معين شفقة-الرباط
لم نعهد في مغربي أن تخلى عن هويته الحرة ليرضي فئة من المحتلين للأراضي الفلسطينية المغتصبة وللقدس حاضنة المسجد الأقصى المبارك ، وهي ذات القدس التي يترأس لجنتها ملك المغرب محمد السادس ويتابع شؤونها الدينية والاعمارية والتنموية بشكل عام.
وأنا أتابع وسائل الاعلام للاطلاع على مجريات الحرب التي تدور رحاها في غزة جنوب فلسطين.
سقط نظري على عنوان في صحيفة مغربية لكاتب مغربي يقول :” كلنا اسرائيليون”. للوهلة الأولى اعتقدت أن حالة من الدوران أصابتني نتيجة متابعة الأحداث منذ الأمس ، ولكن سرعان ما تأكدت أن ما قرأته هو فعلا تلك الكلمات الغريبة “كلنا اسرائيليون”. من وكيف ولماذا؟ أسئلة عديدة دارت في ذهني .
ألهذا الحد وصلت العبودية وبهذه الوقاحة أن تعتبر نفسك اسرائيليا أكثر من الاسرائيليين أنفسهم؟ ومن تقصد ب”كلنا”؟ هل تقصد شعب المغرب أم تقصد السيادة المغربية من رأس الهرم وصولا الى القاعدة؟ أم تقصد الصحفيين وأصحاب الأقلام ، أم تقصد من معك ومن يدورون في فلك ارضاء تل أبيب باعتباره مسبقا على كل شيئ حتى لو كان هذا الشيئ وطني وعقيدتي وأرضي وهوائي وشعبي وأهلي وناسي.
ولكن يبدو أن الأخيرة هي الصحيحة التي تنطبق على هكذا اقلام مكسورة وجدت لاشاعة روح الهزيمة المذلة والتخلي والانسلاخ عن جسد الأخلاق الانسانية التي غابت عنك يا صاحب مقال “كلنا اسرائيليون”. فقد غابت عنك شهامة المغربي الحر قاهر المستحيل ، وغابت عنك حتى القيم الأخلاقية لصاحبة الجلالة وان كانت مهنة المتاعب، ولكنها صاحبة رسالة تحكمها قيم أخلاقية أولا وأخيرا.
ولكن يا حسرتاه على هكذا زمن جعل من السقوط في نظر البعض التائه طريقا للوصول.
الى أين؟ فقط الى المجهول المتجاوز لكل ما هو مغربي قبل أن يكون لكل ما هو غير ذلك. نعم ، متجاوز للموقف المغربي التاريخي الثابت في دعم ومساندة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني حتى نيل حقوقهم في اقامة دولتهم وعاصمتها القدس الشرقية.
وهذا ليس رأيي أو رأيا عابرا ولكنه موقف المغرب الذي عبر عنه ملك المغرب الراحل الحسن الثاني ، رحمه الله ، وخير خلف له الملك محمد السادس ، حفظه الله ، جدد وأكد على ذلك في العديد من خطاباته في مناسبات رسمية اذ يعتبر أن القضية الفلسطينية توازي القضية الوطنية الأولى للمغاربة المتمثلة في الصحراء المغربية ، ووقفات العز والفخار التي ينظمها الأحرار شعب المغرب للتضامن ومساندة الشعب الفلسطيني في السراء والضراء. ثم تأتي أنت بشخصك وبتوجيهات خارجية غريبة عن الشعب المغربي ، توجيهات لا تخدم إلا شخصك أنت فقط لتشطب بها الشعب والتاريخ والوطن والسيادة والاحترام والتقدير والمحبة وتقول “كلنا اسرائيليون”…ويا لغرابة الصدف أن يتوافق المقال حد شبه التمام ، هذا ان لم يكن متفق عليه مسبقا ، مع بلاغ مكتب الاتصال الاسرائيلي في الرباط الذي بدوره تجاوز الأعراف الدبلوماسية وكذلك السيادة المغربية والذي يعتبر سابقة من نوعها بأن تصدر بعثة دبلوماسية بلاغا موجها للبلد المضيف ولسياساته وسياساته الداخلية والخارجية وسيادة قراره وتوجهاته وارتباطاته التاريخية ، بلاغ تشابه مع مقال “كلنا اسرائيليون” ، وكأن مضمونهما واحد اختلفا فقط في توقيع الكاتب : هذا ممثل وذاك يمثل.
التقيت بكثير من الصحفيين والصحفيات المغاربة منهم من كان يؤمن بالحقوق الفلسطينية وبعدالة قضية الشعب الفلسطيني ، ومنهم من كان له موقف آخر ولكنهم أبدا لم ينحازوا يوما ولو بكلمة ولو من قبيل الممازجة لجرائم اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني ولا بأي تعبير سافر هجين مثل “كلنا اسرائيليون”.
وأكاد أجزم أنهم مثلهم مثل كل أحرار المملكة المغربية من طنجة للكويرة من المستحيل ومن رابع المستحيلات أن يقبلوا على أنفسهم وأخلاقهم وكرامتهم ووطنيتهم وتاريخهم ورجالهم ونسائهم وشبابهم وفتياتهم وأطفالهم كلهم ، أجزم أنهم لم ولن يقبلوا على أنفسهم هذه الوقاحة “كلنا اسرائيليون”. وكذلك لا يقبلون على أنفسهم أن يكونوا أي مسمى آخر سوى أنهم مغاربة أسود ولبؤات شعارهم واحد موحد : الله ، الوطن ، الملك.
* صحفي فلسطيني مقيم في المغرب