حاوره : عزيز ادريوشي
بعد إصدار كتابه الجديد، أواخر العام الماضي، تحت عنوان : “نزاع الصحراء: التاريخ، الذاكرة، الدبلوماسية وكشوفات غير مسبوقة”، كان لجريدة “24 ساعة” ، حوارحصري مع الخبير في العلاقات الدولية يوسف شهاب، مدير أبحاث بالمعهد الفرنسي للدراسات الاستعلاماتية ومكلف سابق بمهمة في ديوان وزير الداخلية بفرنسا حول مكافحة التطرف الديني والحركات الجهادية.وحاليا الدكتور يوسف شهاب هو أستاذ بجامعة الصربون بباريس متخصص في العلاقات الجيوستراتجية والتنمية الدولية .
برؤيته الأكاديمية وفهمه العميق لجذور العلاقات بين الرباط وباريس، تحدث يوسف شهاب عن رؤيته للأزمة الصامتة التي تخيم على العلاقات بين البلدين، معتبرا إياها مجرد سحابة صيف وسوء تفاهم في تدبير بعض الملفات الهامشية.
وأكد شهاب بأن باريس ترفض التعامل إزاء قضية الصحراء المغربية عبر اتخاذ مواقف بجرأة الأمريكيين أو بانتهازية الإسبان. لكنه شدد على أن الصحراء المغربية تمثل خطا أحمرا عند فرنسا لأنها لم تعترف بالجمهورية المزعومة.
تمر العلاقات بين الرباط وباريس من أزمة دبلوماسية تأخذ أبعادا مختلفة كيف تنظر إلى تداعيات هذه الأزمة على مستقبل العلاقات بين البلدين؟
قبل أن أجيب على السؤال يجب أن نصحح المفاهيم ونضع محتوى لهذه المصطلحات حتى لا يتم تأويل الأشياء. هناك فرق بين الأزمة وسوء التفاهم وتذبذب العلاقات في سياق إقليمي وجيواستراتيجي متقلب. إذا كنا نتكلم عن الأزمة فأنا أعتقد أنه ليست هناك أزمة بالمفهوم الذي تتداوله الصحافة .
العلاقات السياسية بين المغرب وفرنسا هي علاقات جيدة ومتجذرة في التاريخ منذ الحماية مرورا بالاستقلال والى يومنا هذا وعبر ثلاثة ملوك كانت دائما العلاقات السياسية الفرنسية ممتازة ووطيدة.
العلاقات السياسية بين المغرب وفرنسا تنبني على ثلاثة مستويات، المستوى الأول بين الجمهورية الفرنسية والمملكة المغربية بمؤسساتها ذات السيادة وأعني بذلك الدولة والجيش والاستخبارات والتنسيق الأمني. هذا المستوى هو مستوى جيد ومتين ولا يمكنه بشكل من الأشكال أن تخترقه مشاكل اقتصادية تذبذبية جيو إقتصادية خلافية أو مشاكل تتعلق بالصحافة.
فالعلاقة السياسية هي راسخة وأنا لدي يقين وأخبار بأنها مسألة وقت وأن الرئيس الفرنسي سيحل بالمملكة المغربية وستكون زيارة ذات طابع سياسي لإخراج الدولتين من هذه السحابة العابرة.
المستوى الثاني في العلاقات بين الجمهورية الفرنسية والمملكة المغربية هي علاقات اقتصادية أيضا قوية ومتينة رغم أن المغرب اختار تعدد شركائه ورغم أن دور فرنسا تراجع من المرتبة الأولى الى المرتبة الثالثة و لكن تبقى فرنسا من أهم المستثمرين ومن أهم الموردين والمصدرين وبالتالي فهذه العلاقات الاقتصادية قوية ولا يمكن لفرنسا. أن تتلاعب بمصالحها في المغرب كما لا يمكن للمغرب أن يتلاعب بمصالحه الاقتصادية والإستراتيجية مع فرنسا وهذان الشطران يحيلان على المستوى الثالث وهي العلاقات التذبذبية والتي تعبر أكثر عن سياق جيوسياسي خارجي تدخل فيه اعتبارات ومواقف سياسية لأن فرنسا ديمقراطية فيها حرية التعبير وبالتالي فان ما تقوله الصحافة لا يلزم الحكومة الفرنسية وما يقوله البرلمان الأوروبي غير ملزم قانونيا ولا يلزم فرنسا وهناك أصوات داخل فرنسا نددت بهذه التذبذبات وبالتالي ليس هناك أي أزمة سياسية بين البلدين .
أما إذا تكلمنا عن سوء تفاهم فهذا نظرا الى تحول عميق اذ يجب على الدبلوماسية المغربية أن تعرف جيدا الخريطة السياسية وتاريخ هذه الخريطة داخل المشهد السياسي الفرنسي. فمنذ استقلال المغرب إلى يومنا هناك قاعدة مبدئية في العلاقات السياسية بين المغرب وفرنسا حيث إذا كان اليمين والجمهوريون في الحكم ستكون هناك علاقة ممتازة بين المغرب وفرنسا كما أكد على ذلك جاك شيراك ونيكولا ساركوزي وحينما تكون الحكومة اشتراكية أو يسارية بفرنسا تكون هناك برودة في العلاقات بين فرنسا و المغرب.
اليوم مع الرئيس الفرنسي ماكرون الذي جاء بمفهوم سياسي جديد أساسه أنه هو شخصيا يعتبر نفسه انه ليس من اليسار وليس من اليمين ولكنه من اليسار واليمين معا وبالتالي فقد بعثر هذا المشهد السياسي الذي كان مبنيا في داخل العرف السياسي الفرنسي وبدأ يتبنى خطابا سياسيا مفاده انه يريد ان يخرج من هذه الورطة التي ورثتها فرنسا منذ خروجها من المغرب العربي وهي إذا أرضت المغرب ستغضب الجزائر وإذا أرضت الجزائر ستغضب المغرب، وبالتالي فهي تحاول إقامة التوازن لأن هناك نفس الرهانات السياسية والإستراتيجية والاقتصادية التي تربطها مع الجزائر وهي في نفس المستوى مع المغرب.وبالتالي فرنسا تحاول تمرير السياسة الفرنسية بدون عمود فقري مما يعني أنها تحاول ان تمر في المنعرجات ولا يمكنها أن تتخذ خطا متواصلا. أما الإشكالية الأخيرة وهي التي بدأت منذ خطاب جلالة الملك محمد السادس في عشرين غشت حين قال أن المغرب ينظر الى العالم من منظار الصحراء فهذه العقيدة الجديدة عقدت الأمور لفرنسا.
فرنسا كانت ولا زالت الى جانب المغرب في ملف الصحراء. أذكر فقط أنه في الثمانينات وفي التسعينات حينما كان المغرب يتعرض الى انتكاسات دبلوماسية على المستوىين الافريقي والدولي فيما يتعلق في ملف الصحراء المغربية استعملت فرنسا ثلاثة مرات حق الفيتو لإيقاف بعض التوصيات ثم أن فرنسا الى حد الان هي التي تشتغل في لوبيات بمجلس الأمن بنيويورك لصياغة التوصيات النهائية التي يصوت عليها المجلس والتي تشتغل لصالح المغرب. وخير دليل على ذلك أن تمديد صلاحية المينورسو منذ 1991 الي يومنا هذا لعبت فيه فرنسا دورا كبيرا ، ثم على الهامش يبقى ان هناك بعض المشاكل المتعلقة بتجدد النخب داخل المغرب، النخب الفرنكوفونية التي كانت وتكونت في فرنسا وترعى مصالح فرنسا بدأت تتقاعد وتذهب ومنها من توفى ومنها من أصبح خارج مربع السياسة في صناعة القرار كما هو نفس الشيء في فرنسا.
أكيد أنه ليست هناك أزمة بين المغرب وفرنسا. هناك سوء تفاهم في تدبير بعض الملفات الهامشية منها رفض المغرب إعادة ترحيل بعض المهاجرين الذين صدرت في حقهم أحكام قضائية وقضية الامام الذي طردته فرنسا وفر إلى بلجيكا وتأخرت القنصلية المغربية في تفعيل بروتوكول التعاون القضائي بين المغرب وفرنسا.
ما هي أبرز الملفات و مواضع الخلاف التي جعلت العلاقات بين البلدين تصل إلى هذا المستوى من الجفاء الدبلوماسي…وهل من الممكن ان تؤدي الازمة الحالية الى تحول نوعي في موقف باريس اتجاه قضية الصحراء؟
فرنسا لها مواقف ثابتة في ملف الصحراء المغربية وهي لا تعترف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية هذا أولا. ممثل البوليساريو في فرنسا وأنا أعرفه شخصيا ليس له أي طابع دبلوماسي أو صفة سفير أو أشياء من هذا القبيل.
فرنسا لا تدعم البوليساريو وفرنسا لا تساند الطرح الانفصالي لأنها مع الحل الذي اتفقت عليه تقريبا جل الدول في العالم وهو الحل السياسي المتعارف عليه دوليا. وأيضا فرنسا اشتغلت وضغطت كثيرا في مجلس الامن ليبقى ملف الصحراء المغربية حصريا بين يدي الأمم المتحدة. وهذا الفضل يرجع لفرنسا اذ ان الملف لم يعد يتدارس داخل الاتحاد الافريقي أو الجامعة العربية أو الاتحاد الأوروبي . بل فرنسا وضعت خطا أحمر على أن يبقى ملف الصحراء المغربية حصريا بين يدي الأمم المتحدة وهي التي دفعت وشجعت المغرب على اختيار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية لأن هذا المفهوم هو الذي طبقته في أقاليمها ما وراء البحار التي طبقت الحكم الذاتي تحت السيادة الفرنسية مع امكانية اجراء استفتاء بعد ثلاثين أو أربعين سنة. أما الصحراء المغربية فهي خط أحمر عند فرنسا لأنها لم تعترف بالجمهورية المزعومة ولم تصف المغرب بالمحتل وإنما تشتغل داخل الأمم المتحدة لإيجاد حل ترعاه الأمم المتحدة وهذا ما كان يطلبه المغرب وبالتالي فلا يمكن أن نلوم فرنسا بافتراض أنها غيرت موقفها ولكن علينا دائما أن نرجع الى نقطة الصفر في المشكل وهي أنها لا تريد اتخاذ مواقف بجرأة الأمريكيين أو بانتهازية الإسبانيين لأن فرنسا تعرف أنها ستؤدي الفاتورة غالية في العاصمة الجزائرية وخاصة في هذه الظرفية الجيو سياسية.
من المؤكد أن باريس منزعجة من الدور المحوري الذي يلعبه المغرب على مستوى القارة الإفريقية ، خاصة بعد تراجع نفوذها بشكل كبير بمنطقة الساحل. هل يمكن تفسير هذا التوتر بخلفية التموقعات الجيوسياسية الجديدة و بتزايد النفوذ الروسي بالمنطقة ؟
هناك فرق بين تخوف فرنسا وانكماش منطقة نفوذها بإفريقيا وهذا ليس بسبب التغلغل المغربي اقتصاديا واستراتيجيا و روحيا في افريقيا. فهي تعرف أن المغرب يتحرك في هوامش محدودة وأن مصالحها الحيوية لازالت في المنطقة وأن المغرب لا يمثل خطرا على فرنسا من حيث مصالحها ونفوذها في منطقة الصحراء ومنطقة الساحل ولكن فرنسا تعيب على المغرب أنه حينما غرقت في مستنقع الساحل وفي مكافحة ما يعرف بالإرهاب و الحركات الجهادية كانت تنتظر من المغرب أن يساعدها عسكريا واستخباراتيا في محاربة هذا الخطر في الساحل والصحراء خاصة وأن الجزائر أغلقت مجالها الجوي أمام الطيران العسكري الفرنسي.
وبالتالي تعقدت الأمور لفرنسا ، ثم أن المغرب لم يعط إشارات واضحة عن تضامنه مع فرنسا في عمليتي سيرفان وبرخان بل اعتمد نوعا من الحياد وعدم الانحياز في هذا الموقف. وربما لهذا أرادت فرنسا أن يكون المغرب حاضرا إلى جانبها خاصة وأنه في وقت مضى كانتا دائما تنسقان في عمليات مزدوجة سرية أو علنية داخل إفريقيا في عهد الراحل الحسن الثاني.
أما الشق الثاني الذي يخيف فرنسا فهو أن رقعتها الجغرافية بدأت تنكمش وبدأ نفوذها يقل في المنطقة الفرنكوفونية بسبب تدخل روسيا والصين وتركيا وفي نفس الوقت بدأ المغرب يشتغل مع هذه القوى التي بدأت تنسف مصالح فرنسا. وبالتالي فرنسا طرحت السؤال : هل المغرب يلعب على الحبلين، هل يلعب مع فرنسا ومع اعداء فرنسا الاقتصاديين والاستراتيجيين وهذا ربما هو الذي يفسر هذه البرودة على المستوى الافريقي.
أما فرنسا فهي قادرة على حماية مصالحها ولكن تتمنى لو كان المغرب يندمج في سياسة ثنائية مغربية فرنسية في تسيير الأزمات الجيو سياسية والعسكرية في منطقة الساحل والصحراء.
المواقف التي يتم التعبير عنها أو تصريفها تجعلنا أمام أجنحة متصارعة داخل الدولة الفرنسية، بعضها يدفع نحو التصعيد ضد المغرب وبعضها يحذر من مغبة التخلي عن هذا الحليف الاستراتيجي. إلى أي حد يعكس هذا الأمر تخبطا في السياسة الخارجية الفرنسية؟
تغيرت الخريطة السياسية داخل فرنسا وتغيرت اللعبة السياسية وموازين القوى وخرج هذا الرئيس الحالي ماكرون بخط سياسي جديد حتى الفرنسيين أنفسهم لم يعودوا يفهمون الى اين يسير، هل هو من اليمن أو من اليسار.
وبقي هذا اليمين الذي كان حليفا للمغرب وبقي هذا اليسار الذي كان مرة حليفا ومرة معاديا للمغرب حيث دخلوا في صراع إيديولوجي حول من هو الحليف الأكثر ثقة في منطقة شمال إفريقيا فهناك صراع قوي جدا بين جناح يعتبر أن الحليف هو المغرب وأن مصالح فرنسا والمشاريع الكبرى التي خططت في المغرب يجب أن تبقى من نصيب فرنسا وبالتالي يجب على هذا الجناح أن يدفع بماكرون الى إعادة ربط العلاقة مباشرة وعلى تشجيع المغرب على تعيين سفير والرجوع إلى نقطة التطبيع
ثم هناك جناح أخر يريد مقايضة مع الجزائر لحل عقدة سياسية كبيرة وهي مقايضة حول الذاكرة وحول جرائم الحرب وحول جرائم الاستعمار بطي هذه الصفحة وبداية مصالح اقتصادية خاصة وأن الجزائر جد متأخرة فيما يتعلق بالبنيات التحتية مقارنة بالمغرب وان فرنسا تعتبرها سوقا جديداً وسوق مضمونا ولأن الجزائر تتوفر على احتياطيات هائلة من العملة الصعبة.
وبالتالي فهذا الصراع هو صراع داخل الإيليزي ولا يخرج الى الصحافة ومن يهتم بهذه الملفات هي الدولة العميقة الفرنسية التي تريد ان تذهب الى الجزائر ولكن دون الاعتذار والاعتراف وطلب المغفرة. بالتالي يجب عليها أن تطوي هذه الصفحة وبالمقابل فرنسا مستعدة للتعاون السياسي والعسكري والاقتصادي مع الجزائر.
ثم هناك تيار أخر لأسباب تاريخية لا يريد ان يعطي للجزائر أكثر مما تستحق باعتبار ان الجزائريين أعداء لفرنسا وأنهم يلعبون ايضا على الحبلين. فالرئيس تبون يقول ان له علاقات عادية مع فرنسا وفي أي أزمة يستدعي سفيره للمرة الخامسة بعد كل حدث بسيط آخره هو أميرة بوراوي الناشطة السياسية التي خلقت أزمة جديدة بين فرنسا والجزائر.
وعموما فهذه الصراعات يجب على المغرب ان يقرأها جيدا ثم أن يقرأها من المنظور الجزائري والفرنسي والمغربي. لا يجب على المغرب ان يقرأ دائما مشاكل العالم من منظور مغربي لأن فرنسا أيضا لها مصالح في المغرب والجزائر لها مصالح في فرنسا. وبالتالي يصعب تحديد طول اضلاع هذا المثلث وهل هو في صالح المغرب أم في صالح الجزائر. فرنسا لم تعد لها الطاقة السياسية ولم تعد لها القدرة السياسية على الاختيار، كما قالت هي نفسها، بين الطاعون والملاريا لأنها في نفس الوقت إذا أخذت شيئا ستؤدي الفاتورة في الرباط أو في العاصمة الجزائرية وهذه هي الإشكالية او المعادلة السياسية التي صعبت على الرئيس الفرنسي الحالي على تحديد خطوطها، وبالتالي أصبح عليه ان يتعامل مع الدولتين حدثا بحدث اذ لم يعد هناك رسم او أفق على المستوى المتوسط او البعيد لأن التغيرات كبيرة. فالجزائر تستغل فرصة الحرب الأوكرانية الروسية وتقايض على أشياء كبيرة جدا كما أن المغرب أيضا استقوى بالمعادلة الابراهيمية وأصبح يقايض فرنسا على مواقف كبيرة جداً وفرنسا في الأخير أصبحت بين قوتين صاعدتين بالمنطقة وهي تحاول الا تخسر أحدا منهما لأنها تعرف اذا خسرت المغرب تخسر الكثير واذا خسرت الجزائر فأيضا ستخسر الكثير. فهي مقاربة واقعية في زمن فرنسي سياسي يعرف كثيرا من الأزمات فالوضع الداخلي متفجر بالمظاهرات وأزمات الأسعار وبالتضخم، وخارجيا أيضا ألمانيا أصبحت أقوى من فرنسا بعد خروج بريطانيا من السوق الأوروبية. وهناك أيضا الموقف الإيطالي الذي يطعن فرنسا في ظهرها مع الجزائر عبر سياسة استراتيجية جديدة لضمان التزود بالغاز. وبالتالي فهناك بعثرة في الأوراق الفرنسية.
ولهذا يجب على المغرب ان ينتبه الى ان فرنسا في موقف لا تحسد عليه. وبالتالي يجب إرسال إشارات للتهدئة والخروج من مأزق الانفعالية لان الانفعالية شيء والتفاعلية شيء والمواقف والمصالح شيء آخر. ولهذا على المغرب ان يضع هذه النقط الأربعة لبناء استراتيجية ومنظومة دبلوماسية جديدة عموما مع الاتحاد الأوروبي وخصوصا مع فرنسا. الانفعالية خطيرة التفاعلية يجب ان تكون بأدوات عقلانية. في المصالح يجب ترتيب ما هو استراتيجي وما هو اقتصادي وما هو سياسي والمواقف يجب ايضا ترتيبها وفق اجندة ماكروسياسية.
ألا ترى بأن فرنسا تريد الضغط على المغرب من خلال الحملات الاعلامية المتوالية والترويج لوجود لائحة تسلمتها من السلطات البلجيكية لتوقيف مسؤولين مغاربة؟
أنا لا أعتقد أن فرنسا تحاول أن تضغط على المغرب في قضايا فاضحة في ما يعرف بـ”قطرݣايت” لأننا ننسى كثيرا أن فرنسا هي دولة المؤسسات وأن هناك قضاء مستقل عن السلطة التنفيذية ، وأنه لم يذكر أي اسم بل وأن الرئيس الفرنسي قام قبل 48 ساعة، في كلام موثق على مواقع التواصل الاجتماعي، بشتم الصحافيين الذين نشروا هذه الاشياء وقال انها تمس بسمعة فرنسا وبأخلاق فرنسا.
فيجب علينا كمغاربة أن نعرف شيئا. ربما تعودنا دائما خطأ الاعتقاد أن الصحافة هي الناطقة الرسمية بإسم الحكومة. لا الحكومة لها ناطق رسمي ووزارة الخارجية الفرنسية لها ناطق رسمي والصحافة مستقلة عن الحكومة فكل صحفي حر أن يكتب الاشياء وأن يكتب ما يريد بالحجج. فإذا كان المغرب فعلا له مشاكل مع السلطات الأوروبية القضائية مع بلجيكا أو مع فرنسا فهذا من اختصاص القضاء، والقضاء لا يتكلم مع الصحافة ولا الحكومة ولكن مع وقائع وعلى مستندات وعلى براهين يمكن بها إدانة شخص معين سواء كان في المغرب أو في الجزائر. ولكن هناك رهانات أخرى تتجاوز هذه الاشكاليات وهي الأمن القومي لفرنسا والأمن الاستراتيجي لفرنسا. ولهذا لا يمكن لفرنسا أن تخرج بلائحة أسماء مغاربة في وظائف حساسة ووظائف سامية وشخصيات قريبة من القصر لأن هذا قد يؤدي إلى صراعات قضائية وربما إلى كارثة ديبلوماسية. ففرنسا دائما معروف عنها أنه لديها دبلوماسية سرية. فإذا كانت هناك أشياء أو هناك شخصيات مغربية متورطة في قضايا فساد أو لوبيات أو أشياء من هذا القبيل ففرنسا تشتغل عليها بالصمت عبر قنواتها الدبلوماسية لإرسال الخطاب الى المغرب. ففرنسا لها ناطق رسمي يلزم الحكومة الفرنسية، وإذا قرأتم جميع الخرجات الإعلامية للناطق الرسمي للحكومة الفرنسية فقد نفى كل هذه الأشياء وقال ليست هناك ملفات ولا شخصيات ولا أشياء من هذا القبيل وإنما هذه أقوال الصحافة والصحافة تقول ما تشاء فهذه من قواعد اللعب في الديموقراطيات الحديثة.
في خضم هذه الأزمة، يلاحظ أن هناك ملفات بعينها يتم التلويح بها، وعلى رأسها “بيغاسوس” بالرغم من غياب أي دليل على ذلك. ألا يعكس هذا الأمر تنافسا استخباراتيا قويا بين باريس والرباط؟
عالم الاستخبارات وعالم التجسس شبكة أخطبوط كبيرة فيها صراعات بين منظومات استخباراتية مغربية جزائرية فرنسية إسرائيلية أمريكية وروسية وكل واحد يحاول إسقاط الاخر. وها قد دخلنا في النوع الجديد من الحرب الجديدة وهي الحروب الاستخباراتية. وبالتالي فليست هناك الى الآن أي حجة بيد القضاء الفرنسي على تورط المغرب في التجسس على الهواتف أو على شخصيات سياسية. فعالم الاستخبارات هو عالم مظلم ليس له علاقة بالصحافة وبالتالي على المغرب ان يكون في موقف مريح لانه ليست له أي علاقة بهذه القضايا المفبركة.
أما قضية بيكاسوس فهي من صنع خيال مجموعة من صحفيين أوروبيين وأمريكيين يبتزون الدول. أما المغرب فله استخبارات قوية جدا ولكن هناك فرق بين العمل الاستخباراتي والبحث عن الشهرة والإثارة. فهناك من يشتغلون في ظلام بطريقة احترافية ولا يدخلون في هذه العلاقة المريبة مع الصحافة. أما هدف بعض المسترزقين فهو خلق وزرع البلبلة بين البلدان في عالم مكهرب تختلط فيه الحقيقة والواقع وتختلط فيه سرعة الابتكارات التكنولوجية للتصنت في نفس الوقت التي تستعمل هذه كذريعة للمس بسمعة بعض الدول. والمستهدف من هذه المناورات هو المغرب بما انه في علاقة إستراتيجية مع إسرائيل. فالبعض فهم ان إسرائيل تخدم لمصالح المغرب وأن المغرب يخدم لمصالح اسرائيل. هذا الخطاب متردد عند بعض الدول العربية ومنها الجزائر. في الحقيقة وفي الأخير تبقى هذه الحرب السيكولوجية هي احدى الادوات في صناعة القرار في العلاقات الدولية.
ما مدى تأثير الأزمة الحالية على التعاون الأمني و ألاستخباراتي بين باريس و الرباط؟
فيما يتعلق بالعلاقات الأمنية والقضائية والتعاون القضائي والأمني والاستخباراتي بين المغرب وفرنسا أؤكد مرة جديدة، وانا أدري ما أقول لأنني اشتغلت في مصالح معينة في فرنسا، عندما تكون العلاقات متينة جدا بين هذه الأجهزة يشتغلون على ملفات اخرى لا علاقة لها بهذا الكلام الفارغ ويتكلمون على الأمن القومي بين فرنسا والمغرب وعلى الأمن الداخلي وعلى مكافحة الارهاب وعلى خطر التطرف الديني وعلى خطر الجريمة المنظمة وعلى خطر تجارة البشر وعلى مستويات أخرى تخدم مصالح البلدين. وبالتالي ليطمئن المغاربة أن العلاقة، كما قلت سابقا، هناك علاقات على ثلاثة مستويات المستوى السياسي والاقتصادي والتذبذبي. المستوى السياسي هو قوي جدا ويتجلى في هذه العلاقات المتينة والمستدامة بين الاستخبارات والتنسيق الأمني بين المغرب وفرنسا فلا داعي للقلق، فهذا مستوى رفيع جدا يعلو على الظرفيات السياسية وعلى هرطقة الصحافيين.
هل برأيكم الأزمة الحالية تدل على عجز الرئيس ماكرون و الدبلوماسية الفرنسية عن ايجاد توازن واضح و عقلاني في علاقتهما مع محور الجزائر/المغرب؟
بطبيعة الحال كل هذا اللغط وكل هذا التوتر الذي نُعث بأزمة عابرة، بأزمة سياسية ،بسوء تفاهم بطبيعة الحال يخدم مصالح إسبانيا لأنها ليست من حجم فرنسا ولا من حجم ألمانيا.
فاسبانيا هي دولة الجار والجوار ولها قضايا مهمة جدا تربطها بالمغرب وأصبحت أول شريك وبالتالي كلما تعقدت العلاقات مع الفرنسيين إلا وتصفق لها إسبانيا لأنها هي المستفيد الأول. وبالتالي فالعلاقات الفرنسية الاسبانية تعرف أيضا أزمة صامتة لا يتكلم عنها لا الإعلام ولا الديبلوماسيون ولكن إسبانيا تستفيد من هذه الاشياء لأنها بعد أن أزاحت فرنسا من المرتبة الأولى فهي تريد أن تجمع الجمل وما حمل: كل الامتيازات الاقتصادية، كل المشاريع والصفقات العمومية التي كانت تقليديا ترجع الى فرنسا فاليوم أصبحت تتجه إلى إسبانيا وبالتالي هذا ما يفسر التغير 180 درجة لإسبانيا في ملف الصحراء المغربية وفي كثير من القضايا وفي التنسيق ولكن يبقى في الأخير أن فرنسا حليفة مستدامة للمغرب.
وانا أريد أن أوجه رسالة للدبلوماسيين والمسؤولين في صناعة القرار المغربي مفادها أن للمغرب ثلاثة حلفاء دائمين تقليديين لا يكمن الاستغناء عنهم لان المغرب قد يخسر كثيرا . وهم بالترتيب أمريكا وفرنسا والمملكة العربية السعودية. وما دون ذلك فكل الحلفاء الذين تربطهم علاقات مع المغرب هم حلفاء إما لمصالحهم أو انتهازيون وربما قد يقلبون المعطف كما يقال. وبالتالي فلا يجب أن نخلط بين ما هو بنيوي وظرفي في العلاقات الدولية. فأنا أتحفظ كثيرا على هذا الغزل الإسباني للمغرب وحبذا لو وقع انفراج مع فرنسا وهذا ما سيحدث في الربيع خلال مارس أو أبريل تقريبا. هذه هي بعض الأخبار التي وصلتني والتي تفيد بأن ماكرون سيتواجد بالمغرب وأؤكد على طابعها السياسي لترتيب الأمور وإعادتها إلى مجاريها.
وأخيرا، لأن المغرب له ثلاثة حلفاء لا رابع لهم: الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة العربية السعودية أما غيرهم فهم دول يركبون على الحدث ويستشرفون مصالح فقط.