محمد البهجاجي
فجأة، وتفاعلا مع “طوفان الأقصى”، طلعت أصوات مغربية تقف على حائط المبكى مصورة دولة إسرائيل كما لو انبعثت من جنات الخير، نقية طاهرة بلا تاريخ دموي، أو مذابح اثنية، أو ذاكرة عنصرية.
أصوات مغربية، يا للأسف المر !، تصطف إلى جانب الخطاب الإسرائيلي المتطرف مدينة ما سمته “الإرهاب” الفلسطيني.
ولأن إسرائيل المتطرفة بلا رصيد لها سوى الهولوكوست، فإن بعض تلك الأصوات النادرة قد اقترفت نفس الإثم متنصلة من مشتركنا المبدئي مع فلسطين.
كان المغفور له الحسن الثاني، الذي أقسم ذات مؤتمر، بأنه سيصلي في القدس، يقول “إن ما أصاب (الفلسطينيين) أصابنا. وأقولها عن نفسي شخصيا والله على مأ أقول وكيل. وأنا تربيت في أحضان الوطنية، ومارست المنفى والتشريد. أعتبر أن ما كل ما وقع لأي فلسطيني فلسطيني كأنما وقع بي، أو بواحد إما من أفراد أسرتي، أو بأسرتنا الكبرى وهي الشعب المغربي”
وكذلك حافظ وريث عرشه الملك محمد السادس، على خطى والده رئيسا للجنة القدس، بما يتطلبه ذلك الموقع الشريف من التزامات لحماية الفلسطينيين، وعاصمتهم القدس الشريف.
في سنة 2008، كنت، في دمشق، أمثل وزيرة الثقافة المغربية المرحومة ثريا جبران، ضمن اجتماع وزراء الثقافة العرب. وكان ضمن المحاور ما يتعلق بدعم فلسطين، والقدس تحديدا، كما أعدتها المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم (الألكسو). ولقد كانت همتي أكبر حين تصفحت، رفقة زملائي مندوبي الدول العربية، وجود المملكة المغربية في أعلى قائمة الدول العربية المساندة لفلسطين بالمال والمآل، أعلى من دول البترول، فيما لم يسجل لخصومنا الجيران مقدار التبرع ولو بدينار رمزي، وهذا مثبت في وثائق مؤتمر وزراء الثقافة العرب.
ولأن حرب الذاكرة هي حرب النسيان المبيت الماكر فإن من المأساوي أن نضطر إلى تذكير بعض المنشدين بتاريخ “الهولوكست” العربي الممارس على فلسطين منذ اندلاع القضية الفلسطينية، وبكفاح المغاربة ملكا وشعبا من أجل أن يحقق الفلسطينيون حلمهم المشروع في إقامة الدولة المستقلة على حدود 1967 وفق مقتضيات حل الدولتين المتعارف به أمميا.
إسرائيل العنصرية لا تنكر فقط هذا المسار، بل تمعن في سرقة المفاهيم متمسكة وحدها بالانتماء إلى السامية، والحال أننا كلنا ساميون، وبالتالي فالأحق بتهم اللاسامية هي حكوماتهم المتطرفة التي لا ترى في طعن هذا الانتماء سوى طعن في معنى اليهودية التي احتضنها العرب والمغاربة، ولا حاجة للتذكير بأن زعيم التحرير المغفور له محمد الخامس كان قد رفض التضحية باليهود المغاربة لفائدة حكومة فيشي، ولتسليمهم إلى النازية لأنهم مغاربة مثلنا.
مجمل القول، كفى من سرقة الذاكرة والمصطلحات والمفاهيم.
فلسطين جزء من تاريخنا وتربيتنا وذاكرتنا، ولا يمكن أن نبدل في ذلك تبديلا.
هؤلاء بدلوا. سحقا لهم، أو طوبي !
ليدبروا شأن رؤوسهم..