في خطوة تمزج بين السياسة والطقس، أثار منشور رئيس الحكومة بشأن تنفيذ سياسة الحكومة في مجال التشغيل الكثير من السخرية، بعدما وعد بتقليص معدل البطالة إلى 9 في المائة وإحداث 1,45 مليون منصب شغل إضافي بحلول عام 2030، شريطة عودة التساقطات المطرية إلى مستوياتها العادية.
منشور رئيس الحكومة حرص على جعل كل شيء مرتبطا بالسماء، وكأن سنوات الجفاف التي عاشتها بلادنا لمدة 7 سنوات لم تكن كافية لإبداع سياسات حكومية للتعايش مع الوضع الجديد، بدل جعل الأمل في تحسين الوضع الاقتصادي للمواطنين مرهونا بتقلبات أحوال الطقس.
فإذا كان هطول الأمطار هو المعيار الوحيد لنجاح أو فشل السياسات الاقتصادية، فما الذي نفعله بالأدوات الاقتصادية والبرامج الحكومية التي استُثمرت فيها مليارات الدراهم؟ وهل باتت السياسات المعتمدة على الابتكار والتنمية الصناعية مجرد ترف فكري بعيد عن الواقع؟
ما يثير السخرية هنا ليس فقط العلاقة السببية بين تساقط الأمطار وخفض البطالة، بل أيضًا التأكيد غير المباشر على أن المغرب، رغم تقدمه في بعض المجالات، لا يزال في جوهره يعتمد بشكل شبه كامل على الفلاحة، وهذا مشكل كبير.
هذه الربط يعصف، في واقع الأمر، بكل الجهود التي بذلتها بلادنا في السنوات الماضية لتعزيز الصناعة وتنويع الاقتصاد الوطني بعيدًا عن القطاعات التقليدية. ففي الوقت الذي كان من المفترض أن يتوسع الاقتصاد المغربي في مجالات أخرى كالصناعة والخدمات، نجد أن الحكومة تعود لتعلن، وبكل جدية، أن خفض البطالة مرهون بموسم المطر.
إذا كانت هذه هي العقلية التي تحكم السياسات الاقتصادية في المغرب، فإننا قد نكون أمام واقع مأساوي حيث يبدو أن الصناعة والتنمية المستدامة مجرد أداة مكملّة، بينما يبقى الطقس هو العنصر الأساسي الذي يتحكم في مستقبل فرص الشغل والنمو الاقتصادي. والأمر الأكثر حرجا هو أن هذا المنشور تؤكد ما كنا نتجنب التفكير فيه: أن المغرب، رغم الجهود المبذولة، لم يتمكن من التخلص تمامًا من اعتماده الكبير على القطاع الفلاحي.
وهذا لا يعني أن الفلاحة ليست أساسية، بل إنها بحاجة إلى دعم حقيقي من خلال استراتيجيات صناعية قوية تحفز التصنيع المحلي، وتفتح آفاقًا جديدة في مجالات متعددة.
توجه الحكومة هنا يعكس نوعًا من الركود الفكري الاقتصادي. فبدلاً من مواجهة الحقيقة التي تقول إن الاقتصاد المغربي بحاجة إلى تغييرات جذرية لتقليل اعتماده على الفلاحة، نجد أن الحلول تقتصر على الانتظار لتساقط الأمطار. هذا الموقف يعزز فكرة أن الحكومة قد تكون قد تراجعت عن تنفيذ السياسات الصناعية الكبرى، بل وقد أضحت تقتنع بأن النمو الاقتصادي مرهون أكثر بمواسم الأمطار منه بمبادرات استراتيجية طموحة.
إذن، ما الذي يمكن أن نتوقعه في ظل هذا الوضع؟ إذا كانت السياسات الاقتصادية تعتمد على “الحظ” والتوقعات الجوية أكثر من الاعتماد على خطط عمل مدروسة، فإننا ببساطة نكون أمام حالة من الجمود الاقتصادي الذي لا يمكن أن ينقذه سوى تحسن مفاجئ في الطقس.
من المؤسف أن المغرب، الذي يمتلك الكثير من الإمكانيات لتحسين اقتصاده والصناعة الوطنية، لا يزال يُخضع مصير مئات الآلاف من العاطلين عن العمل لرحمة الأمطار. ما يحتاجه البلد اليوم هو خطة اقتصادية طموحة ومترابطة بعيدًا عن “الآمال” المتعلقة بحالة الطقس. إن الاستمرار في الاعتماد على الفلاحة فقط دون تطوير القطاع الصناعي والخدماتي يثبت أن السياسات السابقة لم تكن كافية للوصول إلى مستوى من التنوع الاقتصادي الذي يسمح بالاستدامة وخلق فرص عمل حقيقية.
في النهاية، إذا كان المطر هو الجواب على جميع مشكلات البطالة، فربما ينبغي لنا أن نتوجه جميعًا إلى المساجد لدعاء السماء بدلاً من انتظار تصريحات الحكومة، لأن الحلول الحقيقية لا تأتي من الغيوم فقط، بل من من السياسات الجادة التي يمكن أن تغير واقعنا الاقتصادي نحو الأفضل، وأن توجه ثروة السماء لخدمة البلاد والعباد.