الدار البيضاء-سكينة المهتدي
في خرجة تلفزيونية أخرى، عاد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى تأكيد موقفه المعادي للوحدة الترابية للمملكة، وهذه المرة من باب الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء.
في هذا الحوار الذي أجرته”24 ساعة“، يقدم أستاذ العلاقات الدولية والمحلل السياسي لحسن أقرطيط قراءة مفصلة، لخطاب الرئيس الجزائري الذي اعتبره مادة دسمة تحمل جميع التناقضات.
كيف تجدون التصريحات الجديدة للرئيس الجزائري بشأن اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء؟
أعتقد أن خطاب الرئيس الجزائري هو خطاب غير واقعي ويتسم بالعديد من التناقضات، على اعتبار أن عبد المجيد تبون يقول من جهة أن ملف الصحراء هو مشكل دولي يجب حلُّه على مستوى الأمم المتحدة ومجلس الأمن؛ بينما نعاين في المقابل إدانة الدولة الجزائرية لقرارين متتالين آخرهما 24.56 الصادر من قبل نفس المجلس في أكتوبر الماضي.
الواضح أن نظام الجارة الشرقية، أظهر في كثير من المرات أنه لا يمتثل للشرعية الدولية باستنكاره لمثل هذه القرارات؛ خاصة وأنها تعتبر الجزائر طرفا رئيسيا في هذا الصراع.
وبالتالي هناك تضارب كبير بين الكلام الصادر عن الرئيس الجزائري وبين موقف وسلوك الدولة من قرارات مجلس الأمن؛ هذه الازدواجية توضح بالأساس مدى انزعاج القيادات الجزائرية من مواقف المجتمع الدولي ثمَّ من الدول التي ساندت المغرب واعترفت بسيادته على صحرائه.
وهنا يمكننا استرجاع بعض الأحداث التي تؤكد رؤية الدولة في الجزائر؛ التي كان من أبرزها استدعاء سفيرها على عجل من إسبانيا والذهاب أبعد من ذلك إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع مدريد، وذلك مباشرة بعد إعلان الأخيرة دعمها لمبادرة الحكم الذاتي.
ما ردكم على وصف الاعتراف الاسرائيلي ب”الكلام الفارغ”؟
الحل الذي اقرحته المملكة المغربية يحظى بالشرعية الدولية بعدما تم إصدار قرار مجلس الأمن؛ الذي مكن مبادرة الحكم الذاتي من الحصول على الإجماع الدولي.
وبالتالي لا يمكن للرئيس الجزائري، أن يجعل من اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء حدثا فارغا لا معنى له. بالنظر إلى أن دولا كبيرة على المستوى الأوروبي من طينة إسبانيا وألمانيا وبلجيكا والنمسا، قامت بنفس الخطوة وتساند اليوم مبادرة الحكم الذاتي، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية التي أعربت عن ذات الموقف.
من جهة ثانية نجد أن تفادي لجوء روسيا لحق “الفيتو”، هو انحياز ضمني للقرار الصادر عن مجلس الأمن بخصوص مغربية الصحراء؛ وبالتالي فالحديث عن الاعتراف الاسرائيلي لا يمكن القول عنه سوى أنه ورقة وازنة بالفعل، باعتبار إسرائيل أوَّلَ قُوَّةٍ إقليمية في منطقة الشرق الأوسط، ناهيك عن كونها دولة تتمتع بكامل عضويتها داخل جمعية الأمم المتحدة.
لهذا حسب اعتقادي، فإن موقف إسرائيل أثار حفيظة الجزائر، خاصة وأن المغرب وإسرائيل باتت تجمعهما علاقة قوية سواء على المستوى السياسي والاقتصادي أوالأمني والعسكري.
ثم بطبيعة الحال الجزائر التي استثمرت في هذا الصراع، من خلال دعمها لجبهة “البوليساريو” الإنفصالية ترى أن الدبلوماسية المغربية الناجحة للرباط تسحبُ البساط من تحت هذا الكيان ومن النظام الجزائري بعينه.
وفي الأخير، إن خطاب عبد المجيد تبون أقل ما يمكن أن يقال عنه، أنه خطاب بعيد كل البعد عن الحقيقة الموضوعية بحكم أن هذه الأخيرة تمثل المعيار الكفيل والخيط الناظم داخل المنتظم الدولي.
وبالتالي ينبغي الإقرار بأن السياسة الخارجية التي تنتهجها المملكة في إطار دعم مغربية الصحراء، تشكل مجموعة من الحقائق الموضوعية القيمية التي سينقلها المبعوت الأممي ديميستورا؛ من خلال الإحاطة السنوية التي من المنتظر أن يُقدمها أمام مجلس الأمن خلال الشهر القادم تحت عنوان عريض تسطره المملكة، “أن هناك مزيداً من الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي”.
ما الأسباب الكامنة وراء الرفض المطبق لسياسة اليد الممدودة التي يبادر بها المغرب؟
انطلاقا من ما تمثله المملكة المغربية على ضفتي شمال وغرب إفريقيا؛ وبالنظر إلى نظامها السياسي والمؤسساتي المرن الذي يتماهى وَ النّّظُمْ الديموقراطية الحديثة، وبحكم ما حققته البلاد في الشق الاقتصادي إذ أضحى المغرب في قلب الجغرافية السياسية والاقتصادية للبحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي.
تجد الجزائر نفسها بتقديمها للدعم المادي بسخاء لجبهة البوليساريو، قد خسرت الكثير وبالتالي لا يمكنها التراجع عن استهدافها عرقلة تطور المملكة المغربية والضرب في مصالحها. خاصة في ظل الأدوار الطلائعية التي باتت تلعبها الأخيرة في العديد من القضايا؛ في ظل مكانة الرباط اليوم في الاتحاد الأوروبي والاهتمام التي تحظى به من قبل الدول الكبرى عالميا.
إذن فاستدامة النزاع يعبر حقيقة عن التخوف الكبير من النهضة التنموية التي يعرفها المغرب. وهو ما يدفع النظام الجزائري نحو الإبقاء على مساعيه؛ بأن يظل هذا الصراع شوكة في خاصرة المملكة المغربية.
وهو الأمر الذي فطنت له الدولة في المغرب قبل سنوات، ما جعلها تولي إنهاء هذا النزاع حول الصحراء أولوية قصوى؛ تدفع الدبلوماسية لمواصلة الاشتغال بشكل دؤوب من أجل إحباط مخططات ومكائد الجزائر في النيل من المملكة المغربية ومن مصالحها.