ترجمة – عماد مجدوبي
كتب الأستاذ الجامعي الباحث في علم الاجتماع، محمد الطوزي، مقالا تحت عنوان ” بعد ستة أشهر من الزلزال، التحديات المتعددة لإعادة الإعمار”، نشر بمجلة ”جون أفريك”، يستعرض عبره مجموعة من العوامل التي تحول دون إعادة إعمار المناطق التي دمرها الزلزال الذي هز مناطق بالحوز في شتنبر من السنة الماضية.
يقول الطوزي، في نص المقال، إنه بعد إجراءات الطوارئ التي تم تنزيلها بشكل جيد، حان وقت إعادة الإعمار. مرحلة تكشف عن الصعوبات التي تواجهها السلطات العمومية في جعل الجهات الفاعلة تعمل بشكل مناسب.
إنه أكثر الزلازل عنفا في تاريخ المغرب. مأساة جماعية رهيبة، سلطت الضوء على بعض الاختلالات، لا سيما فيما يتعلق ببناء المعايير والثقافة السياسية وعدم المساواة، يقول الباحث المغربي، مضيفا أن هذه المأساة كشفت أيضا عن العديد من الحقائق، وأظهرت وجود مؤسسات تفاعلية ونشيطة إلى حد ما، ومجتمع مدني قوي. وكانت أيضا فرصة لإظهار السيادة والتضامن الذي يصعب فهمه في الخارج.
التكنوقراط بين الجهل والازدراء
يرى الطوزي أن زلزال الحوز، كشف النقاب عن نقص حقيقي في المعرفة بواقع العالم القروي بشكل عام والأطلس الكبير بشكل خاص. طرح بعض المسؤولين أسئلة سخيفة تجمع بين الجهل والازدراء. لقد شككوا في إمكانية العيش وسط الجبال في مناطق يتعذر على سياراتهم الوصول إليها ومكلفة للمخطط. وذهبوا إلى حد عرض لم شمل الأسر المتضررة في المخيمات أثناء انتظارهم لنقلهم إلى مواقع جديدة.
يضيف الطوزي: ”كانت مقاومة السكان لفكرة الابتعاد عن منازلهم، ولو مؤقتا، وبيان مجلس الوزراء الذي يصر على أهمية الاستماع باستمرار إلى السكان المحليين، بمثابة حجج للريفيين لثني بعض التكنوقراط وجعلهم يغيرون وجهة نظرهم”.
بعد إجراءات الطوارئ التي تم تنفيذها بشكل جيد إلى حد ما، حان الوقت لإعادة الإعمار. وتكشف هذه المرحلة، التي تندرج في نطاق السياسة العامة، عن حدود عمل الدولة والصعوبات التي تواجهها في “التنفيذ” في إطار مؤسسي محدد جيدا وفي جعل الجهات الفاعلة من مختلف المجالات تعمل: المهندسون المعماريون ورجال السلطة والمسؤولين المنتخبين والمجتمع المدني.
الضرورات الأمنية
إن التأخير في إنشاء وكالة لتنمية الجبال، يسترسل الطوزي، ترك مجالا للتدخلات القطاعية التي تعرف منطقا محددا. ويتعرض رؤساء الجماعات المتضررة من الزلزال وخدمات الدولة اللامركزية المسؤولة عن المناطق لضغوط. إن مفهومهم للأداء والكفاءة تحكمه الضرورات الأمنية، خاصة وأنهم تحت القوة الكاملة لضغط الرأي العام حيث تجمع الشبكات الاجتماعية بين الدراما والأخبار المزيفة لتعزيز نموذج اقتصادي يعتمد على عدد ”اللايكات”. ونتيجة لذلك، لا تأخذ الإدارات الوقت الكافي للتعامل معها على أساس كل حالة على حدة وللتشاور مع السكان المعنيين.
يقول الطوزي أيضا: ”شكلت إعادة الإعمار تحديا للمهندسين المعماريين. أولئك الذين هم من بين الأكثر حساسية للبعد الثقافي لمهنتهم والمسلحين بميثاق المهندس المعماري الذي وضعه الخطاب الشهير للحسن الثاني في 14 يناير 1986 ، والذي أصبح منذ ذلك الحين يوما وطنيا، غير قادرين على تحقيق رؤيتهم الجمالية وندائهم على الفضائل المضادة للزلازل لأساليب بناء الأجداد في الأرض أو الحجر المحلي الذي يعتبره التكنوقراط قديما ولا يمكن الاعتماد عليه”.
في مواجهة القضايا المنهجية، تتعامل السلطات المسؤولة عن إعادة الإعمار مع القضية كما لو كانت مسألة إعادة إسكان الأفراد في أسرع وقت ممكن. غالبا ما يكون هناك ميل للمضي قدما وفقا لخطة قياسية لا تأخذ في الاعتبار النشاط الزراعي الرعوي والتغيرات المورفولوجية الجارية، حسب ذات الباحث دائما.
التوفيق بين التقاليد والحداثة
الجبال المغربية منتجة للموارد الاستراتيجية، بالإضافة إلى المياه، تضمن المزارع العائلية الصغيرة على أطراف دائرة الأعمال الزراعية اكتفاءها الذاتي من الحبوب وتزود المدن والمراكز الصغيرة بلحوم الأغنام الحمراء والماعز والفواكه المجففة. الجبال هي أيضا منتجة للمعرفة في الهندسة الاجتماعية. وقد عززت قوة المجتمعات التي شكلتها بيئة معادية مهاراتها في الإدارة الجماعية والمداولات والتكيف وإدارة الصراعات. إعادة الإعمار هي فرصة حقيقية للاستفادة منها ورسم طريقنا إلى الحداثة.
من الضروري، وفق السوسيولوجي ذاته، النظر في إجراءات البناء في إطار الدوار (القرية). للدوار كل خصائص المدينة بالمعنى السياسي للكلمة، بقدر ما تصبح حقيقة اجتماعية وسياسية فقط عندما يكون لديها مرافق معينة يديرها بشكل جماعي أرباب الأسر المجتمعون في التجمع (مكان العبادة والمقبرة). هناك أكثر من 47000 مساحة معيشة تجمع بين الإدارة التقليدية، تدير الأراضي الجماعية وشبكات الري والمسجد والجمعيات الجديدة التي يقودها تلاميذ المدارس الصغار والذين يهتمون بمياه الشرب أو تطوير الملاعب الرياضية أو العلاقات مع المانحين الأجانب.
إن إعادة البناء، وفق الطوزي، تعني استعادة هذا النظام البيئي المعقد برمته دون إهمال التغييرات الجارية: التآكل النسبي للتضامن، والتغيير في أساليب الاستغلال التي تتأثر بقلة اليد العاملة بسبب تعليم الفتيان والفتيات الذين ينجذبون للعمل في المدن الكبرى. إن تربية الماشية على نطاق واسع أو بناء المدرجات مكلفة للغاية ،كما أن الأعمال المنزلية لجلب المياه والخشب غير مقبولة الآن. يجب أن يؤخذ في الاعتبار مفهوم جديد للصعوبة والراحة المتأثرين بهيمنة المعايير الحضرية. ظل الارتباط بالأراضي سليما، بالإضافة إلى عدد السكان الذي لا يزال كبيرا، فإن العودة ممكنة إذا أخذنا في الاعتبار مسؤولية المغاربة تجاه هؤلاء السكان وإذا تم استعادة الأراضي من خلال كونها جزءا من حداثة متصالحة يصبح فيها سكان الأطلس الكبير حاملي لواء رؤية مسؤولة بيئيا للعالم.