اصبحت التحولات التي تعرفها الساحة الميدانية بليبيا خصوصا بعد الاكتساح السريع لسرايا الدفاع عن بنغازي (تحالف لمسلحين من شرق ليبيا) على منطقة واسعة في خليج سرت ، دون أن تتمكن قوات حفتر، من استعادتها كما جرت العادة في عمليات سابقة، تساؤلات حول خلفيات هذا الانكماش، وما إذا كان انعكاس لتغيير مواقف دولية بشأن دعم حفتر ما أثر على وضعه عسكريا.
بعض التحاليل التي تحدثت عن تخلي الحلفاء الإقليميين والدوليين لخليفة حفتر، عن دعمه في معركة الهلال النفطي الأخيرة، نظرا لرفض الرجل لأي حلول سياسية؛ بما فيه مجرد لقائه برئيس المجلس الرئاسي فائز مصطفى السراج، في القاهرة، سواء بواسطة مصرية أو جزائرية.
ويستدل أصحاب هذا الطرح، على أن قصف طيران حفتر، لأرتال سرايا الدفاع المتقدمة من القاعدة الجوية الجفرة على بعد عشرات الكيلومترات من الهلال النفطي وعلى أرض صحراوية مفتوحة ، لم يكن كثيفا كما كان في السابق، وافتقد أيضا للدقة، ما قد يؤشر أن القصف في مرات سابقة كان بدعم اطراف خارجية وغاب هذه المرة بالتالي لم تستطع الغارات الجوية إجبارهم على الانسحاب كما في السابق، بالرغم من سيطرة قوات حفتر على الجو.
و أوضح حسني عبيدي، الأستاذ في المعهد الأوروبي بجامعة جنيف، أن “إلغاء حفتر للاجتماع الذي كان مقررا مع فائز السراج (رئيس المجلس الرئاسي الليبي)، في آخر لحظة، أفقده الكثير من المصداقية أمام الدول الغربية، وظهر أنه ليس على استعداد للانفتاح على حكومة الوفاق”.
وفي 14 فبراير، رفض حفتر، في آخر لحظة لقاء السراج، بالقاهرة، كما نفى في وقت سابق عقب زيارته للجزائر في 18 ديسمبر 2016، أي لقاء سيجمعه بالسراج، في عاصمة الأخيرة.
وأضاف عبيدي، “حفتر خذل دولة إقليمية مهمة هي الجزائر، بطريقة غير لبقة، عندما رفض وساطتها، ثم رفض الوساطة التونسية وبعدهما مصر”.
“مارتن كوبلر، المبعوث الأممي إلى ليبيا، من جهته أخبر دولا غربية ومنها ألمانيا التي تدعمه، أن حكومة الوفاق الليبية ترغب في فتح الحكومة لوجوه جديدة، لكن مجلس النواب أصبح رهينة في يد حفتر، وفقدَ حرية القرار”.
هذا الأمر أحدث تغيرا في مواقف الدول الغربية (الداعمة لحفتر)، لكن ذلك لا يعني تخليها تماما عن حفتر”.
ومع أن مصر والإمارات وحتى فرنسا لم تعلن رسميا مشاركتها في قصف جوي لخصوم حفتر سواء في بنغازي أو في أجدابيا أو حتى في الهلال النفطي، إلا أن أطرافا ليبية وتقارير إعلامية وأمنية محلية تؤكد ذلك، وأهم مؤشراته مقتل ثلاثة جنود فرنسيين في معارك مع سرايا الدفاع في المنطقة ما بين بنغازي وأجدابيا، الصيف الماضي.
فسرايا الدفاع، التي انطلقت من جنوب مدينة أجدابيا باتجاه بنغازي (على مسافة 160 كلم)، في يونيو/ حزيران 2016، لدعم مجلس شورى ثوار بنغازي، تم قصفها بشدة، ولعب سلاح الطيران دورا رئيسيا في قطع الطريق عليها وإجبارها على التراجع بعدما لم يكن يفصلها سوى نحو 50 كلم عن بنغازي، بل أكثر من ذلك تم طردها حتى من معاقلها الرئيسية في جنوب أجدابيا، ودفعها لفرار إلى قواعدها الخلفية في محافظة الجفرة الخاضعة للقوة الثالثة التابعة لكتائب مصراته والمؤيدة لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس.
ولعب سلاح الجو التابع لحفتر، دور جوهريا أيضا في طرد مسلحين تابعين لإبراهيم جضران، القائد السابق لحرس المنشآت النفطية، ولسرايا الدفاع في هجمات سابقة تلت عملية سيطرة قوات حفتر على الموانئ النفطية الأربعة في سبتمبر الماضي، بالرغم من تمكن قوات جضران أو سرايا الدفاع من السيطرة على بلدة او بلدتين لساعات قبل الانسحاب مجددا بسبب الضربات الجوية.
وعلى هذا الأساس يرى متابعون للشأن الليبي أن القوات الجوية التي كانت تشارك في قصف سرايا الدفاع وقوات جضران، سواء في شرق أجدابيا أو في الهلال النفطي لم تكن كلها تابعة لحفتر، بدليل أن الغارات الجوية الحالية على سرايا الدفاع في الهلال النفطي لم تكن كثيفة ولا فاعلة كما في المواجهات السابقة.
وحتى بعد قيام قوات حفتر، بهجمات مضادة لاستعادة المنطقة من سرايا الدفاع، تم صدها وخسر مزيدا من القتلى، مما يعكس تراجع فعاليتها العسكرية بالرغم من هيمنتها على الجو.
ما سبق يطرح احتمالية عدم حصول حفتر، على دعم من حلفائه الإقليميين والدوليين بهدف إعادة تحجيمه بغية السيطرة عليه ودفعه ليكون أكثر ليونة بشأن المساعي الدولية والإقليمية لضم حفتر، إلى الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات المغربية في 17 ديسمبر 2015، مع إمكانية تعديله بالشكل الذي يمنح له دورا في معادلة الحكم في المرحلة المقبلة.
خاصة أن فقدان حفتر، لميناءين نفطيين بالإضافة إلى مطار استراتيجي، جاء بعد نحو أسبوعين من اتفاق وزراء خارجية مصر وتونس والجزائر، بالرفض القاطع لأي تدخل خارجي في شؤون ليبيا، وأي حل عسكري للأزمة، ومن أن هذا الاتفاق، إن تم الالتزام به، أن يشكل عائقا أما الدول الإقليمية أو الدولية التي ترغب في دعم أحد الأطراف، وخاصة الجناح الذي يمثله حفتر.
وفي هذا السياق يرى الخبير الاستراتيجي الدولي حسني عبيدي، أن ما تسمى معركة “ليبيا المفيدة” (الهلال النفطي الذي يحتوي على 80% من ثروات البلاد النفطية)، تحمل العديد من الرسائل، تتمثل في أن قوات حفتر وبالرغم من تفوقها العسكري غير قادرة على بسط نفوذها إلى غاية الحدود الجزائرية (غربا)” بالاضافة الى “محدودية حفتر في الحفاظ على المناطق التي يسيطر عليها، ومعنى ذلك أن مدينة بنغازي (عاصمة الشرق الليبي) أصبحت قريبة من سرايا الدفاع التي تعتبر مزيج من قوات أتية من الشرق الليبي”.
أما الرسالة الأخيرة من معارك الهلال النفطي حسب عبيدي، فإن “حفتر، أعطى صورة أن ما يهمه في ليبيا هو الحصول السلطة وعلى موارد البلاد (النفطية) ولا يهمه استقرار ليبيا”.
غير أن قراءات أخرى تعتقد أن سرايا الدفاع والمتحالفين معها (قوات جضران، وكتائب مصراته)، من الممكن أن تكون استمالت من تسميهم بـ”المرتزقة” إلى جانبها، خصوصا مع اتهام حفتر بالاستعانة بمسلحي حركة العدل والمساواة السودانية وقبائل التبو التشادية في تأمين موانئ الهلال النفطي، وهو ما بدا واضحا في تقهقر قوات حفتر بسرعة غريبة في كل من النوفلية وبن جواد والسدرة وراس لانوف.
ويعكس افتقاد قوات حفتر للعدد الكافي من القوات الليبية التي بإمكانها تأمين المناطق الخاضعة لسيطرته، خاصة وأن قواته لازالت لم تنه معركتها الرئيسية في بنغازي ضد مجلس شورى ثوار المدينة، كما أنها فتحت مؤخرا جبهة جديدة في مدينة درنة (شرق) ضد مجلس شورى مجاهدي المدينة.
من جهة اخرى رغم استياء دول غربية وإقليمة من اعمال حفتر العدائية ، ورغبتها في “تحجيمه” لإجباره على اللجوء إليها مقابل تقديم تنازلات سياسية، إلا أنه من المستبعد أن تتخلى هذه القوى عن الرجل القوي في الشرق الليبي لحساب قوى محسوبة على الثورة، ترى فيها بعض الدول الإقليمية والغربية خطرا عليها.
بتصرف-الاناضول