الرباط-أسامة بلفقير
يشكل الاجتماع الذي عقده، أمس الخميس وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، ستافان دي ميستورا، نقطة نظام صارمة من أجل ضبط موازين تحركات المبعوث الأممي، وإعادة المسار الجاري إلى سكته الصحيحة، بعد انزياحه في الفترة الأخيرة عن الضوابط التي تؤطر الملف أمميا.
لقد رفع المغرب، خلال هذا الاجتماع، “لاءاته الثلاث” أمام مبعوث غوتيريش للبحث عن حل دائم، سياسي ومقبول لدى جميع الأطراف. وتتمثل هذه “اللاءات” في:
1. لا عملية سياسية خارج إطار الموائد المستديرة التي حددتها الأمم المتحدة، بمشاركة كاملة من الجزائر؛
2. لا حل خارج إطار المبادرة المغربية للحكم الذاتي؛
3. لا عملية سياسية جدية، في وقت ينتهك وقف إطلاق النار يوميا من قبل مليشيات “البوليساريو”.
من الواضح أن تذكير المغرب بهذه الثوابت التي تحكم مسار تدبير هذا النزاع المفتعل ينطلق من التزامه القوي وانخراطه في العمل الأممي الذي يتولى الوساطة فيه ستيفان دي ميستورا. فقد حاول المغرب التنبيه، بشكل مبكر وبطريقة دبلوماسية، إلى أمور قد تؤدي مرة أخرى إلى فشل هذه الوساطة، ولذلك سعى إلى حمايتها من كل عوامل الفشل.
إن تأكيد المغرب على أنه “لا عملية سياسية خارج طار الموائد المستديرة التي حددتها الأمم المتحدة، بمشاركة كاملة من الجزائر” هو إشارة واضحة على رفع إشراك أي أطراف أخرى غير معنية بالنزاع ولا تأثير لها في الملف. فأن يتحرك دي ميستورا نحو العواصم الكبرى مثل الولايات المتحدة أو روسيا أو حتى دول كفرنسا وإسبانيا، من أجل الضغط لحلحلة الملف، يمكن فهمه بمنطلقات السعي إلى ممارسة مزيد من الضغط خاصة على الجزائر من أجل نزع العصا التي وضعتها في عجلة المسار الأممي.
لكن التحرك الذي لا يمكن أن نجد له تفسيرا هو أن يتحرك دي ميستورا نحو جنوب إفريقيا مثلا، التي لها موقف معاد للوحدة الترابية الوطنية ولا تأثير لها في مسار الحل الأممي المتوافق عليه. ولذلك، فإن مثل هذه التحركات لا تزيد الملف إلا تعقيدا وقد تدفعه نحو الفشل، في حال اختار دي ميستورا أن يدفع بالمفاوضات نحو مسارات لا يمكن القبول بها.
لذلك، فإن حرص المغرب على التفاوض في إطار الموائد المستدير وبحضور كامل للجزائر هو توجه يعكس رغبة قوية من أجل الوصول إلى حل مع الأطراف المعنية بشكل مباشر مع الملف. والواقع أن هذا التوجه فيه دعم واضح للعمل الأممي، والذي أكد عليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2703 بتاريخ 30 أكتوبر 2023، المتعلق بقضية الصحراء المغربية، والذي يمدد ولاية بعثة المينورسو لمدة سنة، إلى غاية متم أكتوبر 2024.
هذا القرار الجديد يكرس آلية الموائد المستديرة باعتبارها الإطار الوحيد للمسلسل السياسي، لا سيما بمشاركة الجزائر، كطرف معني بشكل مباشر. لكن الأخيرة ترفض الانخراط في هذه الآلية الأممية لاعتبارات منها اقتناعها بأن الموائد المستديرة التي اعتمدتها ال الأمم المتحدة تضع حل نزاع الصحراء المغرب على سكة الواقعية السياسية، وأن ذلك يقود مباشرة إلى اعتماد مبادرة الحكم الذاتي.
إن الجزائر مقتنعة اليوم بأن الانخراط الفعال في المسار الأممي سيقود لا محالة إلى إنهاء النزاع، بينما يسعى نظامها إلى إطالة أمده. لكن واقع المنظومة الدولية اليوم يؤكد أن استمرار النزاع بات يشكل عبئا على المنتظم الدولي، خاصة في ظل وجود ميليشيات “البوليساريو” المدعومة من الجزائر، والتي لها ارتباطات بالجماعات المتطرفة في منطقة الساحل والصحراء، الأمر الذي يجعل الدول الكبرى غير متحمسة لإطالة أمد النزاع لسنوات أو عقود أخرى.
وهنا ينبغي التذكير بكل وضوح بأن المغرب حينما شدد على أنه “لا حل خارج إطار المبادرة المغربية للحكم الذاتي”، فهو ينطلق أيضا من وعي دولي بأن هذا الشكل من النظام هو الذي بإمكانه أن يقود إلى حل “ذكي” ومستدام لهذا الملف. فهذا المشروع يحظى بدعم الأمم المتحدة والدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، فضلا عن إسبانيا التي تعتبر المستعمر التاريخي للمنطقة ولها معرفة ومرجعية تاريخية وقانونية ووثائقية تجعلها مقتنعة بأن الصحراء لا يمكن أن تكون إلا تحت السيادة المغربية..غير أن كل هذه المساعي لا يمكن أن تتم بينما يتم انتهاك وقف إطلاق النار من طرف “الميليشيات”.
إن هذه النقطة التي طرحها المغرب إنما فيها رسالة واضحة للأمم المتحدة لتتخذ قرارات حاسمة في هذا الملف. فالملاحظ من خلال تقارير الأمين العام الأممي أن هناك انتهاكات مستمرة لوقف إطلاق النار، بل إن فرق “المينورسو” لا تستطيع العمل شرق الجدار الأمني، في وقت تبدي القوات المسلحة الملكية تعاونا كبيرا مع البعثة الأممية.
إن أول خطوة في اتجاه عقلنة مساعي البحث عن حل لهذا النزاع تكمن في ابتعاد المبعوث الأممي عن أي مسارات خارج الإطار الواضح للملف. فالأطراف المعنية به واضحة، وهي المغرب والجزائر ثم البوليساريو، مع الانفتاح على موريتانيا باعتبار الدور الذي يمكن أن تلعبه في دعم المسار..أما الانزياح عن هذه السكة فسيكون بطبيعة الحال ضربة لهذا المسار ليس إلا.