الدار البيضاء-أسماء خيندوف
تمتد جذور العلاقات المغربية-الأمريكية عميقا في التاريخ الحديث والمعاصر، إذ كان المغرب أول دولة في العالم تعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية عام1977. ومنذ ذلك التاريخ بدأت خيوط العلاقات السياسية والاقتصادية تنسج بين المغرب والولايات المتحدة، وبذلك تتميز هذه العلاقات بخاصية تاريخية متفردة في القدم.
و في هذا السياق قال الباحث و الكاتب المتخصص في العلاقات المغربية-الأمريكية في تصريحه لجريدة”24 ساعة” أن سنة 1777 كانت البداية البكر لترسيم اعتراف المملكة المغربية بدولة “اتحاد الولايات 13 الأمريكية” مع صدور مرسوم سلطاني للسلطان سيدي محمد بن عبد الله يوم 20 دجنبر من السنة ذاتها، يحدد الشروط المسموح بها لممارسة الدول الأجنبية التجارة مع المغرب عبر مرافئه المتعددة سواء الأطلسية منها أو المتوسطية.
وأضاف أنه قد تم لأول مرة إدراج إسم “الولايات الأمريكية” بصفتها دولة من بين الدول الأجنبية، حتى وحرب الاستقلال لم تنته بعد في ذلك الجزء المركزي الهام من القارة الأمريكية الشمالية. لأنه عمليا لن تنتهي الحرب هناك سوى سنة 1783 ولن تعترف الدول الأوروبية باستقلال الولايات الأمريكية سوى في ذات السنة، بعد توقيع ما يعرف بـ”اتفاقية فيرساي” بباريس بين بريطانيا العظمى وممثلي الولايات 13 الأمريكية.
وحسب لحسن العسيبي المختص في التاريخ، فإن هذا الاعتراف لم يكن حدثا معزولا في مسار العلاقات بين البلدين، حيث وقعا بعد عشر سنوات على معاهدة السلم والصداقة.
كما أكد لعسيبي أن أهم ملاحظة يخرج بها المطلع على معاهدة 1786 المغربية الأمريكية (في ترجمتها الفرنسية) أنه يغلب عليها الطابع العام الذي يميز أي معاهدة تأسيسية أولى لترسيم العلاقات بين بلدين وحكومتين، حيث تشكل البنية اللغوية لفصولها مجالا لتحديد آليات تنظيم تلك العلاقة مؤسساتيا وديبلوماسيا، وكذا تحديد آليات التعاون سواء السياسية أو الأمنية أو التجارية، دون أن تغرق في التفاصيل الدقيقة لملف بعينه. بل هي في غالبيتها شكل من أشكال ترسيم سقف التعاون والالتزام بين البلدين. وأن ذلك السقف يشمل الآلية الديبلوماسية وشكل ترجمتها على أرض الواقع من قبيل فتح السفارات والقنصليات ومجالات تواجدها وأدوارها بما فيها الشق القضائي.
وأضاف أن أهم ما جاء في أول معاهدة للصداقة المغربية الأمريكية تلك الموقعة في 15 يوليوز 1786 هو تنصيصها على اعتبار دولة الولايات المتحدة الأمريكية تحظى بصفة “الدولة ذات الامتياز” مغربيا مثلها مثل العواصم الكبرى الأوربية حينها خاصة لندن. مما جعل المدخل المغربي بالنسبة لكل ما هو أمريكي (أمني أو تجاري) بوابة راسخة وآمنة للانفتاح على جنوب المتوسط وعلى الصحراء الكبرى. وأن لها الحق في اختيار من تراهم مناسبين لمصالحها من ممثلين تجاريين مغاربة وتراجمة (أغلبهم من التجار اليهود المغاربة أو من جبل طارق)، وأنه لا يجوز تحديد أنواع التجارة المسموح بممارستها عدا تلك التي تتعارض والمصالح التجارية الحيوية للمغرب على مستوى التصدير (القمح والشعير والأبقار أساسا).
هذا مع العلم أن من أهم واردات التجارة الأمريكية عبر سفنها التجارية الخاصة والجديدة ذات الاستقلال عن الرايات الأوروبية سواء البريطانية أو الإسبانية أو الفرنسية، التي لم يكن سهلا السماح لها بالولوج إلى الفضاء المتوسطي حينها، يتمثل في مواد القمح والسمك وشمع النحل والأخشاب والقطاني والأرز والبصل والعنب وقصب السكر (فيما كانت أغلب صادرات المغرب إلى السوق الأمريكية عبر ذات السفن تتمثل في ريش النعام، الملح الأبيض والملح الأحمر، الزيوت ومشتقاتها والجلود).
علينا أيضا أن نسجل أنه في سياق النظام العالمي الجديد للقرن 19 الذي بدأت تتبلور فيه اتجاهات نفوذ جديدة، لعل أكبر عناوينها بداية التمايز من حيث النفوذ بين غرب المحيط الأطلسي وشرقه، فقد صار تنافس القوة البحرية والتجارية الغربية مقسما حينها بين مجالات النفوذ الأروبية في المتوسط وإفريقيا وآسيا، وبين مجالات النفوذ الأمريكية في الكرايبي (كوبا بالأساس) وأمريكا الوسطى (الحروب مع المكسيك) وعمق أمريكا الجنوبية.
إن ما يعنيه ذلك حسب المختص هو أن واشنطن حرصت على المحافظة على امتيازاتها التجارية بالموانئ المغربية لكن ضمن ما يتوافق والمصالح الأوروبية متوسطيا وإفريقيا. وكان طبيعيا أن يكون مجال بروزه هو مدينة طنجة وميناؤها الاستراتيجي بمضيق جبل طارق، عند المدخل الجنوبي الحيوي للبحر الأبيض المتوسط.
وحسب لعسيبي هناك محطة أخرى حاسمة في تطور العلاقات المغربية الأمريكية، ستشهدها سنوات الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945)، شكلت ما يمكن وصفه ب “الانعطافة النهائية” لإعطاء تلك العلاقة بعدا أمنيا وعسكريا قويا، لا يزال متواصلا إلى اليوم. ذلك أن موقع الجغرافية المغربية، ضمن الإستراتيجية القومية العسكرية والأمنية الأمريكية قد نُحِت إطاره وشكله منذ تلك السنوات.
وأضاف لعسيبي بناء على ما قاله الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، أثناء جولته الإفريقية سنة 2013 (سنة قبل عقد أول قمة أمريكية إفريقية سنة 2014 بواشنطن)، حين أكد بأن القارة السمراء تمثل: “قصة النجاح الكبرى القادمة في العالم”. بالتالي، فإنه ضمن هذا الرهان الأمريكي الجديد، الذي يتم بحسابات القرن 21، حيث التنافس فيه تنافس تكنولوجي تواصلي (اقتصاد المعرفة واقتصاد الذكاء الاصطناعي والتنافس على الليتيوم وبطاريات الشحن الدقيقة والطاقات البديلة)، أصبح الرهان على المغرب، رهانا متجددا بمنطق حسابات عالمية جديدة. وواضح أن واشنطن، التي تُصْنَعُ فيها القرارات بتراكم في المعرفة والدراسة يمتد على عقود أحيانا، مدركة أهمية الآلية التراكمية المتحققة فعليا ومؤسساتيا بينها وبين المغرب، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ضمن مجاله القاري والمتوسطي والشرق أوسطي.
وفي هذا الصدد أكد لعسيبي إن الرئيس الأمريكي جو بايدن رحب باعتراف المغرب ببلاده خلال زيارته للمملكة سنة 2014، ونفس الشيء تكرر مع الرئيس السابق دونالد ترامب في مرسوم الاعتراف بمغربية الصحراء. وأكد المتخصص في التاريخ أن مجلس الأمن منذ سنة 2007 اعتبر المقترح المغربي للحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية حلا جديا، ذات مصداقية وواقعية.
وشدد أنه فيما يتعلق بالعلاقات الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، يتقاسمان مصلحة مشتركة تتجلى بالنسبة للمغرب في ضبط موازين القوى على المستوى الإقليمي، وأن يكون للولايات المتحدة الامريكية حليف استراتيجي في المنطقة، مذكرا في هذا الصدد بأهمية التعاون العسكري والأمني بين البلدين، خاصة في الظروف الحالية التي يعيشها العالم وهو تعاون وفقا له ضروري لأن المجتمع الدولي يعيش حربا باردة بين العالم الغربي الليبيرالي والصين وروسيا.
وأضاف أن المغرب يعد في السجل الاقتصادي شريكا جادا للولايات المتحدة في مجال الاستثمار والعلاقات الاقتصادية نظرا لموقعه المتميز واستقراره السياسي مقارنة بباقي دول المنطقة.
وخلص لعسيبي أن الامكانيات التي تتمتع بها المملكة تجعلها بوابة القارة الافريقية وتضعها في مقدمة مستثمري دول غرب افريقيا، والثانية في القارة بعد جنوب افريقيا.