24 ساعة-متابعة
على غرار كل ربوع الوطن وبحكم الموقع الجغرافي للمملكة, ظلت منطقة الريف بالشمال المغربي محط أطماع أجنبية وأمبريالية. لكن ساكنتها كانت لها بالمرصاد بفضل رجالاتها ومقاوميها من مثال محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي قاد ثورة لا نظير لها في العالم ضد الاستعمار الاسباني جسدت التلاحم بين المغاربة.
ولتسليط الضوء على هذه المقاومة الوطنية, تقدم جريدة “24 ساعة ” لقرائها بمناسبة شهر رمضان الأبرك فصولا من تلك المعارك الجهادية وتأثيراتها وهي مستقاة من من كتاب ” محمد بن عبد الكريم الخطابي من القبيلة الى الوطن” لمؤلفه الاعلامي ووزير الاتصال الراحل محمد العربي المساري والصادر سنة 2012 عن المركز الثقافي العربي, والذي يجيب عن ” بعض التشويش الفكري الذي يصاحب اليوم المسألة الريفية برمتها. وكما يقول فانه “في زمن الوسوسة بالنعرات يجب أن نستمع الى صوت الخطابي وهو يدعو الى الارتقاء بفكرنا السياسي من نطاق الجزء الى مستوى الكل. من الاقليمية الانعزالية الى أفق الوطن الذي يستوعب الجميع, والذي لا غنى فيه عن أحد” / ص:8/.
الحلقة الثالثة والعشرين : أسلوب الحرب الخاطفة المتحركة
إن هذه النبذة التي يغلب عليها التمجيد لبطولة عسكري كان من الذين صنعوا مجدهم السياسي في ساحات القتال في المغرب، مفيدة رغم ذلك، من حيث كونها تبين كيف أن الجانب الإسباني استعان بأساليب غير كلاسيكية لمواجهة الوضع الذي خلقته حركة بن عبد الكريم في الريف، بما في ذلك سلوك أسلوب الحرب الخاطفة المتحركة وليس فقط أسلوب الحرب النظامية، بالإضافة إلى استغلال التناقضات القبائلية والظروف الاجتماعية لساكنة المنطقة.
والمقصود بهذا أن الجانب الإسباني استعمل في مرحلة من الحرب، نقطة القوة التي كانت هي قوام حركة الخطابي، وهي الحركية الفائقة لفرق صغيرة الحجم ولكنها متمكنة من استعمال تضاريس المكان لصالحها، والتي تمكنها من إنهاء جيش كلاسيكي يتحرك وفق نظرة الحرب النظامية. وتوجد عناصر من هذا التحليل في كتاب نشره ضابطان إسبانيان عن دروس حرب الريف بعنوان “المغرب: العمل العسكري” . (Marruecos la accion militar. Cdte de Villegas. Y cap sanchez Petez) وهو يضم دراستين نظريتين للضابطين المذكورين تدعوان إلى التأمل في نمط الحرب المغربية وهو أمر سها عنه الإسبان، على حد قول إحدى الدراستين، طيلة تحركهم في المنطقة منذ النصف الثاني من التاسع عشر.
ونبه دي فييغاس كاتب أحد البحثين اللذين يضمهما الكتاب، إلى أن العبقرية العسكرية للمقاتل المغربي هي من إفرازات المكان الذي يجبره على إنجاز مهامه بحركية شديدة لها فعالية شديدة. وتلك الحركية هي التي هدت الباحث إلى الكلام عن الحرب بأسلوب “الحروب الصغيرة” . وهذه هي الترجمة الحرفية للعبارة التي شاع استعمالها بلفظها الإسباني في كل اللغات وهي (guerra guerrilas) . وكلمة غيريليا هي تصغير لكلمة حرب بالإسبانية (غيرا). وغيريلياس هنا تستعمل بالجمع. وقد درج الناس على ترجمتها بحرب العصابات. وشاع ذلك رغم أن الأمر لا يتعلق”بعصابات” بل بنمط حرب يقوم على شن سلسلة من حروب صغيرة جد متحركة.
وقال دي فييغاس إن “حركة” عبد الملك جسمت طريقة مبتكرة من جانبه لإنجاز مواجهة تتم في إطار حرب متحركة بأسلوب تلك الحرب المتحركة لا بأسلوب حرب نظامية. وقد قدمت تجربة عبد الملك أجوبة عن أسئلة لم يطرحها الإسبان على أنفسهم طيلة الحروب التي خاضوها بالريف وجبالة. ويريد الباحث أن يقول إن الحرب المغربية كانت هناك حاضرة دائما بمفاهيمها وأساليبها ولكن لم يقع فهمها. “المغاربة أساتذة في حرب الحروب الصغيرة” (دي فييغاس، ص 27 ).
وإذا سلمنا بذلك الطرح الذي قد يصلح لتفسير انتصارات بوحمارة على جيش المخزن الذي كان جيشا نظاميا إلا أنه متخلف. وكذلك يمكن تفسير الهزائم التي ألحقها الريفيون بالإسبان في حرب مليلية الأولى سنة 1898 وحرب الشريف أمزيان، ثم حرب الريف الثالثة التي قادها بن عبد الكريم.
ومن الممكن أن يكون بن عبد الكريم قد امتاز من سابقيه بأنه طور الأساليب التي استعملها أسلافه، ولكن بنضج أكبر في الإعداد والتدبير وبالمزج بين ما هو عسكري وسياسي. ويمكننا أن نعتبر أن تجربة الخطابي تميزت بأن رهاناتها كانت أكثر تعقيدا لأن الظروف التي أطاحت بها، لم تعد مثل ما كان الأمر في السابق مواجهة مع الأجنبي الفاقد للشرعية منذ البداية.
ولقد شملت سمعة الحركة الخطابية كل جهات المغرب, بعد تحقيق الانتصارات المتوالية, وانضمام القبائل في الواجهة المتوسطية واحدة تلو الاخرى للكفاح المسلح , ووصل الصدى فورا الى القبائل المجاورة الواقعة في المنطقة التي آلت الى فرنسا بموجب التقسيم.