ما أن تبزغ خيوط الفجر الأولى حتى تحزم نساء قرية “بريكشة ” بضواحي مدينة وزان، شمالي المغرب، أمتعتهن، معلنات بداية رحلة عمل شاقة على سفوح الجبال.
بكثير من الصبر وقليل من الزاد، تقطع نساء القرية رحلة جبلية شاقة، سيرا على الأقدام، مسافة تتجاوز الثلاثة أميال، للوصول إلى بئر ماء على جبل بين مدينتي وزان وشفشاون، غني بالملح، الذي يحترفن استخراجه وبيعه.
عمل وتعب
عملية مضنية لاستخراج الملح تقوم بها قرابة عشرين من نساء القرية، وتبدأ معالم هذه العملية باستخراج الماء من البئر ثم ضخه في أحواض محفورة في الأرض ومغطاة بطبقة بلاستيكية سميكة.
عقب ذلك يترك الماء لأيام تحت أشعة الشمس ليتبخر تاركا وراءه ما ترسب من ملح ليعلن بداية مشهد جديد من مشاهد استخراج ملح الجبال.
تقول العاملة فاطمة بلحاج، للأناضول، إن العملية تمر بعدة مراحل أولها جلب المياه من المنبع وسكبه في الأحواض، التي نكون قد حفرناها في وقت سابق، بعد ذلك يبدأ دور أشعة الشمس في تبخير الماء المالح.
وإذا كانت أشعة الشمس الحارقة غير محبذة عند نساء القرية لدى اعتلائهن ونزولهن الجبل، فإنها تكون مطلوبة في مرحلة الأحواض.
وتضيف فاطمة “إذا كانت درجات الحرارة مرتفعة فإن ذلك يساهم بشكل كبير في تسريع عملية استخراج الملح، وإذا كان العكس فإننا نضطر إلى الانتظار لأيام طويلة ريثما يتبخر ما في الأحواض من ماء.
تلال بيضاء
بعد تبخر الماء المالح تبدأ تلال الملح البيضاء في الظهور مستنفرة جمع النساء من أجل البدء بالمرحلة الجديدة.
بأحذية بلاستيكية طويلة، وقبعات شفشاونية (نسبة لمدينة شفشاون ) من قش تحميهم من لهيب أشعة الشمس الحارقة، وبحركات متناسقة، تركل النسوة بأقدامهن أكوام الملح المترسب داخل الأحواض المائية لتكسيره بعد أن تحجر بفعل الحرارة.
ثم يجمع الذهب الأبيض، كما يصطلح عليه بالمنطقة، في أكياس كبيرة وينقل على ظهور الدواب إلى وسط القرية حيث “التعاونية” لبدء عملية معالجته.
و”التعاونية” هي جمعيات يؤسسها، على الأقل 3 أفراد، حول أعمال مدرة للدخل، وتستفيد من إلغاء كلي من الضرائب.
داخل “التعاونية” تتولى نساء القرية معالجة الملح، الذي ينتج منه عدة أنواع، كملح الطعام والتجميل والزيوت العلاجية، فضلا عن بعض المكونات التي تدخل في تصنيع معجون الأسنان.
وتقول عائشة وديان، إحدى “نساء الملح”، للأناضول، “بعدما نجلب الملح من الجبل نقوم بعملية الفصل داخل مقر التعاونية”.
ويتم جمع الملح المعد للأكل وتخزينه، إلى جانب الأنواع الأخرى، من ملح تجميل وزيوت طبية استعدادا لعرضه في سوق القرية الأسبوعي.
بيع متواضع
وفي السوق الأسبوعي لجماعة بريكشة تصطف “نساء الملح” ينتظرن زبائن الذهب الأبيض بلباسهن التقليدي، وبعيون مليئة بالأمل وأيادي جفة مكسوة بقسوة الطبيعة.
يقفن متراصات خلف أكياس الملح، التي يزن الواحد منها قرابة الثلاثة كيلوغرامات، والتي وثمن الواحد 3 دولارات، وهو أعلى من سعر الملح العادي.
تقول عائشة وديان إن الإقبال على شراء الملح قليل للغاية، ولا يزدهر الإقبال على شراءه إلا في موسم قطف الزيتون، وذلك لاستخدامه في عملية تخليل الزيتون.
من جانبها، تقول فاطمة بلحاج، للأناضول، إن السوق الأسبوعي، المخصص لبيع الملح، “غير كاف لبيع جميع كميات الملح التي تنتجها النساء”.
كما أن ارتفاع تكاليف الإنتاج وارتفاع الجودة تجبرهن على بيعه بثمن مرتفع على ثمن الملح العادي وهذا ما ينفر الكثير من الزبائن، حسب قولها.
وتضيف بلحاج أن هؤلاء النسوة ورثن المهنة عن الأجداد، وتشكل مورد رزق أساسي في حياتهن حيث أن الكثير من النساء العاملات في هذا المجال إما أرامل أو مطلقات.
وتشكو من أن ضعف الإقبال على شراء هذا الملح، يؤثر سلبا على حياة كثير من العائلات التي تقتات من هذه المهنة.
معيقات وأمنيات
فتيحة زكري، رئيسة “تعاونية الوفاق”، تقول للأناضول، إن النساء تواجهن الكثير من المعوقات بداية من وعورة طريق منابع المياه المالحة، وصولا إلى مشاكل التسويق.
الحصول على الملح لا يستمر طوال العام، فهو موسم يستمر ثلاثة أشهر فقط، وفق فاطمة بلحاج.
وتضيف أنه في المقابل لا تبيع النساء إلا القليل، وبأثمان بخسة، فضلا عن أن مستودعات التعاونية لا زالت تحتوي على كميات كبيرة من الملح الذي أنتجناه قبل ثلاث سنوات.
تأمل فاطمة في حل تلك المشكلة بفتح أسواق المدن المغربية الكبيرة أمام هذا الملح، بل وفتح المجال لتصدير منتجهم إلى الخارج، لتحسين أوضاعهن.
وبحسب إحصاءات رسمية فهناك 1.6 مليون من المغاربة يعيشون في وضعية فقر مدقع، و4.2 ملايين في وضعية هشة، من أصل 35.2 مليون نسمة.