الرباط-أميمة حدري
في سياق يتميز بتأخر كبير في التساقطات المطرية، ووسط مخاوف من استمرار سنوات الجفاف. تطرح على الحكومة تحديات كبيرة في توفير الموارد المائية، سواء المخصصة للشرب أو للقطاع الفلاحي والصناعي وباقي المجالات المستهلكة للماء.
في هذا الإطار، تحدث الخبير الاقتصادي بدر الزاهر الأزرق لـ”24 ساعة “بشأن انعكاسات هذه الوضعية، وأفق مواجهتها. ودق الأزرق ناقوس الخطر بشأن ندرة الموارد المائية، حيث طالب الحكومة بضرورة التحلي بالشجاعة لمراجعة خارطة المزروعات التي تستنزف الفرشة المائية بالمملكة.
نحن على أبواب سنة 2024 بينما يخيم الجفاف على سماء المملكة، كيف تؤثر هذه الوضعية على الاقتصاد المغربي؟
علاقة الجفاف بالاقتصاد الزراعي بالمغرب، هي علاقة ترابط تام. ونحن نعلم أن المغرب ينقسم إلى مجالين. مجال فلاحة بورية ومجال فلاحة مسقية. فالفلاحة البورية تحتل مساحات شاسعة تقوم أساسا على زراعة الحبوب بالإضافة إلى الزراعات الجبلية. مثل اللوز والتين والكروم وغيرها وفي معظمها هي زراعات معيشية أو ذات مردود ضعيف إلى متوسط. لأنها ترتهن إلى التقلبات المناخية. وبالتالي فإن الفلاحة البورية، هي التي تهوي بالإنتاج المغربي من الحبوب، على اعتبار أنه لا يمكن التحكم في التساقطات المطرية.
وهذا بدوره يؤثر على الاقتصاد المغربي ككل على اعتبار أن القطاع الفلاحي كان ولا يزال أحد أهم الركائز الأساسية في الاقتصاد المغربي سواء من ناحية التشغيل أو من ناحية نسبة المساهمة في المشهد الاقتصادي ككل.
ماذا عن الزراعات في المجالات الفلاحية السقوية؟
من حسنات سياسة السدود التي انتهجها المغرب، أنه تم خلق أحواض سقوية كبرى سواء بسوس أو باللوكوس أو تانسيفت أو سبو أو ملوية و غيرها من الأحواض. ما مَكَّن المغرب من تأمين حاجياته واكتفائه الذاتي على الأقل من الخضر والفواكه، وجزء من المنتجات الغذائية الأساسية التي يحتاجها المغاربة. وهذا ما يفسر كيف أدت الاضطرابات المناخية، إلى لعب دور كبير في اضطراب الإنتاج الزراعي في المغرب. وبالتالي وضع المملكة في مواجهة عدة تحديات، منها كيف يمكن ضمان استقرار الاقتصاد المغربي. المرتبط أساسا بالقطاع الفلاحي، والذي تتحكم فيه الاضطرابات المناخية. وكيفية مواجهة هذه الاضطرابات، خصوصا وأن مناخ المغرب بدأ يتحول شيئا فشيئا، إلى مناخ جاف قليل التساقطات. هذا الأمر أصبح معطى بنيوي، وبالتالي حتم على الحكومة التعاطي مع الاقتصاد الزراعي، من خلال اعتبار عدم انتظام التساقطات، قد أصبح هو القاعدة وبالتالي يجب التفكير في حلول مستدامة.
الأكيد هو أن المتضرر الأول من توالي سنوات الجفاف هو الفلاح. ما هي التدابير المتخذة من طرف الحكومة لتخفيف تأثير هذه الوضعية على الفلاحين؟
هناك توجه لدى الحكومة يهدف إلى إقرار دعم الفلاحين في المناطق المتضررة، منهم من يمارس الرعي وتربية الماشية، من خلال خفض أسعار الأعلاف. وتوفير الحبوب والبذور والمساعدة في حفر الآبار، مع توفي آليات ترشيد السقي، مثل السقي التنقيط. وهي توجهات قد أعطت ثمارها في مجموعة من المناطق.
وبالتالي يجب على الدولة أن تتكلف بجزء من التكاليف، مع تطوير منظومة التأمين من أجل حماية الفلاحين من الأضرار الناجمة. التي يمكن تلحق بمزروعاتهم وماشيتهم، سواء تلك التي قد تحدث بسبب الفيضاناتن والبرد أو قلة التساقطات والجفاف.
هل يمكن أن تؤدي التقلبات إلى تغييرات في سوق العمل وفقدان العديد من الأشخاص عملهم؟
بطبيعة الحال، لأن الفلاحة توفر عملا موسميا، وأي تأثير عليها يهدد فرص الشغل بهذا القطاع. ولهذا وجب التفكير في توفير مناصب شغل مستدامة عبر خلق مقاولات قروية.
في ظل كل هذه المؤشرات، كيف تبدو وضعية الفرشة المائية بالمغرب، وهل نحن مقبلون على وضع أسوأ؟
المياه الجوفية وبحسب التقارير الواردة، تعرضت لاستنزاف كبير. وهو ما يتطلب تدابير عاجلة وصارمة عبر مراجعة خارطة المزروعات التي تستنزف الفرشة المائية، خصوصا بأكادير ومراكش. بالإضافة إلى الدفع باتجاه ترشيد استعمال الماء، من أجل الحفاظ على مناصب الشغل والتعاونيات والمقاولات الفلاحية. لعبة التوازنات صعبة، وعلى الحكومة أن تتحلى بالشجاعة للبث في هذا الموضوع. لأن الأمر خطير خصوصا وأن المغرب، وصل إلى مستويات قياسية على مستوى تراجع الفرشة المائية. وفي حال استمر الوضع على ما هو عليه. فمن الممكن أن نصل إلى مرحلة نضوب المياه بشكل كلي. وبالتالي اندثار الفلاحة في بعض المناطق. الأمر الذي قد تترتب عنه عواقب اقتصادية وخيمة على هذه المناطق وعلى المغرب ككل.
لذلك فإنه أصبح من المهم اليوم، إنشاء محطات لتحلية مياه البحر، خصوصا في المناطق القريبة من السواحل. ونموذج محطة أكادير، يبرهن كيف ساهم هذا المشروع، في إنقاذ المنطقة من التصحر. ومن أن تصبح منطقة جرداء وقاحلة، بعد أن هوت نسبة المياه الباطنية والجوفية لمستويات قياسية. فمحطات تحلية البحر، هي جزء من الحل للحفاظ على المناطق السقوية الكبرى. في ظل تراجع حقينة السدود، في بعض المناطق إلى أقل من 10%.