الرباط-عماد المجدوبي
منذ اللحظة التي دخلت فيها أمينة بوعياش إلى عالم الدفاع عن حقوق الإنسان، كان واضحًا أن مسارها لن يكون مهنة، بل سيكون شغفًا ورسالة طويلة الأمد.
يُعتبر اسم أمينة بوعياش مرادفًا للنضال القانوني والحقوقي في المغرب، بفضل مسيرتها التي تمتد لعقود، مشبعة بالإنجازات والالتزام العميق بقيم العدالة والمساواة. اليوم، تتربع على رأس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ولكن مسارها لم يبدأ من هنا.
من تطوان إلى الرباط
ولدت أمينة بوعياش في مدينة تطوان عام 1957، في عائلة ذات خلفية ثقافية رفيعة، حيث كان والدها، الراحل حمادي بوعياش، من كبار المحامين المناضلين من أجل استقلال المغرب.
البيئة التي نشأت فيها بوعياش، والتي كانت تزخر بالقيم الوطنية والإنسانية، تركت تأثيرًا عميقًا على تكوين شخصيتها. من خلال تعليمها الجامعي في المغرب، حصلت على شهادة الماجستير في الاقتصاد السياسي من جامعة محمد الخامس في الرباط، وكانت بداية انطلاقتها نحو عالم الحقوق والمساواة.
بدأت أمينة بوعياش مسيرتها في مجال الحقوق عام 1979، وهو العام الذي شهد توليها عضوية “المنظمة المغربية لحقوق الإنسان”، حيث بدأت تكتسب سمعة بارزة في مجال الدفاع عن حقوق الأفراد.
كانت واحدة من النساء القليلات اللواتي اخترن الدخول في هذا المجال الذي كان يهيمن عليه في الغالب الرجال. غير أن بوعياش لم تكن لتُعرف فقط كحقوقية، بل كمناضلة تسعى إلى تغيير الواقع الاجتماعي والسياسي في المغرب.
هذا الالتزام كان واضحًا منذ انخراطها في العمل الحقوقي في أواخر السبعينيات، حينما أدركت مبكرًا مدى أهمية تفعيل حقوق الإنسان في سياقات سياسية واجتماعية كانت تمر بتحديات عميقة.
خلال السنوات التالية، تصدرت بوعياش عددًا من القضايا الحقوقية الكبرى، أبرزها تلك المتعلقة بحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين. كانت تشارك في صياغة السياسات القانونية التي تهدف إلى دعم حقوق المرأة، وكذلك القضايا المتعلقة بالمحرومين والمهمشين في المجتمع. هذا التوجه الحقوقي جعل منها رمزًا نسائيًا قويًا في المغرب وفي المنطقة العربية.
من المنظمة إلى رئاسة المجلس الوطني
منذ عام 2006 إلى 2015، ترأست أمينة بوعياش “المنظمة المغربية لحقوق الإنسان”، وهو منصب لم يُعهد من قبل لامرأة في السياق العربي. تحت قيادتها، شهدت المنظمة تحولات كبيرة، حيث ركزت على تفعيل دورها في مراقبة حقوق الإنسان والمشاركة في تطوير التشريعات الوطنية والدولية.
استطاعت بوعياش أن توازن بين الدفاع عن حقوق الأفراد وتحقيق التفاهم مع الجهات الحكومية، لتساهم في تعزيز التغيير بشكل تدريجي.
ولكن القفزة الكبرى في مسارها المهني جاءت في عام 2018، عندما تم تعيينها رئيسة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان من قبل جلالة الملك محمد السادس. هذا المنصب كان يحمل تحديات كبيرة في وقت كانت فيه القضايا الحقوقية في المغرب تتطلب قيادة حكيمة قادرة على التعامل مع قضايا مثل حرية التعبير، والمساواة، وحماية الأقليات.
منذ توليها رئاسة المجلس، برعت أمينة بوعياش في إدارة دفة المؤسسة الحقوقية بشكل كان أكثر حضورًا وتأثيرًا.
كانت تسعى لإحداث تغيير جذري في كيفية تعامل المجلس مع قضايا حقوق الإنسان، بدءًا من تعزيز استقلاليته وصولًا إلى تنشيط دوره في محاربة جميع أشكال التمييز والظلم في المجتمع.
تحت قيادتها، أصبح المجلس أكثر فاعلية في تقديم تقارير دورية وشاملة حول وضعية حقوق الإنسان في المغرب، كما توسعت صلاحياته في مجال رصد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
لكن إنجازاتها لم تقتصر على الجانب المحلي فقط. بوعياش لعبت دورًا كبيرًا على الصعيد الدولي في مجال حقوق الإنسان، حيث كانت عضوًا في عدة لجان دولية ومؤسسات حقوقية عالمية، مثل “الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان”، دون أن ننسى حضور الوازن كعضو في اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور المغربي في سنة 2011.
كان صوتها حاضرًا في المحافل الدولية، حيث عملت على تعزيز موقف المغرب في المنظمات الحقوقية الدولية، كما دافعت عن قضايا اللاجئين والمهاجرين.
القيادة بهدوء
ما يميز بوعياش في مجالها هو قدرتها على الجمع بين القوة والهدوء. فهي لا تحتاج إلى صخب أو ضجيج لتكون مسموعة، بل تلتزم بنهج متزن يرتكز على الحوار والإقناع أكثر من كسر القوالب. هذه الطريقة المميزة جعلت منها شخصية محورية في تشكيل السياسات الحقوقية في المغرب، وساهمت في تعزيز دور المجلس الوطني لحقوق الإنسان كمؤسسة مستقلة تحظى بالاحترام على الساحة السياسية.
أسلوبها الهادئ يتماشى مع حكمة نابعة من سنوات طويلة من العمل في مجال حقوق الإنسان، وهو ما جعلها تحظى باحترام كبير سواء من داخل المغرب أو خارجه. تحت قيادتها، تم التركيز على قضايا الشفافية والمساءلة، وتم تعزيز التواصل بين الحكومة والمجتمع المدني.
طوال مسيرتها، حصلت أمينة بوعياش على العديد من الجوائز والتكريمات تقديرًا لجهودها المستمرة في مجال حقوق الإنسان. كان أبرزها انتخابها في 2025 رئيسة للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وهو ما يعكس الثقة الدولية في قيادتها وكفاءتها.
رغم النجاحات التي حققتها، فإن أمينة بوعياش لا تزال تؤمن بأن الطريق ما يزال طويلًا. فالتحديات التي تواجه حقوق الإنسان في العالم تتطلب استمرار العمل الجاد والمثابرة. المرأة، وحقوق الأطفال، والعدالة الاجتماعية، والمساواة في الفرص، لا تزال جميعها قضايا محورية في عملها اليومي.
ومع ذلك، فإن إرث بوعياش في الدفاع عن حقوق الإنسان، سواء داخل المغرب أو في الساحة الدولية، يظل حافلًا بالعزيمة والإنجازات التي ألهمت جيلًا من الحقوقيين في المنطقة.
اليوم، يبقى اسم أمينة بوعياش مرادفًا للالتزام الأصيل والدفاع المستمر عن الكرامة الإنسانية، وهي تواصل مسيرتها في مجال حقوق الإنسان، متسلحةً بالعزيمة والقدرة على إحداث تغيير حقيقي في مجتمعاتنا.