أن يستطيع المرء تحقيق النجاح في رسالته المهنية بألمعية نادرة.
أن تكون الابتسامة المكتملة الضاجة بالحياة عنوانا ونهج سيرة.
ألا يتوقف الأمر عند النجاح المهني بل يتعداه إلى كسب الإعجاب ثم الثقة ثم الحب…
أن تأسى القلوب قبل العيون حد الصدمة والدمع المدرار الصادق يوم الفراق الأبدي…
أن تُحفر في ذاكرتنا الإعلامية علامةٌ تتأبى على النسيان.
أن تستطيعَ كلَّ ذلكَ امرأةٌ مع كل ما يعتور التصور السائد من أفكار مسبقة عن النساء تجعلهن يواجهن أضعاف الصعوبات والمطبات التي يواجهها الرجال…
كانت مليكة تنتسب إلى ابتسامتها قبل كل شيء.
امرأة تجعلك في قلب السياقات الكبرى دون حذلقة أو كثير كلام.
كانت تنتقي كلماتها كما يُقتنى اللؤلؤ من الصدفة المتمنِّعة.
أدركتْ مبكرا أن الأوطان تبنيها السواعد الجريئة كما يبنيها الفكر المتنور.
كانت الدليل الحي على خَرَف الدجَّالين الداعين إلى الاستغناء الرمزي عن النساء في انتظار إعادتهن إلى زمن السبي والرقيق.
جيل كامل تعلم في مدرستها فن الحوار وضرورة الإنصات وجمال التعدد ورونق الاختلاف.
كانت علامة من علامات توقنا الأكيد لقول الأشياء كما يجب أن تقال وتبليغ الرسائل كما يجب أن تبلغ والتربية على القبول بالآخر المختلف، حيث يجمعنا الوطن في حب يشبه الوثنية،
من الشاشة انتزعت اعترافنا بها لا بتملق ما للنافذين.
كانت تدرك أنها تخطو على خيط رفيع في مغربٍ يتلمس الطريق للخروج من المنطقة الرمادية إلى فضاء أقرب إلى أحلام أجيال متتابعة.
معها كنا نخرج من الأمية الإعلامية ونكتشف شكلا مغايرا لاحتمالات العيش المشترك وفصولا تعريفية لنسبية الرأي ومعايير مجددة للسؤال والجواب.
في كل ذلك ظلت امرأة.
فيها من سحر الأنوثة ما لا يقاوم.
وفي نظرتها من الندية ما لا يبيح جسارة لأحد.
عليها من حلل الأناقة ما شاء لها الذوق.
أما الصرامة المهنية فقد كانت لديها عنصر إقناع بنبل الرسالة الإعلامية قبل أن تكون حاجزا أمام جرأة المتجاسرين.
تتهجى الكلمات فتتقمصها وتعيد نطق العبارة حتى تستقيم المعاني كلها وتومئ حيث تصلح الإيماءة وتعرب حيث يُطلب الإعراب.
جالستْ أصحاب القرار وأصحاب الأفكار فكانت لهم ندا إعلاميا مقنعا وفي حالات مفحما وفي بعضها لا راد لكلامها، حتى أصبح للحوار الوطني اسم مؤنث وللنقاش العمومي موعد مؤثث.
تجمَّع في شخصها ما لا يجمع في أخريات إلا نادرا مما لازلنا نذكرهن بكل خير…
نحنُ هنا لنقول الكلام الحق في اللحظة الحق. فليس بيننا في هذه الأمسية إلا ذكراها العبقة.
وأنا تعرفت عليها كما تعرف عليها المغاربة قاطبة إلى أن صرنا أصدقاء.
فقد اقتسمنا نفس القيم ونفس الأفق.
وازدادت المودة وتضاعف التقدير حين علمتُ أنها تنتمي إلى أسرة العزيز المأسوف على شبابه: الحسين حليلي، رفيق حياة المرأة الاستثنائية الأخرى المناضلة نجية مالك، ذلك الصديق المتفرد الذي خبرتُ رقته وكفاحيته واستقلالية رأيه في ليل السبعينات الرهيب،.
لقد كانت مناضلة حرة، دخلت قلوبنا واستوطنتها عن جدارة حتى أصبح موعدها التلفزي لحظة أشبه بالاحتفال والسهر الممتع، المقرون بأجمل الأحاسيس حبا في بلد يسمى المغرب.
كم نحن في حاجة إلى إطلالتك البهية، سيدتي، في وجه الاكفهرار والتجهم الآتي من نوازل الفقه المرتد إلى الجهالة الحضارية والأمية الروحية… كم نحن في حاجة إلى طلعتك في وجه الضحالة المهنية المستكينة…
شكرا للرائعة زينة على حرصها وتتبعها وصرامتها وصبرها، فهي عزاءٌ آخرُ عن رحيلك المبكر…
مليكة ملاك
كم نحن في حاجة إلى طلعتك،
كم نحن في حاجة إلى بهائك …
صلاح الوديع
7 مارس 2017