات والمدافعين عن حقوق الإنسان (بل يجب عليهم) في المرحلتين الابتدائية والاستئنافية مراقبة المساطر التي سلكت في المحاكمة، والنظر في مدى مطابقتها للقوانين المعمول بها، سواء على مستوى القانون الجنائي أو على مستوى المسطرة الجنائية، بل والنظر في مدى تمتيع المتهم من ضمانات المحاكمة العادلة المنصوص عليها في المواثيق الدولية، وأساسا في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. هل قدمت خديجة الرياضي في تصريحاتها أية معطيات لا يرقى إليها الشك في هذا الإطار؟ الجواب بالنفي مجددا. إذن من أين أتت بهذا الحكم الجائر شكلا ومضمونا وحقوقيا، والقائل بأن “محاكمة محمد زيان لم تكن عادلة”.
المثير للاستغراب فعلا في هذا المضمار، وهو متى اطلعت خديجة الرياضي على نص الحكم القضائي في المرحلة الاستئنافية في قضية النقيب محمد زيان حتى تصر أنه معتقل رأي سياسي؟ لأنه على حد علمنا، لا يمكن أن نصدر حكما أو تقريرا بشأن مراقبة محاكمة معينة دون الاطلاع على مضمون الحكم، والحال أن الرياضي انتقدته قبل حتى تحريره.
في الواقع، فإنها ليست المرة الأولى التي تسلك فيها خديجة الرياضي وبعض رفاقها في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، هذا المسلك الذي يستسهل مبادئ حقوق الإنسان. هذا هو ديدنها في كل القضايا المشابهة، وهو ما ينزع كل مصداقية عن أقوالها السابقة واللاحقة في كل القضايا التي تناولتها عبر وسائل الإعلام. ما يسقطها كثيرا في هذا الفخ، هي وأمثالها كونهم يمارسون معارضة الدولة ومؤسساتها بل وحتى ثوابت الشعب المغربي قاطبة رغم أنهم قلة، عبر توظيف قبعة حقوق الإنسان. هم يريدون ممارسة المعارضة في كل زمن وحين وفي كل القضايا وإن باللجوء إلى لعبة إسقاط الطائرات خدمة لأجندات تنعش نفسيتهم، وتنعش من يدعمهم ويوظفهم بدوره في الخارج، هذه هي القصة بكل بساطة.