عادل الزبيري
أتمنى سنة ميلادية سعيدة وجديدة 2024، لكل أهلنا في فلسطين، مع الدعوات إلى الله أن تتوقف آلة القتل الإسرائيلية.
وأتمنى أيضا عاما ميلاديا جديدا وسعيدا لكل سكان المناطق المنكوبة بالزلزال في المغرب.
يبقى زلزال إقليم الحوز الحدث الأبرز في المغرب، في العام 2023، لأنه زلزال مدمر ضرب إقليمين مغربيين اثنين جبليين أساسا، هما الحوز وشيشاوة، وامتدت آثاره إلى إقليم مجاور هو تارودانت، وصولا إلى جزء ولو صغير، في إقليم أزيلال وفي إقليم تنغير.
هذا الحدث الإنساني ترك في قلبي مكانا عميقا، بعد أن قضيت أياما طويلة بلياليها، في حضن مخيمات الناجين، عناقات إنسانية عفوية، وصداقات تكونت من رماد ما تركه أكبر زلزال مدمر في تاريخ المغرب الحديث.
قاومت في يوميات التغطية الصحافية، بين القرى المنكوبة، صعوبات الطرق الجبلية المعبدة وغير المعبدة، ناور السائق بوعزة بمهارة كلما تهاوت بقربنا حجارة كبيرة الحجم، إثر هزة ارتدادية.
صبر المصوران الشابان يونس ونهار في وصل لليل بالنهار باحترافية، في نقل بالقلب وبالعين عبر الكاميرا لكل التفاصيل في هذه الفاجعة، بينما أبقى بوعزة عينيها تراقب تحركاتنا بين الركام في كل قرية منكوبة.
أعترف أنني سقطت مرتين اثنتين على الأقل، في قريتين، ولم تكن الإصابة موجعة، ربما لأن مفاصلي تعودت على الوجع.
قاومت هزات ارتدادية شعرت بقوتها على الأقل مرتين اثنتين، على المباشر/ LIVES، حبست مرارا دموعي عند سماع تفاصيل قصص الموت والنجاة، اختبئت بعيدا عن الانظار لأتخلص من دموع فيظ من محبة هذه الأرض المغربية المباركة.
في الساعات الأولى من يوم لم تشرق شمسه بعد، تغادر سيارة الفريق مدينة مراكش، في اتجاه أحد قمم سلسلة جبال الأطلس الكبير، لأن البطاريات الكبيرة الحجم، تحتاج تيارا كهربائية قويا ومستقرا.
للوصول إلى إثنين مغوسة في أداسيل في إقليم شيشاوة، أو إلى تلات ن يعقوب في إقليم الحوز، لا تتوقف السيارة البيضاء اللون، إلا إذا رن هاتف طلب المباشر من غرفة الأخبار.
لم يعد للنوم أي حاجة، ولم يعد للراحة أي معنى بعيدا عن التفقد اليومي، لهؤلاء المغاربة الصامدين الحامدين أمام هول دمار الزلزال، الناظرين لبيوتهم التي حولها الزلزال إلى مجرد أطلال.
كلما كلمني صديق من قريب أو بعيد، دخلت معه في صلب الترافع لاقناعه بالقدوم مع أكبر كمية ممكنة من المساعدات، هنا مغاربة ينتظرون كل شيء، وينتظرون أي شيء، من خبز إلى ماء، إلى خيام إلى دواء، لأن المناطق المنكوبة بالزلزال توقفت فيها الحياة، الناس في حزن جماعي، على الأرواح التي اختارها الرحمن إلى جواره، وفي حزن على كل ما ضاع، من زريبة الأنعام ومن منازل، بعضها معمر منذ قرون.
كان المصور يونس يقف لساعات طويلة في مباشر لا يتوقف، في نوافذ مستمرة على شاشتي العربية والحدث لنقل نبض الحياة من المخيمات التي انتشرت بسرعة، ومن ركام القرى والتنازل التي أصبحت شاهدا فقط على الذين عاشوا هنا.
في بلدة أمزميز في صباح صيفي من شهر سبتمبر/ شتنبر، لقاء إنساني صباحي باكر، مع مواطن مغربي نجى بأعجوبة مع عائلته، اهتزت الأرض بقوة ليلا، هوى منزل من ثلاث طوابق، المعجزة الربانية حمت العائلة بكامل أفرادها.
بعد أن روى لي الناجي قصته على المباشر، أمسك بيدي بقوة، جرني إلى خيمته، أحضر شايا، وخبز وزيت زيتون، خاطبني أنت منا، كيف لا أحب هؤلاء القوم، ينسون أفجاعهم، ويتقاسمون معك كل ما لديهم، ولما تأكل وتهم مغادرا، يجددون الدعوة، أو يؤكدون على العودة للغذاء أو للعشاء.
أخرج زلزال إقليم الحوز أجمل ما في المغاربة، المنكوبون الكرماء، والمغاربة الأسخياء، ملحمة مغربية بامتياز ما عشتها طيلة 20 عاما، طفت فيها المغرب في كل الاتجاهات، ما دمر الزلزال إلا المباني أما الأرواح المغربية فبينت أن معدنها أصيل ونفيس ونادر.
عندما اقتربت السيارة من قرية تشديرت في أعالي بلدة آسني في إقليم الحوز، توقف المحرك عن الدوران، لأن السيارة تعبت من هذه المنعرجات الجبلية، توقفنا نتأمل هذه الأعالي، عثرت عيناي على منبع مائي فياض من الجبال، شربت إلى أن ارتويت، أطلت النظر وأنا في سقف المغرب واقف.
تغادرنا سنة 2023، بعد زلزال الثامن من شتنبر المغربي، قصة إنسانية مغربية، ستبقى في ذاكرة الأجيال المغربية.