24ساعة-الرباط
لم تكن واقعة مقتل القاصر “نائل” على يد شرطي فرنسي إلا الشرارة التي أيقظت فتنة العنصرية التي تعيشها فرنسا، ويجسدها أمن البلاد بين فترة وأخرى تارة بسلوكات لفظية، وتارة بأحداث عنيفة وجرائم كما وقع في واقعة مقتل “نائل”..فأزمة العنصرية داخل جهاز الأمن حقيقة لم يعد بالإمكان التغاضي عنها، وهذه حقيقة اعترفت بها الأمم المتحدة ودعت باريس إلى العمل عليها بجد.
كل الفيديوهات التي وثقت الجريمة وما أعقبها تؤكد وجود مشكل حقيقي داخل فرنسا، بشكل بات يمزق هوية البلاد ويطرح بقوة سؤال فشل النموذج المجتمعي الفرنسي.. فالعبارات التي تفوه بها أحد عناصر الشرطة في وجه سيدة تحتج وتصرخ بعيد لحظات من الحادث، تكشف أن الحس العنصري داخل جهاز الأمن بات يشكل عامل محفزا على الاصطدام داخل المجتمع، بدل أن يكون هؤلاء عنصرا مساهما في إحقاق العدالة والمساواة.
“Retourne en Afrique”…هكذا صرخ أحد عناصر الأمن، بكل برودة، في وجه تلك السيدة التي كان قلبها يحترق وهي ترى أمامها جثة قاصر أسقطتها رصاصة شرطي صمم على القتل، وهو يصرخ في وجه نائل لحظات قبل إطلاق النار “سأضع رصاصة في رأسك Je vais te mettre une balle dans la tête”…وبالفعل فقد وضعها في رأسه..وضعها أيضا في جسد فرنسي مريض بات يشكل عالة حقيقية على المنظومة الأوروبية.
لقد عشنا هذه الأيام على وقع مشاهد العنف التي وضعت استقرار فرنسا على المحك..ورغم كل محاولات ربط مظاهر الشغب بالضواحي الفرنسية، أي أساسا بالمهاجرين، فإن الواقع مختلف تماما ويؤكد أن أزمة فرنسا تتجاوز ذلك بكثير..إنها أزمة نموذج مجتمعي فاشل، لم ينجح في إدماج المهاجرين ولا نجح في إدماج مواطنيه مع المهاجرين..أي أنه فشل في تحقيق التعايش داخل مجتمع متعدد، صنع أمجاده بسواعد المهاجرين، وبات اليوم ينغص الحياة عليهم بسلوكيات تضرب في الصميم البعد الثقافي والحضاري للاندماج..
ما يجري اليوم في فرنسا هو أن الحكومات المتتالية فشلت في جعل المواطن الفرنسي، ومنه ذلك الشرطي الذي قتل نائل، يفهم بأن بلده متعدد الأعراق والهويات..ولم يعد بالإمكان أن تفرض نفس اللون الأبيض..أو الثقافة والحضارة والدين وأسلوب العيش على جميع الأجناس والأعراق التي تعيش فوق هذه الأرض..لقد فشلت فرنسا في تحقيق نموذج مجتمعي متعدد كما نجحت في ذلك دول قريبة، وعلى رأس ألمانيا وبريطانيا..
ما تعيشه اليوم فرنسا من تخريب واحتجاجات عنيفة ليس إلا محصلة لما زرعته..فمن يقفون وراء هذه الأعمال هم في نهاية المطاف فرنسيون، لكن أصولهم مختلفة..هم أطفال وشباب درسوا وتربوا في فرنسا، لكنهم عانوا من عزلة قاتلة فرضتها سياسات عنصرية تنظر إلى الآخر من منطق توظيفه لخدمة الاقتصاد المحلي دون أن يتم إدماجه على نحو سليم داخل المجتمع..فوقع ما وقع في ثورة الضواحي لسنة 2005، والتي أجبرت الرئيس آنذاك جاك شيراك على إعلان حالة الطوارئ بعد وفاة شابين صعقا في محطة للكهرباء أثناء اختبائهما من الشرطة…ووقع ما وقع اليوم مع “نائل” لأن نفس الشرطة لم تطور رؤيتها ومنظورها إلى هذا الآخر الذي يسعى جاهدا إلى الاندماج داخل المجتمع، لكنها يصطدم بنفس المنطق الذي يقول “Retourne en Afrique”…