عبدالله حرمة الله
فلله دري يوم أترك طائعا
بني بأَعلى الرقمتين وماليا
رسم صمود الشناقطة، بوجه مزاج الطبيعة المتقلب وغطرسة المستعمر، حالة استثنائية في مسار شعوب الصحراء الكبرى، لحد انتزاع وصف مرابعهم، في قاموس المحتل” أرض الرجال”. أودعو حماس رجولتهم الورع و الشعر ورفض الضيم، وما يليق من حياة الأفاضل.
من رحم تاريخ المرابطين وتراث إمارات شنقيط، استل رجال التأسيس قوة النهوض بالدولة الحديثة، وقدرة الدفاع عنها في ظروف استثنائية، لتولد الجمهورية الإسلامية الموريتانية، بقبائلها وأعراقها، متصالحة و موحدة، محترمة و مكتملة السيادة، بفضل نبل إنسانية أبنائها، و سمو ثقافتهم المثالية، ورؤيتهم الجمالية للوجود؛ بفضل الله على أرضه. في جلبة جيل التأسيس البطل، تحرك حافظ القرآن وأشعار العرب، أستاذ لغة المستعمر، المحيط بآداب وفنون الأمم، عبد الله بن أربيه، ببساطته وتواضعه، وابتسامة الثقة والطموح، لتنال موريتانيا من الاحترام والهيبة ما يليق بأهلها، وأدوارهم التاريخية في بسط الحضارة عبر العالم، بعد تريث الصحابة والفاتحين في بهو القيروان. انطلق بقوة مذهلة في وقت عصيب، وبوسائل متواضعة، لتمتلك الدولة الموريتانية الإرادة الحرة لشعبها، و يتأكد الجميع أنها ليست فريسة سهلة، وأنها تمتلك رؤية أخرى للعالم، من تصور وتشييد أبنائها.
فتوة التأسيس
بعد أشهر قليلة من ميلاد الجمهورية في موريتانيا، انتزعت أول قيادة وطنية عقب الاستعمار، من فصول التدريس، الفتى المنشغل في مطلع عقده الثالث بتربية الأجيال، لإدارة الديوان الرئاسي والمراسيم، وشغل وظائف أخرى سامية في الإدارة والتعليم، لتستقر إرادة التأسيس بتسخير معارفه الغزيرة وشخصيته الكارزمية للعمل الدبلوماسي، الذي دفع في سبيل رفعته، صحته كاملة، ليستعيده لاحقا العمل الإداري الإقليمي، أسابيع قبل رحيل الزعيم جمال عبد الناصر، الذي تقاسم معه الحب والوفاء و الانشغال بهموم الأمة العربية والقارة الإفريقية والعالم الثالث المناهض للاستعمار و جبروت الامبريالية.
تشكل حصيلة العمل الدبلوماسي لرجل الدولة الموريتانية الذي واكب تأسيس الجمهورية وانطلاق الدبلوماسية، كنزا ثمينا لمواصلة تألق الجمهورية والذود عن هيبتها، لما يحوي من معلومات موثقة عن التاريخ الدبلوماسي و تحليلات للتبادل الرسمي والتقييم المتأني للسياسة الخارجية لمختلف الدول و الفاعلين في الحقل الدبلوماسي.
صوت التحرر
بعد بضعة أشهر من كسب معركة الاعتراف الدولي، رابطت موريتانيا المستقلة في منبر الأمم المتحدة، مناهضة للاستعمار والعنصرية، عبر تبني علني لنضالات حركات التحرر في القارة، موكلة مهمة الحديث باسم شعب منفتح ومسالم، لشاب تقدمي مثقف، ملم بلغات وثقافات عدة، ليعتلي منبر الدورة السادسة عشر للجمعية العامة للأمم المتحدة، ويخاطب العالم في جلسة علنية، ضحى الخميس في السادس دجمبر من العام الثاني بعد استقلال الجمهورية الإسلامية الموريتانية، معلنا رفض بلاده لاستمرار إهانة شعوب القارة، مطالبا بوضع حد وبصفة فورية للاستعمار الوحشي الممارس من طرف البرتغال على شعب آنغولا الأبي، واصفا المستعر بالتخلف و الهمجية، مشددا على وقوف موريتانيا إلى جانب مقاومة شعوب إفريقيا، معتبرا وبصفة صارمة أن ” دعم مطالب الشعب الأنغولي مساهمة في الحفاظ على السلام “، ليخلص إلى أن “نظام الآبرتايد ومأساة الشعب الأنغولي تشغل كامل اهتمام الدبلوماسية الموريتانية “. خلال المرافعة الطويلة، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة برئاسة الباكستاني محمد ظفر الله خان، أورد ممثل موريتانيا و عضو اللجنة الفرعية المعنية بالحالة في أنغولا، تهكما، سخرية الرئيس المؤسس المختار بن داداه، من الاستعمار بإصرار البرتغال على عقيدة ” الإيمان بأزلية الامبراطوريات الاستعمارية “، مواصلا التنديد بجرائم “الإبادة الجماعية التي ارتكبتها القوات البرتغالية ضد الشعب الأنغولي الشجاع”، متهما المستعر بممارسة ” الإرهاب الفظيع”، في آنغولا و المزنبيق وغينيا الجديدة، وما ترتب عنه من إبقاء الشعوب في وضعية حرب غير متكافئه. وأضاف، ” يسعدنا أن نعلن بشكل لا لبس فيه أننا نؤيد استقلال أنغولا”، مؤكدا على ضرورة رفع الملف لمجلس الأمن، والتوقف الفوري للحلفاء عن تسليح البرتغال، “المتورط في إبادة إخوتنا الأفارقة”، معتبرا أن الوضع في أنغولا يشكل عائقا حقيقيا أمام استتباب الأمن في إفريقيا.
واصلت موريتانيا حضورها الدبلوماسي خلا الدورة السابعة عشر للجمعية العامة للأمم المتحدة، بحماس إضافي لتبني هموم وانشغالات الشعوب المستعمرة، ليتمكن ممثلها الثوري الحاذق الرزين، عبد الله بن أربيه صحبة رفاقه من المناديب الأفارقة، من انتزاع ” حق الشعب الأنغولي في تقرير المصير”، وتبني الأمم المتحدة لدعم مطالبه المشروعة من أجل الاستقلال، ومناشدة الدول الأعضاء دعم المقاومة الانغولية للتعجيل باستقلال البلد الإفريقي. عرفت كذلك الدورة السابعة عشر للجمعية العامة، انضمام مجموعة معتبرة ووازنة من البلدان الإفريقية لمنظمة الأمم المتحدة، تصدرتها الجزائر ورواندا، بوروندي، أوغندا. اعتمدت نفس الدورة قرارا تاريخيا يدين سياسات الفصل العنصري في جنوب إفريقيا ويدعو جميع أعضاء الجمعية العامة إلى إنهاء العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع نظام الآبرتايد، واتخاذ عقوبات ضد جنوب إفريقيا لإجبارها على التخلي عن سياسة “الفصل العنصري”، ودعا القرار الذي اعتمدته الجمعية مجلس الأمن إلى فرض عقوبات على جنوب إفريقيا لإجبارها على الامتثال لقرارات الأمم المتحدة، واللجوء، إذا لزم الأمر، إلى طردها من المنظمة الدولية. من بين العقوبات التي أوصت بها الجمعية العامة قطع العلاقات الدبلوماسية، وإغلاق الموانئ والمطارات أمام سفن وطائرات جنوب إفريقيا، ومقاطعة منتجاتها، وتعليق الصادرات إليها. أمام الانتصار الباهر للمجموعة الإفريقية المتحالفة مع المجموعة الآسيوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، صوت ضد إدانة الآبرتايد كل من فرنسا، تركيا أستراليا، بلجيكا، كندا، اليونان، أيرلندا، اليابان، لوكسمبورغ، هولندا، نيوزيلندا، البرتغال، جنوب أفريقيا، إسبانيا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية.
انتزعت كذلك مجموعة الضغط الإفريقية بمشاركة موريتانيا، من الدورة السابعة عشر للجمعية العامة للأمم المتحدة، قرارا شجاعا في ملف روديزيا، مؤكدة أنها مستعمرة، فرضت عليها وضعية خطيرة، بإعلان حالة الطوارئ وحظر نشاطات المقاومة بعد اعتقال قادتها، معتبرة واقع التجاوزات التي تتحمل ابريطانيا مسؤوليتها، تشكل تهديدا حقيقيا للأمن في إفريقيا و العالم. واصلت موريتانيا مواقفها المناهضة للاستعمار خارج أروقة الجمعية العامة، لتقرر لاحقا في خطوة غير مسبوقة قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المتحدة، احتجاجا على الأوضاع في روديزيا.
وفق السفير عبد الله بن أربيه في إرساء وإثراء أسلوب سياسي و تراث حقوقي وممارسة دبلوماسية للتمثيل الموريتاني في الجمعية العامة للأمم المتحدة بصفة خاصة والمنظمة الأممية بصفة عامة، من خلال تأييد حق الشعوب في تقرير المصير، و إخضاع علاقات الدول لفلسفة حقوق الإنسان وقيم ومبادئ القانون والمساواة في الحقوق بين الأمم، ونبذ الاستعمار وتصفية الممارسات المترتبة عنه وتعزيز المسؤولية الجماعية للدول حيال استتباب الأمن والسلم، والتمسك بخيار التعاون الدولي لدفع النمو الاقتصادي وإرساء العدالة الاجتماعية.
ملحمة الاعتراف الدولي
لعبت الإدارة المركزية للدبلوماسية الموريتانية، أدوارا بطولية في ترسيم الاعتراف بالدولة الحديثة عبر المجهود الفكري والحضور الدبلوماسي والعمل الإداري المتواصل للتعاطي مع ملفات القضايا الدولية التي كان لها تأثير مباشر على تجاوز هزات التشكيك ومحاولات الارتهان.
شهد العام ثلاثة وستين و تسع مائة وألف، تتويج جهود موريتانيا وأصدقائها لتبديد فرقعات تطاول ذوي القربى، وإسداء درس ناضج في تاريخ حضارة تبادلت على استلامها ورعايتها الأجيال. اختفت الشائعات المغرضة من سماء الحاذقين، لحظة إعلان عضوية الجمهورية الإسلامية الموريتانية في منظمة الوحدة الأفريقية، الذي جاء تتويجا لإرادة الشعب الموريتاني الحرة، بفضل الله، ومحامد اللقاء الحاسم بين أبي الأمة المختار بن داداه والزعيم جمال عبد الناصر، ليأخذ أحفاد فاتحي الأندلس مكانهم تحت الخيمة العربية، التي استعادت زينتها بجلب الدعم الإفريقي للقضية الفلسطينية، بعد أن فرضت موريتانيا ولأول مرة نقاشها، لتكلل مساعيها بصدور أول قرار إفريقي بتبني ويدعم كفاح الشعب الفلسطيني اقترحه الوفد الموريتاني وباشر صياغته عضو الوفد ومدير التعاون الدولي عبد الله بن أربيه، وتم التصويت عليه في سبتمبر من العام سبعة وستين وتسع مائة وألف بكينشاسا.
عقل الدبلوماسية المدبر
على المستوى الدبلوماسي، تزامن إشراف الوطني المخلص عبدالله بن أربيه، على ملف التعاون الدولي للدبلوماسية الموريتانية الوليدة، تزامن مع حدوث انتكاسات خطيرة على مستوى المغرب العربي، بطريقة أعادت النظر في مسار العلاقات الدبلوماسية والأمنية بين دول الشمال الإفريقي، عبر الخطابات الرسمية والعلاقات الثنائية، مفسحا لاقتتال الأشقاء على الحدود البينية وانتكاسات دبلوماسية مذهلة أعادت النظر في خارطة التحالفات، وتبادل الاتهامات بالتآمر واستدعاء السفراء، لتفقد العلاقات دفء الروابط الأخوية بين شعوب الدول، و اللجوء لمنطق جديد من التحالفات، يجعل كل دولة على حدة مهددة بالعزلة والاستهداف وتبادل الاتهامات.
سادت كذلك في نفس الفترة خيبة الأمل في الغرب الإفريقي وبقية القارة بعد فشل تجربة الاتحاد الخاطف وتفكك دوله محدثا صدمة قوية للنخب المؤمنة بخيار الوحدة إثر فشل الكيان الجيوستراتيجي الذي كانت تراهن على نجاح تجربته لتشمل بعض دول المنطقة وبقية القارة؛ لنتطلق، موازاة مع مسارات التحرر والكفاح من أجل الاستقلال، الدعوات العاطفية لإقامة ولايات متحدة إفريقية، مع التغير المتسارع في الخريطة السياسية، الذي أحال إلى نضج الخطوات الأولى للدول الإفريقية الحديثة العهد بالاستقلال، و أهمية التوجه الذي يستدعي جهدا جديا وانشغالا تاما بمرافقته.
تسخير العمق الإفريقي لدعم فلسطين
منح ميلاد منظمة الوحدة الإفريقية فسحة أمل لشعوب القارة، وفرصة تاريخية لمواجهة الاستعمار، بعد إعلان قادة البلدان المستقلة حديثا في قاعة إفريقيا بالعاصمة الإثيوبية، بفخر وحبور التوقيع على ميثاق المنظمة القارية. شارك رجل الدولة عبد الله بن أربيه، من موقعه بالإدارة المركزية للدبلوماسية و سفيرا لموريتانيا في الجمهورية العربية المتحدة، في خمسة قمم إفريقية و ست اجتماعات لوزراء الخارجية، فضلا عن عشرات اللجان السياسية والفنية. أوكلت إليه مهمة تحضير الملفات وصياغة التقارير ومقترحات الوفد الموريتاني، ومن ضمنها أول تبني للقضية الفلسطينية وإدانة الاحتلال الإسرائيلي في قمة كينشاسا، لتصبح لاحقا من أولويات القمم الإفريقية تواكب تطورها بالتضامن والتنديد والمطالبة بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة والمقاطعة الدبلوماسية. خلال هذه القمم المؤسسة لمسار التضامن الإفريقي، تمت محاربة الآبرتايد ودعم حركات التحرر، والضغط على القوى الاستعمارية خصوصا، إبريطانيا والبرتغال واحتواء الخلافات الحادة بين بعض القادة، والوساطة بين الدول، والوقوف في وجه محاولات الانفصال والحروب الأهلية.
أدوار مرجعية في تأسيس شراكة الشمال والجنوب
انتدبت موريتانيا الدبلوماسي عبد الله بن أربيه لتمثيلها في أكبر لقاء تنموي بعد الحرب العالمية الثانية بين إفريقيا وأوروبا ، في برلين الغربية، والذي يعتبر الانطلاقة الفعلية لما عرف لاحقا بالشراكة الاقتصادية بين الشمال والجنوب، تناولت التظاهرة تشخيص الوضعية الاقتصادية للدول السائرة في طريق النمو والأدوار المنتظرة من البلدان الأوروبية لدعمها من أجل كسب تحديات التنمية.
خلال الحرب الباردة مثل موريتانيا لدى دول البنلوكس الثلاثة والسوق المشتركة، مع إقامة في برلين، ليضمن حضور موريتانيا والدفاع عن مصالحها في مجالات الشراكة الأورو إفريقية، عبر المشاركة السياسية والفنية في تصور نصوص ووثائق العمل المشترك وإطلاق نشاط اللجان الحكومية والبرلمانية المشتركة بين أوروبا و إفريقيا.
كارزما التأثير
عايش سفير موريتانيا لدى الجمهورية العربية المتحدة، دبلوماسيين لهما حضور بارز في صياغة ومرافقة السياسة الخارجية الفرنسية بالشرق الأوسط، خلال حكم ثلاثة رؤساء من ضمنهم الجنرال ديغول.
بعد قطيعة دبلوماسية دامت سبع سنوات سمان من كرامة العرب، بين مصر وفرنسا التي تآمرت ضد الزعيم جمال عبد الناصر، كرمز للقومية العربية وفخر الأمم المتحررة من أغلال الاستعمار. كان أول سفير لفرنسا لدى الجمهورية العربية المتحدة، بعد استئناف العلاقات، ممتلئ الجسد من ريع الاستعمار، والعقل من أوهام التعالي وغرور التمثيل. استاء الدبلوماسي الفرنسي ” جاك رو”، من مقام سفير موريتانيا، وقربه من الزعيم عبد الناصر و تأثيره على نظرائه الأفارقة. حاول سفير فرنسا، الذي احتفظ بعلاقات نافذة في أوساط المال بسويسرا، التي أغرته بممارسة الأعمال موازاة مع مهامه السيادية، حاول احتواء سفير موريتانيا، وإخضاعه لمقاربته الأبوية اتجاه رعايا وممثلي المستعمرات السابقة، لكن صاحب السعادة عبد الله بن أربيه، فاجأ السفير بالإحجام عن تلبية دعواته، والتشهير بأسلوبه في الأوساط الدبلوماسية، بعد رفع تحفظه رسميا إلى نواكشوط، لتنسجم معه باريس، مسرعة بتكليف ممثل آخر أكثر انفتاحا وثقافة.
حرص سفير فرنسا الجديد في الجمهوريةالعربيةالمتحدة، ” فرانسوا بيو”، على ربط علاقات ود مع سفير الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وتجاوز واقع الجفاء الذي شيده سلفه، مفصحا عن رغبته في تبادل زيارات مجاملة، و إقامة علاقات ودية قوامها تبادل دبلوماسي محترم، واهتمام معرفي لائق، بين السفير النافذ والمثقف الموسوعي عبد الله بن أربيه، ونظيره الفرنسي الدبلوماسي المهني، المبرز في الأدب المقارن، الضابط النشط، قبل مروره بأهم الإدارات المركزية لدبلوماسية الجمهوريةالفرنسية، وتمثيل بلده في يوغسلافيا، ألمانيا، نيويورك، بيروت، ولدى الناتو و روما. درس كذلك في العريقة المدرسة الوطنية للإدارة بباريس، وتولى مسؤولية الخط التحريري لعدة مؤسسات بحثية محترمة وكليات عسكرية، كما نال مختلف الأوسمة المدنية والعسكرية، و أرفع أوسمة الفنون والآداب، كدبلوماسي ومؤلف استراتيجي وكاتب أعمدة ومقالات تحليلية في كبريات الصحف والحوليات الفرنسية.
من طيبة النفس وسمو الأخلاق، نسجت شخصيته كارزما تفرض احترام الخصم و تقدير الصديق، دون مجاملة ولا منة، كلما تعلق الأمر بالوطن الموريتاني و هيبته بين الأمم. ففي الثامن عشر مارس من العام تسعة وستين وتسع مائة وألف احتج صاحب السعادة عبد الله بن أربيه باسمه الشخصي وباسم السفراء الأفارقة بالقاهرة، على تأخر سفير الاتحاد السوفيتي المعتمد مباشرة بعد عدوان سبعة وستين وتسع مائة وألف لدى الجمهورية العربية المتحدة، “فلادمير فينوغرادوف”، في تأدية زيارة مجاملة لسفارة موريتانيا وبقية السفارات الإفريقية، معتبرا أن الأقدمية وروابط التحالف والصداقة، تجعله ملزما بالتعاطي الإيجابي مع سفير موريتانيا وإخوته ورفاقه الأفارقة، تفاديا لما قد يترتب عن هذا التصرف المفرغ من كل ود، على مستوى العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف.
بعد أسابيع من الحادثة، طالبت الجمهورية العربية المتحدة باستبدال السفير الروسي “فينوغرادوف”، إثر اتهامه بنقل معلومات غير دقيقة عن الوضع في مصر، وبالذهاب في إجازة بطريقة اعتبرتها القاهرة “متعجرفة”، ليتسبب إهمال الدبلوماسي الروسي المتعمد، حسب أوساط مقربة من الزعيم عبد الناصر، في امتناع الاتحاد السوفييتي عن تزويد مصر بما تحتاجه من الأسلحة الهجومية، واعتبرت كذلك نفس المصادر أن تصرف السفير السوفييتي كان الغرض منه التغطية على اتفاق سري على حساب العرب تم التوصل إليه في موسكو بين القادة السوفييت والرئيس نيكسون.
نظم عبد الله بن أربيه وشارك في زيارات دولة بالشرق الأوسط و شرق إفريقيا، وأحسن تمثيل موريتانيا في نيويورك، دكار، تونس، بون الغربية، القاهرة ودمشق؛ قبل أن يخرجه سقط الوشاية والقدرة على العمل بلغات عدة، من القصر، كما دخله، غنيا بأخلاقه وكبريائه. لتشرع له أبواب اليونسكو لتصور وتنفيذ البرامج والمناهج التربوية في بلدان العالم العربي، والتمثيل الرفيع للدبلوماسية الثقافية.