أحمد عصيد
اتضحت منذ بداية التحضيرات لانتخابات السابع من أكتوبر المنصرم ملامح توتر سياسي سرعان ما أدّى إلى الباب المسدود، فالطابع السلطوي للنظام، والذي جعل الملكية على جميع الواجهات، قد أدى إلى إضعاف الأحزاب السياسية، كما قاد إلى التصادم مع الإسلاميين، وهو تصادم كان منتظرا طال الزمان أو قصر، بسبب عدم إمكان اكتفاء هؤلاء بالمشاركة في تدبير الشأن العام مع غيرهم من الأحزاب، وتطلعهم المحموم إلى السلطة الفعلية، ما يجعل النظام الذي هو ملكية تنفيذية حاجزا أمام طموحهم. فتقدم الإسلاميين في مراكز النفوذ والقرار داخل الدولة، وتصرفهم في الثروة والميزانيات، يضعف النظام، كما أن حفاظ النظام على قوته يعرقل مشروع “الإخوان” ويجعلهم يظلون في حدود ممارسة السخرة الإدارية مع بعض الانتفاع من المناصب والمسؤوليات. وهو ما لا يقبلونه، لأن طبيعة “الإخوان” أنهم يريدون السلطة كلها أو يفقدونها كلها.
يتضح مما سبق أنّ الحلّ الأمثل لاستمرار المغرب على طريق الترسيخ الديمقراطي التدريجي يقتضي ما يلي:
1) أن يدرك النظام على أن الكثير من آليات الضبط التي اعتمدها سابقا لم يعد يمكن له الاستمرار في العمل بها، وأن يعمل على احترام الدستور والتعهدات التي قطعها على نفسه، وأن يتنازل تنازلات حكيمة لصالح القوى الديمقراطية المنتخبة، في إطار تعاقد واضح يصون مكتسبات المغاربة ويحميهم من بعضهم البعض، ويضمن التزام جميع الأطراف بعدم العودة إلى الوراء.
2) أن تستعيد الأحزاب السياسية استقلاليتها وقوتها وديناميتها القائمة على تقوية علاقاتها بقواعدها، واحترام مبادئ الديمقراطية في تنظيمها الداخلي، وتحديث هياكلها وتجديد مرجعياتها الفكرية والإيديولوجية، وفتح مقراتها للنقاش العمومي ولإسهامات الشباب والنساء والفئات الاجتماعية المختلفة، وأن تبني برامجها الانتخابية على الإصغاء لنبض المجتمع ورصد مكامن الخلل في السياسات العمومية، وأن تتوقف عن اعتبار القرب من الملك هو الذي يضمن لها البقاء ويمنحها شرعية المشاركة في الحياة السياسية.
3) أن يفهم الإسلاميون من خلال أخطاء غيرهم في بلدان أخرى، وأخطائهم خلال الولاية الحكومية السابقة، بأن صناديق الاقتراع ليست إلا إحدى آليات الديمقراطية وليست لوحدها هي الديمقراطية، كما أنها لا تتماشى مع الرغبة المحمومة في الهيمنة والتحكم في رقاب الناس، وأنها ليست ذريعة لتبرير التسلط واحتقار حقوق الأطراف الأخرى التي لها جميعها حقوق ثابتة في الديمقراطية لا سبيل إلى إنكارها، وأن يدركوا كذلك بأن جميع التجارب التي اعتمدت صناديق الاقتراع بدون مشروع ديمقراطي قد أدت جميعها إلى الخراب والكوارث، وأن يفهموا بأنه لا جدوى من نقل الناس من استبداد إلى آخر، إذ المطلوب أن ينتقل المغاربة من الاستبداد إلى التحرّر.
فهل تمتلك الأطراف المعنية بالوضع الراهن، والتي تتحمل جميعها مسؤولية استمراره، القدرة على مراجعة نفسها والانتصار للمغرب ضدا على حساباتها الصغيرة ؟