لعل أبرز ما يميز جوقة المدافعين عن توفيق بوعشرين هو إجماعهم على وجود “مؤامرة سياسية” تهدف إلى تصفية حسابات بخلفية أيديولوجية. وبهذا الطرح المتعنت والمبتذل، تصبح التهم التي تلاحقه مجرد بلاغات كيدية لا تنال من طهرانيته واستقامته الخلقية المفترضة. وفي الواقع، فان تعلق محامي الشيطان بقرينة براءة تستهدفها مؤامرات السياسة يكشف بالدليل القاطع أن المؤامرة الفعلية التي تستهدف سمعة المغرب ونزاهة قضائه هي هذا الإصرار غير المبرر على إقحام السياسة في مجريات التحقيق في الجرائم التي اتهم بارتكابها مع ما يتوفر من الأدلة القاطعة.
أن يكون بوعشرين بريئا أو مدانا بجرمه وفعله الفاضح فذلك ما سيثبته القضاء أما أن تفترض جوقة محامي الشيطان أن قلة عدد المشتكيات يقف دليلا على وجود مؤامرة سياسية وفبركة للوقائع فذلك هو الدليل القاطع على الغباء وقصر النظر.ولنا أن نتساءل ما اذا كان ضروريا أن تتقدم نصف نساء المغرب بشكاواهن ضد بوعشرين حتى تصبح الجرائم التي تلاحقه جديرة بالبحث والتقصي والاعتبار. إن أخطر الرسائل التي يبعثها محامو الشيطان هو أن جريمة اغتصاب واحدة لا تكفي لمتابعة مغتصب وأن جريمة قتل واحدة لا تكفي ، هي الأخرى، للقصاص من القاتل. ومع ذلك لا يتورعون عن توظيف “مؤامرات السياسة” مبررا للإفلات من العقاب. وهل ثمة مؤامرة سياسية أخطر من توظيف السياسة للتأثير على مجريات العدالة وتشويه صورة المغرب في عيون الآخرين؟
إن أول ما يقتضيه المنطق ،في هذا المقام، هو أن نتحدث عن مِؤامرتين سياسيتين: مؤامرة تستهدف متهما بالاغتصاب والتحرش والاتجار بالبشر وتستغل السياسة لتوجيه القضاء وتكييف مقتضياته وأخرى تستغل السياسة لتبرئته واتهام المغرب ومنظومته القضائية باستهداف مبرئ من فوق سبع سماوات.
وإذا كانت المؤامرة الأولى مجرد أضغاث أحلام تراود محامي الشيطان ، فان المؤامرة الثانية لن يكتب لها أن تمر رغم استقوائها بجماعات من خارج الحدود. وإذا كانت محاكمة بوعشرين قد أماطت اللثام عن الذين في قلوبهم “مرض التوظيف العشوائي للسياسة” ، فان أفضل نتائجها المبكرة هي كشف قناع المتآمرين على المغرب من خلف الحدود. وفي المحصلة الأخيرة، سيذهب بوعشرين إلى مصيره المستحق براءة أو إدانة ولكن المغرب سيبقى كما يريد له مغاربة العدالة والحق والقانون.