الرباط-سناء الجدني
قطع المغرب أشواطا كبيرة في تحديث المنظومة الأمنية، مكنته من أن يتبوأ موقعا رياديا ليس فقط على المستوى الاقليمي، بل صار يلعب دوراً حاسما على الصعيد العالمي، خصوصاً في قضايا ذات الشأن المشترك مثل الإرهاب والجريمة العابرة للقارات وتهريب المخدرات ومكافحة مافيا الهجرة.
لذلك، لا غرابة أن تنال المملكة المغربية شرف تنظيم احتضان أشغال الدورة الثالثة والتسعين للجمعية العامة للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية ”أنتربول”، والمقرر تنظيمها بمدينة مراكش خلال سنة 2025.
ودفعت ريادة المغرب في المجال الأمني – خلال السنوات الأخيرة- المشاركون في الدورة الحالية لمنظمة الأنتربول المقامة بالعاصمة النمساوية فيينا، والذين يمثلون 196 دولة عضو، إلى تجديد الثقة في المملكة المغربية، وفي مؤسساتها الأمنية، ومنحوها شرف تنظيم واحتضان فعاليات الجمعية العامة للأنتربول في دورتها الثالثة والتسعين المقررة في عام 2025.
وقد حظي التصويت على ملف المغرب لاحتضان الدورة الثالثة والتسعين للجمعية العامة لمنظمة الأنتربول، بإشادة عالية مقرونة بتصفيقات ممثلي الدول الأعضاء ومندوبي المنظمات الإقليمية والدولية ذات الصلة، وذلك باعتباره بلدا آمنا وشريكا جادا وموثوق فيه في الجهود الدولية لتعزيز الأمن والاستقرار.
خبرة المغرب الأمنية مطلوبة عالميا
صارت العديد من الدول، عبر العالم، تطلب خبرة المغرب، بل ويد المساعدة الأمنية والتنسيق في عدة ملفات سواء لمبحوث عنهم في قضايا إجرامية أو تقديم معلومات استباقية للتخطيط بتنفيذ عمليات إرهابية، كما الشأن في إسبانيا وأيضا ألمانيا مؤخرا، والتي جنبتهما معلومات استخباراتية مغربية من حمام دم حقيقي.
لذلك، نسمع كثيرا عن قدوم كبار المسؤولين الأمنيين إلى الرباط، من أجل عقد مباحثات مع نظرائهم المغاربة، كان آخرهم، قيام، قبل يومين فقط، وزير العدل البلجيكي، والمديرة العامة بالنيابة لجهاز أمن الدولة ببلجيكا، بزيارة عمل إلى المملكة المغربية، حيث عقدا لقاء مع المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني عبد اللطيف حموشي، قصد النظر في التعاون الأمني المشترك لمواجهة التحديات والتهديدات المتنامية المرتبطة بالخطر الإرهابي والجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية.
وجاء شرف تنظيم هذا الحدث الأمني الهام، بعد أن أثبتت المنظومة الأمنية المغربية خبرتها وحيوتها في التعاطي مع التهديدات المتنامية، سواء تعلق الأمر بأنشطة العصابات المنظمة بمختلف أشكالها، أو ما يرتبط بالتنظيمات الإرهابية والمتطرفة المتربصة بأمن واستقرار العالم.
على مدى سنوات طويلة، ولاسيما بعد أحداث 11 شتنبر بالولايات المتحدة، تحول المغرب إلى وجهة استراتيجية لدى الأجهزة الأمنية الدولية من أجل مساعدتها على مواجهة مخاطر التنظيمات الإرهابية.
وهنا نتذكر عددا من اللحظات التي قدم فيها المغرب معطيات دقيقة جدا مكنت من إحباط عمليات إرهابية وشيكة..ونتذكر أيضا كيف تمكنت المصالح الأمنية المغربية من توفير معلومات استخباراتية قادت إلى توقيف متورطين في أحداث إرهابية في أوروبا.
كل هذه الجهود بوأت المغرب الصدارة في التعاون الأمني، فباتت أكثر الأجهزة الأمنية خبرة عبر العالم تطرق باب نظيرتها المغربية من أجل مساعدتها على مواجهة مخاطر الجريمة الإرهابية والعابرة للحدود.. هذا الدور برز بشكل جلي في ظل هذه المرحلة التي يقود فيها عبد اللطيف حموشي الأجهزة الأمنية المغربية..فالرجل الذي خبر العمل الاستخباراتي، باتت خبرته تحظى بإشادة كبار المسؤولين الأمنيين عبر العالم، وعلى رأسهم مسؤولو الأجهزة الأمنية الأمريكية…
هذا الاعتراف استحق عليه رجل المنظومة الأمنية المغربية، توشيحين من طرف إسبانيا في سنتي 2014 و2018، وذلك اعترافا بجهوده الكبيرة..هذه الجهود التي تمثل في عمقها جهودا من أجل أمن واستقرار أي إنسان كيفما كانت جنسيته أو مكان إقامته، ويكفي أن نتذكر كيف مكنت عدد من المعلومات الاستخباراتية الدقيقة إلى تجنب أحداث دامية.
تجربة غير مسبوقة في عهد محمد السادس
اليوم تقود الأجهزة الأمنية المغربية، تحت التوجيهات الملكية السامية، تجربة متميزة وغير مسبوقة على مستوى الأداء الأمني، لترسخ بذلك دور المغرب كفاعل دولي أساسا في السلم والأمن الدوليين. فالمغرب يشتغل على أكثر من واجهة، إن على مستوى عمليات حفظ السلام، أو من خلال هذه الجهود الكبيرة التي تبذلها الأجهزة الأمنية مساهمة منها في أمن عدد من الدول الصديقة والشقيقة.. إنها الدبلوماسية الأمنية بمفهومها المعاصر.
هذه الدبلوماسية الأمنية تم تنزيلها على أرض الواقع من خلال لقاءات مباشرة وتعاون وتنسيق دقيق مع أكبر الأجهزة الأمنية عبر العالم. وهنا نتذكر اللقاء الذي جمع عبد اللطيف حموشي بمايك بومبيو سنة 2019. فبالنظر إلى أن الأمن القومي يمثل أولى الأولويات الإدارة الأمريكية، كانَ لافتا لقاء وزير الخارجية الأمريكي بعبد اللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني، بمقر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني.
وبعيد هذه الزيارة، غرد مايك بومبيو، على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” معربا عن “ابتهاجه بلقاء عبد اللطيف حموشي، المدير العام لمديرية الأمن الوطني”، مشيرا إلى أن “اللقاء كان مهما للتعاون بين البلدين لمكافحة الارهاب، وتعزيز السلم والأمن”. رسالة تعبر عن التقدير الأمني الأمريكي لقوة المدرسة الاستخباراتية المغربي، ذلك أنه لم يسبق لمسؤول أمريكي بهذا الحجم أن اجتمع بمسؤول أمني في أي دولة من الدول العربية أو الأوروبية.
وفي الواقع، فإن سياق الاجتماع جاء بالنظر إلى وجود خطر إرهابي كبير في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء تريد الولايات المتحدة الاعتماد على التجربة المغربية للتصدي لهذا الخطر. الأمريكيين يعرفون أن خارطة الجماعات الإرهابية انتقلت إلى منطقة الساحل والصحراء وغرب إفريقيا، لذلك يريدون بناء شراكة أمنية مع المغرب للتصدي لهذا الخطر.
وفي إطار التراكم الدبلوماسي والحرص الأمريكي على الاستفادة من التجربة الأمريكية، قام عبد اللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، على رأس وفد رفيع، بزيارة عمل إلى الولايات المتحدة الأمريكية يومي 13 و14 يونيو الجاري، استأثرت باهتمام بالغ نظرا لأهميتها في تعزيز أواصر التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين.
وتميزت زيارة حموشي بإجراء جلسات عمل ومباحثات مع كل من أفريل هاينز، مديرة أجهزة الاستخبارات الوطنية، وويليام بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، وكريستوفر راي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، تناولت مختلف التهديدات الأمنية والمخاطر المستجدة على الصعيدين الإقليمي والدولي والآليات والسبل الكفيلة بمواجهتها.
هذه الزيارة لم يكن لتمر دون أن يتم تنزيل مخرجاتها. وهكذا، استقبل عبد اللطيف حموشي، زوال أمس الاثنين بالرباط، أفريل هاينز مديرة أجهزة الاستخبارات الوطنية بالولايات المتحدة الأمريكية. وجاء هذا الاستقبال كتتويج وتنزيل لمخرجات اللقاء الثنائي رفيع المستوى الذي سبق أن جمع عبد اللطيف حموشي بالمسؤولة الأولى عن تجمع أجهزة الاستخبارات الوطنية الأمريكية السيدة أفريل هاينز، على هامش زيارة العمل التي أجراها للولايات المتحدة الأمريكية خلال يومي 13 و14 يونيو 2022.
كل هذه الزيارات تؤكد أن المنظومة الأمنية المغربية باتت تلعب أدوارا متقدمة في السياسة الدبلوماسية للمملكة، ومنها الدبلوماسية الأمنية. ومن ذلك نذكر اللقاءات التي جمعت عبد اللطيف الحموشي بكبار المسؤولين الأمنيين من إسبانيا وألمانيا وإسرائيل. فالمغرب بات لاعبا أساسيا في معادلة الأوروبي، وهو أمر تفهمه جيدا مختلف الدول وعلى رأسها إسبانيا التي تربطها بالمغرب ملفات شائكة، تتعلق بمحاربة الإرهاب والهجرة والمخدرات والجريمة المنظمة بمختلف أشكالها، ما يجعل كل لقاءات وزيارات كبار مسؤوليها إلى المغرب لا تفوت فرصة السعي إلى تقوية العلاقات الأمنية بين البلدين.