أسماء معتصم
قال محمد الهيني، القاضي السابق ، إن استقلال السلطة القضائية يعني بالضرورة انسحاب وزارة العدل من المشهد القضائي بكامل عناصره وجعلها وزارة قانونية بامتياز، وزارة منتدبة مكلفة بالتشريع في مجال العدل وجعل السلطة القضائية مستقلة بقضاتها وموظفيها ومحاكمها وماليتها وتجهيزاتها ومكاتبها ومقراتها.
واعتبر الهيني في حديثه للصباح أن تنصيب الملك للمجلس الأعلى للسلطة القضائية شكل حدثا تاريخيا بامتياز، لأنه يمثل أولى اللبنات الأساسية في بناء السلطة القضائية كأحد مكونات السلط الدستورية الثلاث بالدولة، لترسيخ فصل السلط بما تعنيه من دولة الحق والقانون والمؤسسات لفائدة المواطن باعتباره المستفيد من خدماتها، مشيرا إلى أن المغرب يعيش لحظة تاريخية بتنزيل الوثيقة الدستورية بالانتقال من القضاء كمرفق إداري تحت سلطة وزارة العدل إلى القضاء سلطة يجب أن تخضع لإشراف المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
هذا الإشراف ليس كاملا اليوم، لأنه ما زالت وزارة العدل تدبر شؤون المحاكم إداريا وماليا، و”هو ما ننتقده وسنستمر في انتقاده اليوم وغدا لأنه لا معنى لأي استقلالية حقيقية وفعلية وكاملة بدون إشراف المجلس على كل الشؤون القضائية والإدارية للمحاكم، فالرئيس المنتدب لا يملك اليوم حتى اقتناء قلم للمحاكم؟ ولا يمكن بتاتا تصور فصل بين المحاكم والمجلس لأنهما معا من أجهزة السلطة القضائية”.
واعتبر القاضي الهيني ان استقـــلال السلطة القضائيـة، سيساهم في تقوية استقلالية القضــــاء وتبــــوئه المكانة التي كفلها له الدستـــور، باعتباره سلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، ودعم الاستقلال المالي والإداري له، وتنزيل ضمانات تدبير الوضعية الفردية للقضاة في جميع مسارات الحياة المهنية والوظيفية، وتطوير المنظومة القانونية والقضائية كآلية للتقييم وإبداء الرأي واقتراح مشاريع القوانين، ووضع قواعد معيارية مؤطرة للشأن المهني تكفل ضبط القيم القضائية، وتفعيل أساليب تقييم جودة الخدمة القضائية وتحمي الأمن القانوني والقضائي.
وشدد على ان المجلس الأعلى للسلطة القضائية أمامه تحديات كبرى تتمثل في جعل الإدارة القضائية والمالية للمحاكم تحت إشراف الرئيس المنتدب، ونقل اختصاصات وزير العدل في المجال القضائي للرئيس المنتدب للمجلس والوكيل العام للملك بمحكمة النقض في قانوني المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية وغيرهما من القوانين الخاصة، ووضع المجلس للسياسة القضائية عموما والسياسة الجنائية خصوصا تحت إشراف الوكيل العام لمحكمة النقض، ووضع المجلس لقواعد ومعايير واضحة وشفافة في تدبير وضعيات القضاة في شكل دوريات وتوصيات تنظيمية.
واعتبر المستشار القانوني أن التشكيلة القضائية بالصفة أو المنتخبة أو غير القضائية للمجلس تشكل عامل قوة لتلاقح مختلف المشارب القضائية والمدنية والحقوقية، وهو ما يجب استثماره للدفع بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية لحماية استقلال القضاء وتكريس ضمانات حقيقية وفعلية لحماية القاضي من كل التأثيرات، وتنزيل قواعد للمسؤولية ناجعة تسائل القضاة عن الأخطــــاء المهنيـة وتضمن حقوق الدفاع وتعزز ثقة المتقاضين بالعدالة وحقهم في عدالة قوية ونزيهة وتصون الحقوق والحريات والأمن القضائي.