الرباط-قمر خائف الله
مع بداية كل فصل صيف تتجدد أزمة “العطش” بعدة مناطق بالمغرب، غير أن هذه السنة الوضع “مأساوي”، حيث جفت آبار بعض الدواوير وشحت مياهها الجوفية بسبب تعاقب الجفاف وتداخل مجموعة من المسببات والعوامل التي فاقمت معاناة الساكنة ودفعت بعضها إلى الخروج مؤخرا في مسيرات احتجاجية في بعض المناطق.
وقبل أيام قليلة، خرجت ساكنة الجماعة الترابية البيبان بإقليم تاونات في ثاني أيام عيد الأضحى، في مسيرة احتجاجية أطلقوا عليها مسيرة العطش استنكارا لما وصفوه ب“استهتار المسؤولين بمطالبهم العادلة والمشروعة المتمثلة في توفير الماء الصالح للشرب لكل الساكنة”.
وبعد تجاهل معاناتهم وعدم الاستماع إليهم طيلة الشهور الماضية، قررت الساكنة تنظيم مسيرة العطش احتجاجا على عدم توفير مياه الشرب الكافية للجماعة، متسائلة عن مصير4401 و 706 شاحنة -صهريجية التي وعد الوزير بركة باقتنائها لإيصال الماء للدواوير، وعن حصة الجماعة من هذه الصهاريج، مطالبين في السياق ذاته التدخل العاجل والفوري من أجل حماية أهم الحقوق، وهو الحق في الحياة، وضمان توفير الماء الصالح للشرب لكل الساكنة، وتوفير ماء للسقي، وانقاذ المنطقة من العطش المفضي للموت”، على حد تعبيرهم.
معاناة مدينة تاونات ليست إستثناء، حيث تعيش عشرات الأسر بمنطقة الغوازي بالصخيرات منذ أسابيع، محنة حقيقة بسبب أزمة العطش، حيث يطالب المتضررون شركة ريضال، المفوض لها تدبير قطاعي الماء والكهرباء، بضرورة إحداث قنوات تزويد منازلهم بالماء الشروب.
هذه المنطقة الساحلية الفلاحية التي لا تبعد عن العاصمة الرباط إلا بحوالي 25 كلم، يعاني سكانها منذ أسابيع من صعوبات كبيرة في الحصول على الماء الشروب، بعد إزالة “السقاية” الوحيدة التي كانوا يرتوون منها لسنوات طوال، ما يضطرهم إلى التنقل لمسافات بعيدة قصد جلب ما يكفي حاجياتهم من هذه المادة الحيوية الضرورية.
وأمام هذه الإكراهات التي يواجهونها بشكل يومي، ناشد المتضررون “محمد اليعقوبي”، والي الرباط وعامل إقليم الصخيرات-تمارة بالنيابة، قصد التدخل من أجل وضع حد لهذه المحنة الصعبة، عبر توجيه تعليماته لشركة ريضال، من أجل ربط منطقتهم بقنوات الماء الشروب.
أزمة المياه هذه التي يشهدها المغرب حالياً من الممكن أن تتفاقم في المستقبل القريب، حسب بعض المحللين، وتعود مشكلة ندرة المياه إلى معادلة زيادة الطلب وتراجع مستوى هطول الأمطار خلال الأعوام الأخيرة، وفي حين لا يتعدى استهلاك الأسر والقطاع الصناعي من المياه مجتمعين نحو 20 في المئة، ترتبط أزمة ندرة المياه في المملكة بشكل مباشر بمجال الري الذي يستهلك لوحده نحو 80 في المئة من المياه.
وسبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن دق ناقوس الخطر في عام 2019 من وضعية ندرة المياه، محذراً من احتمال تزايد الوضعية سوءاً مستقبلاً، وقال المجلس إنه “عندما تقل المياه التي يتوفر عليها بلد ما عن 1000 متر مكعب للفرد سنوياً، فإنه يعتبر في وضعية خصاص في الموارد المائية، أما في بلادنا فإن الوضع قد أصبح مقلقاً على اعتبار أن موارده المائية تقدر حالياً بأقل من 650 متراً مكعباً للفرد سنوياً، مقابل 2500 متر مكعـب سنة 1960، ومن المتوقع أن تقل هذه الكمية عن 500 متر مكعب بحلول سنة 2030”.
بالإضافة إلى هذا أوضح المجلس أن بعض الدراسات الدولية تشير إلى أن تغير المناخ يمكن أن يؤدي إلى فقدان 80 في المئة من الموارد المائية المتوفرة في المملكة خلال 25 عاماً المقبلة، معتبراً أنه على الرغم مـن تناقصها المطرد، فإن الاستهلاك المفرط للموارد المائية لا سيما المياه الجوفية، يتزايد من دون تقيد صارم بما يقتضيه القانون لاستغلال الموارد المائية، فضلاً عـن الضعف المسجل على مستوى فعالية آليات المراقبة.
وذكر المصدر ذاته أن بعض مدن المملكة شهدت في السنوات الأخيرة احتجاجات شعبية بسبب تواتر ظاهرة العطش وصعوبة الوصول إلى الماء الصالح للشرب، في وقت تستمر فيه في مدن أخرى باستخدام مياه الشرب لسقي المساحات الخضراء، بالإضافة إلى استمرار وجود بعض الزراعات المتطلبة للكثير من المياه.
وبعد أربعة عقود من اعتماده سياسة تشييد السدود لضمان الأمن المائي، بدأ المغرب خلال الأعوام الأخيرة في تنويع برامجه للحد من أزمة ندرة المياه، وإصدار قوانين تضمن الحق في الماء لجميع المواطنين.
وفيما يتعلق بالمخططات التي تنتهجها المملكة لمواجهة أزمة نقص المياه، سبق لوزير التجهيز والماء، نزار بركة، أن قال في تصريح صحافي، أن المغرب أطلق “برامج تهدف أساساً إلى تعبئة المياه من خلال إنشاء السدود التي تكتسي أهمية بالغة بالنسبة إلى المملكة، حيث نتوفر اليوم على 148 سداً، كما تم العمل على تحسين وصول العديد من المواطنين إلى الماء، خصوصاً في المناطق القروية والجبلية، حيث إن أكثر من 98 في المئة من هذه المناطق مغطاة بقنوات تزويد الماء، و40 في المئة من ساكنة العالم القروي تتوفر على الربط المنزلي بالماء، والحواضر بنسبة مئة في المئة”.
ويشهد المغرب خلال العام الحالي تراجع الواردات من الماء بنسبة 59 في المئة، وتراجعاً في نسبة ملء السدود، وهو ما يشكل ضغطاً كبيراً، حيث سبق لبركة ان وضح أنه حسب منطق التغيرات المناخية ستشهد البلاد سنوات جفاف وأيضاً سنوات فيضانات، مما يتطلب حماية العديد من المناطق.