ربورتاج من إعداد تلاميذ الثانوية الإعدادية يوسف بن تاشفين/ المديرية الإقليمية الفحص أنجرة
من قرية “بليونش” الواقعة شمال المغرب وتحديدا على بعد 7 كيلومترات غرب مدينة سبتة المطلة على جبل طارق، يتراءى لك جبل ليس كغيره . يشدك الكم الهائل للمتناقضات التي يختزلها بين صخوره، فتحتار في أمره.
يتوقف الزمن من حولك لبرهة، فترى القوة والصلابة، و تلمس الجمال والعذوبة، تتيه في التناغم المدهش بين كل مكوناته، وتستغرب من شموخه وكبريائه الذي يفرضه عليك للوهلة الاولى، ثم تختلط عليك الأوراق عندما تحس باستحيائه وتواضعه رغم جماله الخرافي الذي تعجز كل لغات العالم عن وصفه ويقدم الحرف استقالته الرسمية .
تمعن النظر فتترائى لك امرأة عظيمة تتمدد على صخوره رأى الاسبان أنها امرأة ميتة فسموها “لاموخير مويرتا ” وماهي إلا تكوين بديع من الصخور رسمته أنامل الخالق عز وجل. يطل هذا الجبل المتفرد على بحر متشح بعباءة زرقاء تخلب الألباب وتحلق بك في عوالم أخرى توحد ذاتك مع الكون الفسيح لتنعم بصفاء ذهني وروحي ليس له مثيل. إنه جبل موسى.
الذي يسحرك بطبيعته ويدهشك بتاريخه. سحر فاق جلب المخلوقات البشرية وتعداها إلى مخلوقات أخرى لم تقاوم تأثيره، فخنعت له متخذة من المكان موطنا لها دون بقاع العالم. إنتصر سحرالطبيعة وصار جبل موسى محمية طبيعية لم تجد اليونسكو بدا من تصنيفها ضمن المحميات الدولية، فأضحت قبلة للسياح و الباحثين ولكل الفاعلين البيئيين.
يتموقع جبل موسى، الذي يُقدّر ارتفاعه بحوالي ثمانمئة وخمسين متراً تقريباً، في قرية بليونش التي تحولت من كلمة بينيونس التي تعني قمم الجبال الى بليونش قرية تعبق برائحة التاريخ ، قرية أسالت لعاب أمراء الأندلس، وجعلتهم يهجرون قصورهم في إشبيلية وغرناطة ليرتموا بين أحضانها ، قرية استفزت قريحة شعراء القرنين 13 و 14 م وجعلتهم ينظمون فيها أحلى القصائد وأكثرها بلاغة وفصاحة.
سكان قرية بليونش يتحدثون
أثناء رحلتنا لمحمية جبل موسى حاورنا بعض سكان المنطقة الدين لم يترددوا في الإجابة على أسئلتنا:
هل تعرف المنطقة إقبالا من طرف السياح؟
يزور المنطقة مجموعة من السياح لكن جلهم من الأجانب، أما المغاربة فيزداد إقبالهم على المنطقة في فصل الصيف. (محمد 50سنة بقال).
هل تستفيدون من السياحة التي تعرفها المنطقة؟
بالنسبة لنا نحن شباب المنطقة لا نستفيد من السياحة بمنطقتنا لأن جل السياح أجانب يأتون خصوصا من إسبانيا في زيارة قصيرة لا تتعدى يوما وقليلا مايستعينون بنا كمرشدين. (رشيد 27سنة عاطل).
هل ترون أن السياحة تشكل تهديدا لعادات المنطقة؟
لم نصادف أي إزعاج من الزوار. نحن قوم محافظون وما نطلبه هو احترام عادات المنطقة عدا ذلك: أهلا وسهلا بكل ضيف. (رحيمو60 سنة ربة بيت).
واجهة جبل موسى: تضاريس صعبة تخفي وراء ظهرها طبيعة ساحرة
جـمـيـعـا مـن أجـل سـيـاحـة مـسـتـديـمـة
تعتبر هذه المحمية الواقعة بجبل موسى مشروعا قائما بحد ذاته فإضافة لما توفره من حماية للنباتات والحيوانات المهددة بالانقراض، يهدف القائمون عليها إلى جعلها نموذجا للتدبير المجالي والتنمية المستديمة بالمنطقة عبر سياحة إيكولوجية تساهم في حل مشاكل أبناء المنطقة وتشجيعهم على توليد دخل محلي مرتبط بالسياحة البيئية وهو أمر لابد من أن تنخرط فيه كل مكونات المجتمع المدني قصد تفعيله وتحقيق أهدافه المسطرة عن طريق تقديم الورشات التكوينية لسكان المنطقة في ما يخص المنتجات المجالية وغيرها من الامور المرتبطة بالجانب السياحي لمنطقة حباها الله بسحر الطبيعة وعراقة التاريخ .
جبل يفوح بعبق التاريخ
بتصفح كتب التاريخ نجد أنه قد ورد ذكر جبل موسى في مؤلفات مونت هاشو التي عرفت باسم الجبل الاسباني في شمال المغرب حيث أطلق عليه اسم ” واحد من أعمدة هرقل ” وقد سمّي هذا الجبل بهذا الاسم نسبةً إلى القائد موسى بن نصير. يقال إنّ جيوش الفاتحين المسلمين وقبل انطلاقتهم إلى القارة الأوروبيّة وبشكل أدق إلى شبه الجزيرة الأيبيرية، اتخذته نقطة للتجمع.
ويحكي الرحالة والجغرافي، الإدريسي عن قرية بليونش أنها كانت جنة تنبت في حقولها فواكه وثمار من كل الأنواع، ويضيف أن حقولها والمناطق المحيطة بها كانت تنبت الكثير من قصب السكر. أما المؤرخ الأنصاري فقال عنها إنها كانت تحفة الناظرين حتى قبل سقوط غرناطة بسنوات قليلة. بينما وصفها القاضي عياض بأنها كانت ذات جمال استثنائي.
أسطورة وميثولوجيا
تتعدد الأساطير وتختلف إذ تحكي الأسطورة أن جبل موسى يمثل الكتف الأيسر “للإله أطلس” الذي كان العين الساهرة على هذا المضيق في قديم الزمان وأنه عندما أحس بلذة النصر على أعدائه اتخذ المضيق مكانا ليتمدد فيه فغرق جسده في الماء وظلت كتفاه بارزتان تشهدان على عظمة المكان .
محمية جبل موسى: ثروة حيوانية فريدة وغطاء نباتي متنوع
بين سحر الطبيعة وعبق التاريخ نجد اليوم في جبل موسى محمية إيكولوجية فريدة من نوعها تسمى “محمية المحيط الحيوي البيقاري المتوسطي” تجمع بين قارتي إفريقيا و أوروبا. أنشأت هذه المحمية في سياق برنامج اليونسكو للإنسان والمحيط الحيوي، وفق اتفاقية وقعت سنة 2006م بين المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر في المغرب ووزارة البيئة في الأندلس. تهدف الاتفاقية إلى تقوية العلاقات الاقتصادية والثقافية بين المغرب وإسبانيا وتعزيز حسن الجوار بينهما.
تبلغ مساحة المحمية حوالي 1.000.000 هكتارا تتشاطرها الجارتين بالتساوي، وتضم 32 صنفا من الثدييات على رأسها واحد من أندر القردة في العالم يسمى القرد ماكو ، والذي ينعم بحياة هنيئة وسط بيئة إيكولوجية بامتياز، رفقة غيره من الكائنات الجميلة والنادرة التي تؤثث هذا الفضاء الرائع كقنفذ النيص. في سماء المحمية طيور قلما تحلق أسرابها في مكان آخر كالطائر الأحمر الورقي والبط البري الرخامي و صقر اليونور. الزواحف أيضا لم تتخلى عن نصيبها في هذا المحيط الحيوي حيث يتواجد بالمنطقة حوالي 25 نوعا.
تسحرك هذه المحمية بجمالها الذي يضم غطاءا نباتيا متنوعا وأشجارا مختلفة كالبلوط والصنوبر قد للحظة أنها ترحب بك كما هو الحال بالنسبة لسكانها الطيبين.