سناء الجدني-الرباط
منذ استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، ظلت المملكة حريصة وثابتة على مواقفها بخصوص القضية الفلسطينية، في إطار المرجعيات التاريخية للرباط في التعاطي مع هذه القضية، والتي تجعلها على قدم المساواة مع قضية الصحراء المغربية.
استئناف هذه العلاقات بين الرباط وتل أبيب لم يأت بشكل منفصل عن دعم المغرب للقضية الفلسطينية. فبلاغ الديوان الملكي الصادر في 10 دجنبر 2020 كان واضحا عندما قال إن “المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تبقى هي السبيل الوحيد للوصول إلى حل نهائي ودائم وشامل لهذا الصراع”.
وانطلاقا من دور جلالته بصفته رئيسا للجنة القدس، المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، فقد شدد جلالته، يضيف البلاغ، على “ضرورة الحفاظ على الوضع الخاص للقدس، وعلى احترام حرية ممارسة الشعائر الدينية لأتباع الديانات السماوية الثلاث، وحماية الطابع الإسلامي لمدينة القدس الشريف والمسجد الأقصى، تماشيا مع نداء القدس، الذي وقعه جلالة الملك أمير المؤمنين، وقداسة البابا ، خلال الزيارة التاريخية التي قام بها قداسته للرباط في 30 مارس 2019”.
إن هذا الموقف الواضح تم تأكيده من خلال الاتصال الذي أجراه الملك محمد السادس مع الرئيس الفلسطيني. كما شكلت الرسالة التي وجهها جلالته إلى الرئيس الفلسطيني مناسبة لتجديد التأكيد على أن المغرب يضع دائما القضية الفلسطينية في مرتبة قضية الصحراء المغربية، وأن عمل المغرب من أجل ترسيخ مغربيتها لن يكون أبدا، لا اليوم ولا في المستقبل، على حساب نضال الشعب الفلسطيني من أجل نيل حقوقه المشروعة، وأنه سيواصل انخراطه البناء من أجل إقرار سلام عادل ودائم بمنطقة الشرق الأوسط.
إن هذه المواقف الصادقة والثابتة تعكس رؤية حكيمة للمؤسسة الملكية في المغرب في التعامل مع القضية الفلسطينية. ذلك أن دعم المغرب للفلسطينيين لم يتوقف على مر التاريخ، سواء في شقه الدبلوماسي أو حتى المادي من خلال العمل الكبير الذي تقوم به وكالة بيت مال القدس.
هذه الوكالة توصلت خلال 25 سنة الماضية، بإجمالي تبرعات بلغ حوالي 64,9 مليون دولار أمريكي، مقسَّمة إلى 22,3 مليون دولار في صنف تبرعات الدول، تمثل منها مساهمة المغرب 75 في المائة، بمبلغ يقارب 17 مليون دولار.
وتمكنت، بهذه المبالغ، من تنفيذ 200 مشروع استفادت منها كافة فئات المجتمع المقدسي، بشكل شمل أحياء محافظة القدس وقُراها، من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، بل امتدت إلى بعض أرياف المحافظة”.
وبلغت كلفة المشاريع الاجتماعية ما مجموعه 64 مليون دولار، 20 في المائة منها لبرامج ومشاريع التعليم، بما فيها مِنح للطلبة المقدسيين في تخصصات مختلفة.
وتوزعت المشاريع على قطاعات الإعمار والترميم وحيازة العقارات، والصحة والتعليم، والفلاحة والتجارة ودعم الاقتصاد المحلي، وكذا الإعلام والثقافة والنشر والتدوين، والشباب والرياضة والطفولة، إضافة إلى الدعم والتمكين والتنمية البشرية، والمساعدة الاجتماعية (الأيتام، الأرامل، الأشخاص المسنين، الأشخاص في وضعية إعاقة).
إن هذا العمل الذي يقوم به المغرب على أكثر من صعيد إنما إيمانا راسخا لدى المغاربة قاطبة، دولة وشعبا، بأن القضية الفلسطينية جزء لا يتجزأ من القضايا الحيوية والاستراتيجية للمملكة، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية، الأمر الذي يجعل تحركات الرباط إثر الأحداث الأخيرة تنسجم مع طبيعة رؤيتها لهذا النزاع.
لذلك، فإن المغرب بقيادة الملك محمد السادس حريص على ألا تنزلق الأمور نحو الأسوأ وأن يتم نزع فتيل التوتر في أقرب وقت، وهو الأمر الذي يتم الاشتغال عليه بشكل جدي من خلال الاتصالات المكثفة عبر القنوات الدبلوماسية. لكن الأهم هو ما ستحمله الشهور المقبلة، لأن هم الرباط هو الوصول إلى حل سياسي يحفظ حقوق الشعب الفلسطيني في إطار حل الدولتين.