24 ساعة
كتب صلاح الوديع، رئيس جمعية ضمير، مقالا يرد على عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المعين.
قال صلاح الوديع ، لا يفوِّت السيد عبد الإله ابن كيران فرصة إلا وأثبت بأنه من الصعب أن يكون المرء رجل دولة.
فهو حتى خلال مراسيم واجب العزاء بالرباط بعد وفاة رجل الدولة الكبير الراحل امحمد بوستة، لم ينس أن يحاول تقطير الشمع و”حشيان الهضرة” – كما يقول المغاربة – متوجها إليَّ وأنا أدلف إلى منزل الفقيد، قائلا باستهزاء جليّ أمام الملأ، وقد كان بإمكانه أن يختار مناسبة أخرى أقلَّ مدعاةً للوقار: “هاديك جمعية ضمير واش ضمير مستتر أو لاَّ واضح، واش متصل أو لاّ منفصل، واش خدام بالليل ولا بالنهار…”
لم أجد ما أجيبه به، والحال أنني كنت أتأهب لملاقاة أبناء وعائلة الفقيد ورفاق دربه وأصدقائه، لم أجد أمامي إلا أن أرد ردًّا سريعا يعفيني من بِركة تفاهةٍ لا أريد السقوط فيها، فأجبته ببساطة: “إنه واضح لا متستر… إنه منفصل لا متصل… إنه يعمل بالنهار ويستريح بالليل كباقي عباد الله…”
كان بإمكاني أن أرد بعنف لا يليق أن يسمعه رئيس حكومة. كان بالإمكان أن أقول له أن الضمير يقظ منذ مرحلة إدريس البصري التي يعرف تفاصيلها جيدا، بل ومنذ ما قبلها، ويقِظاً ما يزال… لكنني لم أفعل واحتفظت بحزني الصادق وتعازي الحارة لأبثها لكل الوجوه النيرة التي حضرت ذلك اليوم لتقول لسادة المغرب المعنويين: رحم الله رموزنا الحقيقيين.
كان بإمكاني أن أقول له: كيف له أن يضرب الحساب ويرتعب من جمعيةٍ لم تستطع إيجاد إمكانية كراء مقر لعملها لا يتجاوز 60 متر مربع إلا بعد ثلاث سنوات من تأسيسها، فيما الحزب – الذي يرأسه هو – يتسلم الملايير كل سنة من مال دافعي الضرائب دون الحديث عما تتداوله الصحافة من مصادر أخرى؟ كيف له أن يتوجس من جمعية محدودة الإمكانيات إلا من مجهودات أعضائها ودعم جد محدود من مؤسسات ذات مصداقية، بإمكانه أن يجد كشف حسابها لدى الأمانة العامة للحكومة في أي وقت يريد ابتداء من هذه اللحظة؟ كيف له أن يوجه كلامه بالطريقة إياها لهذه الجمعية وقد سبق أن رفضَ رفضا باتا دعوتها إليه – ضمن دعوات وُجهت لباقي الأحزاب ببلادنا استجابت لها – من أجل نقاش رصين قبيل الانتخابات، بالضبط حتى نناقش الأفكار والمشاريع، لا أن نعمد إلى الهمز واللمز الذي لا يليق إلا بالعجائز المتقاعدين من الحياة؟”
للأسف كلامه عكَس أولوياته. فهو لم يتعود على الحديث كرئيس لنا جميعا بقدر ما تعود الحديث باسم طائفته وبديهي أن أغلبية المغاربة يشعرون بذلك.
كان من الممكن مثلا أن يكون رئيس الحكومة المكلف في مستوى اللحظة التاريخية لو توفر له ذكاؤها، فيقتصد في الشكوى عن “البلوكاج” وما إليه، ويأتي إلى المغاربة بعد فوز حزبه بالمرتبة الأولى في الانتخابات، ببرنامج واضح المعالم ويصرح في القوم أنه يرحب بكل الأحزاب التي تتفق عليه ويجد توافقا معها، ويشكل الحكومة ثم يتصدى لمعضلات البلد، لا أن يتفادى هذا النقاش، وهو ما يفعله لحد الساعة، ويدخل في منطق: هذا صديقي، وذاك صديق صديقي، والآخر مرحب به، فيما الرابع عدوّي والخامس عدوّ صديقي، الخ… جاعلا التحديات التي تواجه البلد بل والأخطار المحدقة به على العديد من الواجهات، في مرتبة دنيا من الاهتمام…
لننظر كيف تصرَّف رجُلاَ سياسة من فرنسا، مهما اختلفنا معهما ومهما استحضرنا السياقات الخاصة ببلدهما، وأعني بهما إمانويل ماكرون وفرانسوا بايرو. تقدَّم الأخير أمام الرأي العام باقتراح تحالفٍ أساسه أربع نقط، فرد الثاني في نفس اليوم بقبول النقط الأربع مع الترحيب بالتحالف، ودائما أمام الرأي العام. 24 ساعة أو أقلّ كانت كافية لإعطاء دفعةٍ قوية للتباري ونفَسٍ مفتوح للعيش الديمقراطي المشترك. فيما نحن ننوء بحمْلِ ما يقارب الخمسة أشهر ونتأوه من البلوكاج ونتبرم من تداعيات الاعوجاج وما لا يعلمه إلا الله من ارتجاج، دون أن يأتي الانفراج…
ألم أقل أن الدخول في جلد رجل الدولة لا يستقيم لأي كان؟