محمد شقير
ما زال المشهد السياسي بالمغرب يعاني من تفشي النزعة الشعبوية التي لم تؤد فقط إلى تفشي ميوعة الخطاب السياسي وتنابز بعض زعماء الأحزاب بالألقاب والنعوت القدحية وتهجم بعض القيادات الحزبية على بعض المؤسسات الدستورية، بل شملت أيضا الممارسة البرلمانية . فبعدما دعا حزب العدالة والتنمية، على لسان رئيس مجموعته النيابية عبد الله بوانو إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، لجأت المعارضة البرلمانية إلى الانسحاب الجماعي من أشغال جلسة الأسئلة الشفهية لمجلس النواب، مساء اليوم الإثنين،8 يوليوز 2024 احتجاجا على رفض الحكومة التفاعل مع طلبات التحدث في موضوع طارئ وعام يتعلق بمستجدات امتحانات كليات الطب والصيدلة. في حين سبق لكل من الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن لوح بملتمس الرقابة ليعقبه بعث الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية برسالة مفتوحة لرئيس الحكومة يسائله عن حصيلة حكومته في نصف ولايتها بعدما أسهب هذا الأخير في طرحها أمام أنظار الفرق النيابية تحت قبة البرلمان وتمت تغطيتها من طرف وسائل الاعلام الرسمية.
القيادة الاتحادية ونهج الاثارة الدستورية
دعا المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في اجتماعه ليوم الثلاثاء 5 شتنبر 2023، إلى ضرورة إجراء تعديل يمكنه من الانضمام إلى حكومة أخنوش وهي في منتصف ولايتها بعدما طالب بالانضمام إليها وهي في بداية تشكلها .ليقوم في اجتماع مجلسه الوطني المنعقد في27 يناير2024 بالمطالبة بإسقاط نفس الحكومة التي كان يرغب في الانضمام إليها من خلال التلويح بملتمس رقابة؟؟؟ !! .الشيء الذي يفضي إلى التساؤل عن الدواعي التي دفعت بقيادة هذا الحزب إلى نهج هذا التحول في الموقف السياسي من النقيض إلى النقيض . وبالتالي فتلويح قيادة الحزب بملتمس الرقابة لإحداث رجة داخل المشهد السياسي، يمكن تأويله من جهتين:
-الأولى اعتبار هذا التلويح آخر محاولة تقوم بها القيادة الاتحادية للضغط على رئيس الحكومة لضم هذا الحزب إلى حكومته تفاديا لأي إزعاج سياسي مقبل وذلك من خلال تعيين بعض قيادييه في بعض القطاعات الوزارية.
– الثانية اعتبار هذا التلويح بمثابة شعرة معاوية التي قطعها الحزب مع الحكومة ، وإشارة سياسية على دخول الحزب في تنافس انتخابي محموم في أفق الاستحقاقات القادمة التي ستجرى بعد سنتين الشيء الذي قد يتماشى مع رغبة صانع الخرائط السياسية المقبلة التي تتطلب إيجاد بديل سياسي يمكن أن يؤثث المشهد السياسي المقبل.
القيادة التقدمية والبحث عن البوز السياسي
بالرغم من تدخل الفريق البرلماني لحزب التقدم والاشتراكية في شخص رئيسه ليسجل موقفه من الحصيلة التي قدمها رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان. واستخدام حقه الدستوري كاملا وباسهاب في تسجيل انتقاداته اللاذعة والقوية لحصيلة الحكومة في نصف ولايتها التي قدمها رئيس الحكومة ودافع عنها ، بعث المكتب السياسي للحزب برئاسة أمينه العام رسالة مفتوحة لنفس الرئيس الذي سبق أن قدم هذه الحصيلة أمام البرلمان مبررا ذلك بتمادي الحكومة، “بإصرارٍ واستعلاءٍ، أثناء مناقشة هذه الحصيلة، في الادعاءِ بتحقيق كل انتظارات المغاربة، وفي اعتمادِ خطابٍ مُفرطٍ في التعبير عن الارتياح والرضى عن الذات، خطابٍ غابت عنه، بشكلٍ مُقلق، الموضوعيةُ، وافتقَدَ إلى التواضع والنقد الذاتي.” ليعدد أبرز عشرةٍ أسباب تبرهن بالدليل الملموس على فشل الحكومة في النصف الأول من الولاية التشريعية. مما يظهر بأن الغاية من هذه الرسالة هو خلق نوع من البوز السياسي ومحاولة التشويش على الحكومة وإحراجها أمام الرأي العام.
قيادة حزب العدالة والتنمية واسترجاع الثقة الشعبية
دعا عبد الله في الاجتماع الأسبوعي للمجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية المنعقد يوم الاثنين 08 يوليوز 2024، ” لانتخابات سابقة لأوانها” مبررا ذلك بما يلي:
-ممارسة ديمقراطية، تعلي من قيمة المواطنين، ومن أهمية ثقتهم في الأحزاب والحياة السياسية”.
– الرفع من قيمة ثقة الشعب، التي جعلت بريطانيا وفرنسا، تعرفان انتخابات برلمانية مبكرة، خلال الأيام الماضية” معتبرا أن “قيمة ثقة الشعب هي التي جعلت بريطانيا وفرنسا، تعرفان انتخابات برلمانية مبكرة، خلال الأيام الماضية، مبرزا أن حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا، رجع إلى الشعب بعدما فقد ثقته في الانتخابات المحلية، وكذا حزب الرئيس ماكرون في فرنسا، رجع إلى الشعب بعدما مني بهزيمة في انتخابات برلمان أوروبا، ولم يجدا أي حرج في العودة للشعب”.
– فقدان حكومة أخنوش ل”ثقة المواطنين”نظرا لانها”ارتكبت أخطاء كبيرة، نتج عنها أزمات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، في جميع القطاعات”، “.فالحكومة الحالية، في نظره تسيّر الشأن العام الوطني بدون ثقة المواطنين، وارتكبت أخطاء كبيرة، نتج عنها أزمات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، في جميع القطاعات”إذ “لم يخلُ أي قطاع من الاحتجاجات والاضرابات، ولم تقم بأي إجراءات ناجعة خاصة في مجال دعم القدرة الشرائية التي انهارت بسبب ارتفاع التضخم، بالإضافة إلى تفاقم مؤشرات الفساد وتضارب المصالح، وتزايد نسبة البطالة، وتراجع المؤشرات الاقتصادية، خلال النصف الأول من ولايتها”.
وعلى الرغم من محاولة بوانوا أن ينفي عن هذه الدعوة أي طابع سياسي، حيث أشار بأنه لا يحكمها أي منطق حزبي، أو محاولة لإرباك الحكومة، فهي تعتبر بالإضافة إلى كونها تكرارا ، لدعوة سبق للأمين العام لحزب العدالة والتنمية أن وجهها للملك محمد السادس في فبراير 2022 ل”تنظيم انتخابات مبكرة كما حدث في عام 2011″ ، دعوة شعبوية بالأساس مادام أنها لا تعتمد على أية مقاربة سياسية تأخذ بعين الاعتبار شروط الظرفية السياسية التي تتميز لحد الآن بانسجام الأغلبية الحكومية ومواصلتها العمل بتوافق على إنجاز وعودها الانتخابية ومضامين برنامجها الحكومي. في الوقت الذي ما زال فيه الحزب الذي تصدر الانتخابات لولايتين لم يتعافى من نكسته الانتخابية ومازال لا يتوفر حتى على فريق برلماني عادي.
من هنا يبدو أن لجوء بعض مكونات المعارضة البرلمانية سواء من خلال التلويح بملتمس الرقابة أو بعث رسائل مفتوحة ، أو المطالبة باجراء انتخابات مبكرة تماهيا مع تجارب ديمقراطية أجنبية عريقة ومتأصلة ، يعكس عمق الضعف السياسي الذي تعاني منه مكوناتها . حيث بدل أن تبلور هذه المعارضة خارطة طريق واضحة ومنسجمة لمواجهة القوة العددية والانتخابية التي تتمتع بها الأغلبية الحكومية تنخرط بعض أحزابها منفردة في ممارسات هي أقرب إلى الشعبوية السياسية منها إلى ممارسة معارضة برلمانية رصينة بآلياتها الرقابية وزخمها السياسي.بل يبدو أن تحكم هذه النزعة الشعبوية قد دفع بالمعارضة البرلمانية إلى الانسحاب من جلسة لمجلس النواب بدعوى عدم استجابة وزير لحضور جلسة مناقشة قضية إضراب الطلبة في لي صارخ لبنود النظام الداخلي للبرلمان مما جعل بعض نواب الأغلبية ينعت هذا التصرف بالمزايدة الشعبوية.